اللبنانيون يَأكلونَ فولاً والشِعاراتُ تُشبعهم سَمَكاً

الشِعارات تُشبع اللبنانيين سَمَكاً
الشِعارات تُشبع اللبنانيين سَمَكاً


يقفل العام 2007 ولبنان بلا رئيس للجمهورية أي بلا رأس للدولة والسلطات الذي يسهر على تطبيق الدستور . لكن واقع الحال ان اللبنانيين ليسوا مهتمين كثيراً الى مسألة الفراغ في كرسي الرئاسة لسبب لواحد هو أن البلد بمؤسسات وبغير مؤسسات "ماشي" باللهجة اللبنانية ، وان المتعثر فقط هي الامور الادارية الاجرائية البسيطة.

ولم نجد دولة في العالم على اختلاف النظم السياسية تسير كما هو لبنان اليوم فكل المؤسسات الدستورية والتنفيذية معطلة او شبه ذلك، ومع ذلك يقول اللبنانييون "بسيطة لامشكلة في استمرار الفراغ اذا كان ملء سدة الرئاسة اكثر كلفة منه".

وبطبيعة الحال المعارضة والموالاة تتحملان المسؤلية في ذلك مسؤلية تشريع العبثية في هذا التعاطي الذي لاينمّ عن مسؤلية وطنية... فالمعارضة ليست معارضة حكيمة فهي تقفز من سقطة ومن فشل إلى آخر بدءاً من وضع مناصريها في أجواء أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تهاوت وسقطت وأن الاعتصام الجماهيري في وسط العاصمة وللمناسبة المستمر دون جدوى منذ اربعة عشر شهرا قد اعلن وفاة الحكومة وان تحديد موعد الدفن يحقق لاحقاً وانتهاءً بآخر البدع، وليس اخيرها، وهي الاتفاق على سلّة تفاهم سياسي كامل قبل انتخاب الرئيس.

ولا بدّ من الاعتراف ان المعارضة نجحت في استمرار الفراغ في الرئاسة ومنع الموالاة من انتخاب رئيس من صفوفها . لكن بينّت شعارات ومطالب المعارضة ديماغوجية في الطرح الغير مستند إلى معطيات توفّر له عناصر النجاح والتحقيق.

وفجيعة فواجع المعارضة انها تنظر إلى قوى الموالاة على أنها باتت من الماضي بعدما هزمت وعليها القبول الكامل بشروط الاستسلام. إنها ماساة في التفكير وادارة الامور.

أما الموالاة فصحيح انها حققت إنتصارات على المعارضة، لكنها ماتزال تتصرف بذهنية الاستمرار الاستفرادي وادارة الاذن الطرشاء لحوار المشاركة المحكمة، وهي تستند في ذلك إلى شبكة أمان سياسية دولية وإقليمية، لكن هذا لايعفيها من الالتفات الى الشريك الآخر في الوطن طالما ان لبنان يقوم على قاعدة ذهبية تقول لا غالب ولامغلوب. فتركيبته الطائفية المذهبية تجعل انتصار طائفة على طائفة انتحار للبنان وابعاد طائفة عن المشاركة في الحكم ضرب لميثاق العيش المشترك ومع الاسف في ظل هذا النظام الغريب العجيب تعلق الدساتير لتحل مكانها دساتير الطوائف والمذاهب.

واذا اردنا تحديد الخاسر والرابح في المعمعة السياسية التي يعيشها لبنان نقول ان لبنان هو الخاسر الوحيد والمواطن اللبناني هو الذي يدفع كلفة ما يجري نتيجة الشلل الذي اصاب البلاد وتردّي مستوى معيشته بسب الانكماش الاقتصادي والحياتي وبسبب سياسة الهروب الى الأمام التي يتبعها القيمون على الامور في البلاد. ويخسر لبنان ملايين الدولارات يوميا نتيجة الفراغ الرئاسي السائد والتشنجات السياسية المزمنة وغياب الاستثمارات الجديدة.

فكل القطاعات الاقتصادية تعاني من سوء أداء المؤسسات العامة في جوانبها التشريعية والتنفيذية ولا تريد المزيد من الفوضى.

وأصبحت تنافسية الاقتصاد اللبناني في المنطقة ودوليا؟ في أدنى اللائحة تبعا لنشرات المنتدى الاقتصادي الدولي. وباتت الازمة الاجتماعية والمعيشية وغياب الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي يهددان كل الاستقرارات الاخرى، على حساب تفريغ البلاد من قدراتها المالية وطاقاتها البشرية الماهرة والمهنية.

أما على الصعيد الاداري فقد اسنشرى الفساد وتراجع لبنان على مؤشر مدركات الفساد العالمي من المرتبة 63 عالمياً في العام الماضي إلى المرتبة 99 في هذا العام، كذلك تراجع من المرتبة الثامنة إلى المرتبة التاسعة بين 14 دولة مصنّفة في الشرق الأوسط، وحلّ في المرتبة العاشرة بين 18 دولة عربية، أي أن 8 دول عربية فقط تعدّ أقل إدراكاً للفساد منه فيما احتل لبنان في هذا العام المرتبة 99 بين 180 دولة مصنّفة على هذا المؤشر، وسجل علامة 3 على 10، وهي العلامة التي تُعطى للدول الفاسدة جداً، او المتجاهلة تماماً للفساد، اذ إن كل دولة تنال علامة دون 5، يصنّفها المؤشر باللون الاحمر، وهذا اللون يتدرّج من الفاتح الى الغامق، وفق اربع فئات من الدول الفاسدة.

وعلى الرغم من هذه الارقام المقلقة فاللبناني لايتحرك مدافعا عن حقوقه ولقمة العيش ومصالحه ولاتخرج المظاهرات المليونية إلا لرفع شعارت الاستقلال والسيادة أو لدعم المقاومة وتشديد الاواصر بين سوريا ولبنان. فالجائع يضغط على بطنه وهو يطلق شعار لايسد جوعه ولايمت مباشرة الى مصالحه والمتضرر من الشلل الحاصل يقذف المسؤلية على الطرف الاخر الذي يختلف معه سياسيا. والاولى بالملايين التي شهدتها ساحات وشوارع بيروت سابقا ان ترفع مطالبها الاجتماعية وبالتالي لاتكون المظاهرة والتحرك مليوني من 14 مارس او 8 مارس وانما يصبح تحركا لبنانيا جامعاً لأن جمهور المعارضة والموالاة على السواء متضرران من التردي الاقتصادي الحاصل. وكفى اللبنانيين شر التشرذم والانقسام وأخذهم بشعارات براقة تقودهم من مازق الى آخر.

ويصح باللبنانيين حاليا تلك الحكاية التي تقول ان رجلاً جمع أولاده على طاولة الغداء وكان يطعمهم فولاً ولكن مع كل لقمة يأكلونها كان يقول لهم كنت ارغب بإطعامكم سمكاً مقلياً، يا للذة السمك المقلي وطعمه الشهي مع المتبلات! وبقي يحدثهم بطعم السمك حتى فرغوا من الأكل عندها انتفض أحد الاولاد بوجهه وقال لقد أطعمتنا فولاً وأشبعتنا سمكاً!

* كاتب لبناني، من الخيام

مقالة سابقة للكاتب

.

تعليقات: