أبو حسن.. آخر مبيضي الطناجر في الجنوب


في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، شهد اللبنانيون فصولاً من التبييض الانتخابي، أين منها تبييض الطناجر الذي امتهنه المواطن الجنوبي أبو حسن، بكل دقة وحرص وأمانة.

"مبيض...مبيض... طناجرك والاباريق بيرجعو معنا جداد... وينك يا ست الدار؟"... عبارة

لاتزال محفورة في ذاكرة ابو حسن، أحد آخر حرفيي " تبيض النحاس" في جنوب لبنان.

أبوحسن يعالج الصدأ في الاباريق والطناجر النحاسية، ويجري لها عملية تجميل " بدائية" بالقصدير والنشادر والنار، ليزيل عنها سواد الأيام وغبار الزمن، قبل ان يمسحها بقطعة قماش ليعيد اليها بريقها، فتعرض "تحفة" في الواجهات، بعد أن كانت "سيدة المطابخ".

عند رصيف الكورنيش البحري لمدينة صور، افرغ ابو حسن حمولته من الطناجر العتيقة، وفلش عدّة الشغل، وانصرف الى العمل، مستقطباً في سرعة اهتمام العابرين وحشريتهم.

يتصاعد الدخان من حوله نتيجة المواد التي يستخدمها ( الشنادر والملح والقصدير) لإزالة سواد الطناجر التي يقلبها بين يديه بملقط حديد ثم يضعها على النار ليعالجها بالشنادر قبل أن تنطلق مرحلة التبييض، عبر فركها بقطعة من القطن الخشن يزيل بواسطتها الأوساخ، ثم يمسحها بقطعة قماش، ويُغسلها بالمياه ويجففها بعد ذلك تحت أشعة الشمس.

هذا المبيّض إبن بلدة جويا (قضاء صور) التي خرج منها كثيرون ممن امتهنوا التبييض، ويعتبر أن المهنة الى زوال، إذ لم يعد احد يهتم بها، وباتت من الماضي.

ويروي ابو حسن لـ"النهار" أنه كان يجول في القرى، كما كثيرين، لتبيض طناجر ربات البيوت، ولكنه اليوم ما عاد يجد اهتماماً لديهن بعد تطور الصناعات البيتية، وأفول عصر النحاسيات والتبييض.

يرفض ابو حسن مغادرة المهنة التي اشتهرت بها جويا مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واعتاش منها عقوداً، "هي جزء من حياتي، ربيت اولادي عبرها، ولكنها تعيش نهاية عصرها. دول العالم تهتم بالتراث لانه جزء من هوية الوطن، الا لبنان يدفن التراث... مش حرام؟"


تعليقات: