العمّال في عيدهم.. لا تستخفوا بذكائنا!


هو عيد النفوس الأبية والضمائر الحية والقلوب العامرة بالمحبة والعطاء، هو عيد العمال والفلاحين والفقراء الذين يسابقون ضوء الفجر لجني ما يحميهم ويسد كفافهم ويبعد عنهم شبح الحاجة والتذلل أمام من يسرق أحلامهم وآمالهم وعرق جباههم ومستقبل أطفالهم.

هم يعرفون تماماً أن القصائد التي تكتب لهم في عيدهم لن تعوضهم تعبهم في ما زرعوه من خير ومحبة وبنيان وجنى، وهي لن تدخلهم جنة الوطن الآمن الذي يترجم أحلامهم وينسيهم مواجهاتهم اليومية للحروب التي تشن على حقوقهم وضمانهم الصحي والإجتماعي، وحقهم في العمل والأجر العادل والعيش الكريم، وهي لن تنسيهم صراعهم مع سلطة شرّعت لقانون تهجيري يشردهم من منازلهم ويرمي بهم وسط معتزلات طائفية ومذهبية وفئوية، سلطة أفسدت قضاءهم وإداراتهم ومؤسساتهم، وجعلتها ساحات مفتوحة للسماسرة والمرتشين وقطّاع الطرق.

هم يعرفون تماماً أن المصارف ليست دكاكين للنقود، بل سلاحاً جديداً قادراً على قلب الموازين في مجتمعاتهم، والتحكم في موازناتهم البسيطة والمحدودة، وأن ما صمد من مدخّراتهم تتناتشها فواتير الماء والكهرباء والإستشفاء وأقساط المدارس والجامعات.

هم يعرفون تماماً أن ما تدفعه الدولة من جيوبهم سنوياً لدعم الجمعيات ورعاية المهرجانات ودكاكين المدارس الخاصة المجانية الوهمية يتجاوز في كلفته ضعفي كلفة سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين والعاملين في الإدارات والمؤسسات العامة.

ما تجبيه الجمارك من رسوم لا يتجاوز 700 مليار ليرة بينما ما يجب أن تجبيه، بحسب الأرقام الرسميّة، يتجاوز 3000 مليار ليرة.

أن الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي له ديون على الدولة تتجاوز 2000 مليار ليرة، وهي تسعى لإلغائها وضرب ماليّة الضمان وتهديد إستمراريته.

أن الهدر على الكهرباء يتجاوز المليار دولار سنوياً، ونحن بلا كهرباء.

أن الدولة تستورد بضائع بـ 19 مليار دولار سنوياً ولا تصدّر بأكثر من 3 مليار دولار، وهي تسمح باستيراد ورود بأكثر من 50 مليون دولار سنوياً، بينما نحن في بلد متوسطي. وبأكثر من 250 مليون دولار زيوت للإستعمال المنزلي وإنتاجنا من أفخر أنواع زيت الزيتون يُخزّن في الأقبية والمستودعات.

هم يعرفون تماماً أن دولتهم تدار بلا موازنة عامة لأكثر من 12 سنة، وبأننا ندفع فوائد على الدين العام بأكثر من نصف دخلنا، وأن نسبة هذه الفوائد تتجاوز 7% عليها بينما المعدلات العالمية لا تتجاوز 3% على الفوائد.

أن نسبة الرواتب والأجور للعاملين لا تتجاوز 25% من الموازنة، بينما هي في فرنسا أو بريطانيا أو غيرها من الدول تتجاوز الـ 50% من موازناتهم.

أن الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، بينما أدنى إيجار شهري لمنزل عائلي في حيّ شعبي، يتجاوز 750 ألف ليرة.

أن الدولة تدفع لمحتلي المنازل، بغير وجه حق، مئات المليارات من الليرات، بينما هي تطرد المستأجرين الشرعيين من مساكنهم بلا أدنى تعويضات.

أننا ندفع سنوياً أكثر من 40 مليون دولار سنوياً لمحكمة دولية، كل إنجازاتها أنها أدانت بعض وسائل إعلامنا بعد أكثر من 10 سنوات من تشكيلها.

عمالنا يعانون من واقع تتجاوز فيه البطالة 40% بين شبابهم، وأن نسبة اليد العاملة الأجنبية التي تنافسهم على سوق عملهم تتجاوز 50% من أعدادهم.

أن سياسة الضرائب والرسوم الجائرة التي تطال لقمة عيشهم تعفي الأغنياء والمتمولين من مسؤولياتهم وواجباتهم وتزيد من ثرواتهم.

أن الهجرة القسرية إلى مختلف أرجاء المعمورة تخطف أغلب أبنائهم.

أن أكثر من نصف تحويلات المغتربين المالية تذهب إلى خارج الحدود كأجور للعمالة الأجنبية.

أن الدولة تدفع بدل إيجار سنوي لمبنى إحدى المنظمات الدولية بما يتجاوز مجمل الموازنة السنوية لإحدى وزاراتها، وتؤجر أملاكها العامة للمتنفذين بأبخس الأسعار.

أن آخر فضائح الدولة، وليس آخرها، تلزيم السوق الحرة في مطار بيروت الدولي بأكثر من 100 مليار ليرة سنوياً، وهي التي كانت تلزّمه في السنوات السابقة بأقل من 10 مليارات ليرة، ولذات الجهة.

عذراً رفاقي وأصدقائي وزملائي العمّال، لقد باتت تنطبق علينا الأمثال الشعبيّة لطيبة قلوبنا وصفاء نوايانا، فأنتم بالرغم من أنكم تسكتون على ظلم دولتكم لكم، ها أنتم تسكتون عن ظلم ذوي القربى من نقاباتكم. فأنتم تعلمون تماماً أن عدد نقاباتكم العمّالية تجاوز 600 نقابة، وأن عدد الإتحادات النقابيّة تجاوز 52 إتحاد نقابي، وأن مجموع عدد أعضاء المجالس التنفيذيّة لهذه النقابات والإتحادات فقط يتجاوز السبعة آلاف عضو، هذا إذا أغفلنا أن في لبنان أكثر من سبعة آلاف جمعية للمجتمع المدني وعدد أعضائها بالآلاف، بينما لم يتجاوز عدد المشاركين في الإعتصام الأخير الذي نُظم في ساحة رياض الصلح مؤخراً لحماية مؤسسة ضمانكم الصحي والإجتماعي الـ 300 شخص، في أحسن الأحوال.

معكم حق رفاقي، فنحن تعبنا من توصيف الواقع بلغة عاطفية وانفعالية وطفولية خالية من المسؤولية، وبمنهج وصفي لا يهدف إلى إيجاد الحلول، بل يهدف إلى تغطيتها بساتر من التنظيرات والنعوت والأوصاف والوعود والتأملات الفارغة.

لكن، أنتم تعلمون أن النقابة، والعمل النقابي، ليست فكرة يمكن إستعارتها من بيئتها لمواجهة مشكلة ما، إنما هي فعل إيمان وتضحية والتزام، وهي مزيج من غضب وأمل، وهي الوسيلة الوحيدة القادرة على إخراجنا من أزماتنا، إذا أحسنّا بنائها واستعمالها والمشاركة فيها، وهي البديل الجدي عن بعض أحزابنا وجمعياتنا وتنظيماتنا، التي باتت تتماهى بشكل أعمى مع الواقع الطائفي والفئوي والسياسي في البلاد، خاصة أنه لم يعد أمام العمّال سوى ممر وحيد وضيق، مظلم وصعب وحافل بالصعوبات والتضحيات، ولكنّه يقودهم إلى الخلاص، وهو طريق العمل النقابي الحقيقي، الذي يقوم على أسس من الحريّة والإستقلالية والديمقراطيّة والفعاليّة. أمّا كيف يحقق العمّال هذه المعجزة، فهو أمر بسيط، يستدعي وجود إرادة وإدارة صادقتين، لا يتورطان في التفاصيل الإدارية ومطب النزعات الفرديّة والمصلحيّة المعقدة، والدخول في نوع من حوار بين طرشان.

في عيد العمّال المجيد، الذي حولوه إلى يوم عادي من أيام العطل الرسميّة، تقع علينا مسؤولية المشاركة في قيامة وطن جديد تتحقق فيه أحلام وآمال وتطلعات العمّال والفقراء بحياة آمنة مستقرة لا مكان فيها للخوف والقلق والحاجة وعذاب الضمير...

"إن القيادة الجديدة القادرة على بناء استقلال لبنان الحقيقي ليست قيادة إسلامية ولا هي قيادة مسيحية. إنها قيادة وطنية لبنانية، علاقتها هي بشعب لبنان الواحد، وبلبنان الشعب الواحد".

هذا ما قاله كبير من كبارنا، وهذا أكثر ما نحتاج إليه اليوم، ولا يمكن لقيادة أن تكون وطنيّة إلا إذا انطلقت من مبادىء وروح نقابيّة سامية.

كل عيد وعمّال لبنان والعالم بألف خير.

* أحمد حسّان (ناشط نقابي وأمين الإعلام في جبهة التحرر العمّالي)

تعليقات: