الدكتورة نازك عبدالله في حفل تكريم شقيقها الشاعر محمد عبدالله في نادي الخيام الثقافي الاجتماعي
أيها الحفل الكريم.
أبدأ كلمتي بشكر القيِّمين على نادي الخيام الثقافي الاجتماعي لمبادرتِهم بتكريم أخي الرَّاحل الشاعر محمد سامي علي عبدالله، كما أتوجَّه بالشكر إلى جميع الحاضرين وإلى كل الذين ساهموا من شعراء وكتَّاب وذوَّاقة للشِّعْر بكتاباتهم في مختلف وسائل الإعلام والتواصُل الاجتماعي.
عندما زرْتُ ضريح أخي في الذكرى الأولى لغيابه، توقَّفتُ لدقائق،
قرأتُ الكتابات وفكَّرتُ بصوتٍ مسموع:
لا يُمْكِنُ لهذه الرقْعة الضيِّقة من الأرض أن تتسِّع لهذه القامة المُتمادِيَة الآفاق، فأنا أراهُ في كلِّ مكان،
أراهُ في صفوِ السماء
أراهُ في جَرْي الغيوم
أراهُ في ترْنيمةِ السَّاقية
أراهُ في شدْوِ كلِّ حسُّون
في عطاءِ كلِّ شجَرَة
أراهُ في تنفُّسِ الأرض
تغمرُها الشمسُ بالدِّفْءِ، وقد تغلْغَل في حناياها المطر.
أخي،
رأيْتُكَ آخر مرَّه،
تغرَقُ في حلمٍ بعيدِ المنال
في قلقٍ مختلفِ الألوان
وتغرقُ معكَ آلهةُ البحْر
والبحْرُ ثائر الموْج، غاضبٌ، لا يلين،
تتوسَّلُ بالقلبِ وبالعينِ
وقد أقفرَ الكونُ وخَلَتْ آفاقُهُ من المُحْسنين.
رأيتُكَ تسْتَنيرُ بنجومٍ أطفأ الرِّيحُ سناها
تقْطُفُ من شجرةِ السُّهْد آمالَك
ومنْ نبْعٍ تخافُ نضوبَ مائِه،
تملأُ الكأْسَ، وتحْتَسي ثمَّ تحْتَسي ثمَّ تحْتَسي،
كمْ وكمْ ضَفْرتَ من التِّيجان
لتُكَلِّلَ بها رؤوسَ أحبَّائك
ولمْ تدْرِ بأنَّكَ كُنْتَ أنتَ
التاجَ الذي يُكَلِّلُ رؤوسَنا.
رأيتُ ابتسامتَكَ التي تُشْبِهُ
ابتسامةَ قمرٍ حزين.
وكَشجَرَةٍ عرَّاها الرِّيحُ
تدَاعى قلبُكَ الكبير
مُحْتَضِناً بقايا حنين
غًطَسْتَ حتَّى الغَرَقِ
في أعماقِ هذا الوجود
وقوةٌ أكثر من خارِقه
تدفعُكَ ألاَّ تسْتَسْلِمَ للجُمُوْدِ
لتُلْقِي آخرَ نظرَةٍ على هذا الكون
المُمْعِنِ في الرُّكود.
في ديوانه "قربان الأغاني"
يقولُ شاعرُ الهندِ الكبير "طاغور":
قضَيْتُ أيامي أُدَوْزِنُ قيثارتي
لم أتمكَّن من إيجادِ الإيقاعِ الصحيح
لم يبقَ في قلبي سوى احتضار الأُمْنيه
تلَقَّيْتُ دعوتي إلى مهرجان هذا العالم
وكان نصيبي أن أعزِفَ على قيثارتي
وقُمْتُ بكلِّ ما باستطاعتي أن أقومَ به،
ربي اعْطِني القوَّةَ لأسْمو بروحي
فوقَ كلِّ التَّفاهاتِ المعهوده،
تردَّدْتُ أنْ أزْهَدَ في الدُّنيا
وهكذا غطَسْتُ في مياه الحياة الرَّحبَةِ،
المصباحُ الذي أضاء زاويتي المٌظلِمَه
قد اسْتُهْلِكَ، أتاني النِّداءُ وأنا
مستعِدٌ للمرحله، تَمَنُّوا لي حظَّاً سعيداً،
لا تسألوني ماذا سأحمِلٌ معي، أقومُ برحلتي
خالي اليدين وقلبي مُفْعَمٌ بالوعود،
أشعُرُ بهزيْمَةِ كِبْريائي،
وحياتي تتَخَطَّى كلَّ الحدود،
إخضَعْ يا قلبي، وبدون جَلَبَه
تقَبَّلْ هزيمَتَك،
اعتبِرْ حظَّكَ سعيداً في أن تخْلُدَ للرَّاحه،
أصدقائي،
تآخَيْنا، تصادَقْنا، تلَقَّيْتُ منكُم أكثَرَ
ممَّا استَطَعتُ أنْ أُعْطِيَكُم، أخذتُ عطلَتِي،
تمنُّوا لي رحلةً طيِّبَه،
أضَعُ مفاتيحي على البابِ،
أتخَلَّى عن حقوقي،
امنحوني،
فقط،
بعضَ الكلامِ الجميل.
* كلمة ألقتها الدكتورة نازك عبدالله في حفل تكريم شقيقها الراحل الشاعر محمد عبدالله في نادي الخيام الثقافي الاجتماعي بمناسبة ذكراه الأولى.
موضوع ذات صلة: تكريم الشاعر محمد العبدالله في بلدته الخيام
كلمة الدكتورة نازك عبدالله: أخي محمّد.. أراهُ في كلِّ مكان
كلمة الأستاذ عزت رشيدي: محمد عبدالله
كلمة عقل العويط: مهداة إلى محمد العبدالله
تعليقات: