احتجاز الناس على الطرقات: اللبنانيّون رهائن لمصالح الكسارات




أمس، سجن الناس على الطرقات لساعات طويلة، امتدت في مطارح مختلفة لأكثر من ست ساعات، إذ عمدت مجموعة من أصحاب الشاحنات إلى قطع الطرقات الرئيسيّة في البقاع والجنوب وجبل لبنان، وعلى مداخل بيروت، احتجاجاً على قرار وزير الداخليّة والبلديّات، نهاد المشنوق، القاضي بوقف العمل في كلّ المرامل والكسّارات لمدّة شهر، إلا أن ما جرى أمس أوضح بشكل جليّ قدرة منظومة المصالح على فرض شروطها كي تستمر بمراكمة الأرباح على حساب المجتمع والبيئة

فيفيان عقيقي

لم يقفل أصحاب الشاحنات الطرقات فقط، بل تعدّوا على مواطنين امتعضوا من احتجازهم تحت أشعة الشمس لساعات طويلة، أمس، وعمدوا الى تكسير سيارات عدّة، وهو ما وثّقته فيديوات تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي في محلّة «الكوستا برافا».

كلّ ذلك، تمّ في ظل تأخّر الأجهزة الأمنيّة عن معالجة الأزمة، ما سمح بتحويل الناس إلى رهائن على الطرقات.

ليست هذه المرّة الأولى التي يعمد فيها أصحاب الشاحنات إلى الاحتجاج وإغلاق الطرقات والتعدّي على حقّ الناس في التنقل، وهو دائماً ما يأتي كردّ فعل على وقف وزارة الداخليّة والبلديّات العمل في بعض المرامل والكسّارات، ووقف المهل الإداريّة الممنوحة منها لاستمرار هذه الأعمال، قبل أن تعود عن قراراتها، نتيجة ضغوط تمارسها القوى الفاعلة في هذا القطاع، أي أصحاب هذه الكسّارات والمرامل ومعامل الإسمنت، من خلال نفوذها وأدواتها (أصحاب الشاحنات هم إحداها). وهي قوى نهشت على مدار سنوات، وبرضى السلطة الحاكمة ووزارتها المعنيّة، الجبال اللبنانيّة في كلّ المناطق وبالتساوي. وما الأزمة المُستجدة، إلّا ردّ فعل على القرار الصادر عن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في 20 نيسان الحالي، والقاضي «بوقف أعمال المرامل والكسّارات وأعمال الحفر ونقل الناتج، لمدّة شهر، في كل المناطق اللبنانيّة، بالتنسيق مع رئيسي الجمهوريّة والحكومة ووزير البيئة، ليُصار إلى عرض هذا الملف خلال هذه الفترة على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب وتنظيم هذا القطاع»، كما ينصّ المخطط التوجيهي العامّ للمقالع والكسّارات الصادر في عام 1997.

اعتصام مفتوح حتى فتح الكسّارات!

لم تفتح الطرقات، أمس، إلّا ظهراً، بعد استقدام عناصر من القوة الضاربة في قوى «الأمن الداخلي» إلى مكان الاعتصام في ضهر البيدر، والتوصّل إلى اتفاق مع المعتصمين على فتح الطريق الدولية في الزهراني، وذلك بعدما أمهل المشنوق المعتصمين مهلة ساعة لفتح الطرقات قبل استعمال القوّة. لكن زحمة السير استمرّت طوال النهار مع إصرار أصحاب وسائقي الشاحنات على إيقاف شاحناتهم على مسالك الطرق الرئيسيّة، واستمرار اعتصامهم إلى حين تحقيق مطالبهم بإعادة فتح الكسارات والمقالع والمرامل وتخريب البيئة ونهش الطبيعة بعشوائية مفرطة.

يقول نقيب أصحاب الشاحنات شفيق القسيس إن «التحرّك كان اعتباطياً، دون إملاء من أحد، من بعض السائقين المتحمّسين الذين نُكبت بيوتهم، لكننا ومن اليوم (أمس) بتنا كنقابة راعين لهذا الاعتصام الذي سيستمر عبر إيقاف الشاحنات على جوانب الطرقات مع التعهّد بعدم إقفالها، إلى أن يعطونا ضوءاً أخضر لاستكمال أعمال نقل الرمل والبحص من المرامل والكسّارات المرخّصة في شكل دائم، وإعادة العمل بنقل الناتج وفي الحُفر ليومين في الأسبوع، لحاملي الرخص حصراً».

رغم ذلك، يبقى مطلب أصحاب الشاحنات بعدم إقفال المرامل والكسّارات معادياً للبيئة وللمجتمع ككلّ، ولا يُبرّر بامتناع الدولة عن القيام بواجباتها كدولة رعاية وتأمين فرص عمل لمواطنيها لفرض تقبّله. يشير القسيس إلى أن «هناك نحو 14 ألف شاحنة عموميّة عاملة في لبنان، تعيش 4 عائلات من كلّ منها، وهم يعيشون يوماً بيوم من ناتج عملهم. المطلوب هو أن يرحمونا من خلافاتهم السياسيّة، وخصوصاً أن الوزير نفسه سبق أن أصدر رخصاً ومهلاً إداريّة استثنائيّة عدّة، تنمّ عن إجحاف بحقّ الكثير من السائقين». طبعاً لا تحمل هذه الأرقام أي صدقية إحصائية، فهي مضخّمة بطبيعة الحال، ولكن ذلك لا يلغي أن هناك متضررين تتحمل الدولة مسؤولية إيجاد السبل لتعويض ضررهم بمنحهم الفرص الأخرى في اقتصاد منتج للوظائف والدخل.

إقفال الطرق ممنوع تحت طائلة استعمال القوة

موقف القسيس الليّن، صدر بعد رفع الغطاء السياسي عن المشهد الهمجي في الشارع، وإلقاء «شعبة المعلومات» القبض على مفتعل الإشكال في محلة «الكوستا برافا»، فيما تنفي وزارة الداخليّة الاتهامات بتأخّرها في معالجة الأزمة، مشيرة إلى أن الأجهزة بادرت الى الاتصال بأصحاب الشاحنات وممثليهم لحلّ الموضوع، إلّا أن مشهد الاعتداء الذي تم تناقله على وسائل التواصل الاجتماعي كبّر المشكلة، ودفع وزير الداخليّة إلى إعطاء المعتصمين ساعة لفتح الطرق، والدعوة إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزيّ.

وقد صدر بيان بعيد انتهاء الاجتماع، أشار إلى «مباشرة القوى العسكريّة والأمنيّة صباح اليوم (الخميس) باتخاذ التدابير اللازمة لمنع إقفال الطرقات الدوليّة وتأمين حرية تنقل المواطنين وسلامتهم وانتقالهم إلى أعمالهم ومنازلهم والحفاظ على السلامة العامّة ومنع إقفال أي طريق دوليّة مهما كانت الأسباب، مع اتخاذ القوى العسكريّة والأمنيّة الإجراءات القانونيّة في شكل سليم وحازم لمنع أي تحرّكات مماثلة قد تحصل في المستقبل، حفاظاً على ممتلكات الناس والسلم الأهلي، مع الحفاظ على حقّ التعبير والتظاهر وفقاً للقوانين المرعية». وكان الوزير المشنوق قد نفى في تصريحات، أمس، علمه بوجود خلفيات سياسيّة وراء التحرّكات، أمّا قراره بإقفال المرامل والكسّارات فسببه المزايدات التي أطلقها سياسيون مستفيدون من عملها، في محاولة لرمي مسؤوليّة بقائها عليه، مشيراً في بيانه إلى أن «استمرار عمل المرامل والكسّارات يعود إلى تدخلات سياسيّة ومعنويّة، مارسها هؤلاء، بطريقة مباشرة وغير مباشرة».

«أمل» ترفع الغطاء

وجدت مصادر وزاريّة أن أزمة «أصحاب الشاحنات» مفتعلة، وردّتها إلى الكباش الحاصل حول قانون الانتخاب، واعتبرتها بمثابة رسالة عمد رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إيصالها إلى فريق رئيس الجمهوريّة، وهو ما حرص بري على الردّ عليه. فبعد لقاء الأربعاء النيابي في عين التينة، نقل نواب «حركة أمل» عنه استياءه وإدانته لقطع الطرق من أصحاب الشاحنات، وتأكيداً على موقفه من الكسارات والمرامل التي شوّهت الطبيعة وأضرّت وتضرّ بالبيئة، كما استنكر المكتب العمالي في «حركة أمل» قطع الطرق، ودعا أصحاب الشاحنات إلى «اللجوء الى أساليب المطالبة المشروعة التي لا تسبب ضرراً للمواطنين، وألا يمارسوا ممارسات قاطعي الطرق». كذلك أكد رئيس اتحاد النقل البري بسام طليس أن «قطاع النقل البري لا يقبل التعرّض والإساءة للمواطنين على الطرق، سواء بقطعها أو التعرّض لهم»، داعياً «أصحاب الشاحنات إلى فتح الطرق وألّا يكونوا أدوات بيد أصحاب الكسارات والمرامل». كذلك اعتبر نائب رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان حسن فقيه، «أن الاتحاد هو ضدّ كل من يقفل أي طريق، وأنه مع المطالب المحقّة دون التعرض للمواطنين ومحاصرتهم على الطرقات»

تعليقات: