سعر صفيحة زيت الزيتـون وصل إلى مئة ألـف ليرة، وربـع الموسـم يضـاف إلـى الخوابـي

كبار وصغار يعملون في قطاف الزيتون
كبار وصغار يعملون في قطاف الزيتون


عشرات ألوف الصفائح معروضة للبيع بمئة ألـف ليرة للواحدة

حاصبيا:

لا موسم زيتون هذا العام، بل ربع حمل، هذا ما يقوله رئيس تعاونية مزارعي الزيتون في حاصبيا الشيخ مهدي سعسوع، ويضيف بتهكم: كأن هناك ما يشبه التحالف بين قوى الطبيعة وقنابل الموت الإسرائيلية، تجتمع لتضاعف من مأساة الوضع المعيشي والاقتصادي للمزارعين الرازحين منذ فترة طويلة تحت رحمة كساد مواسمهم، في ظل تجاهل وغياب مسؤولين شغلهم الشاغل كان ولا يزال اقتسام السلطة، غير آبهين بهموم ناسهم مهما تألموا وعلت أصواتهم.

يتساءل سعسوع: ماذا يفعل المزارع بكميات الزيت المتراكمة من عام الى عام في الخوابي والبراميل، لقد استوعبت الهيئة العليا للإغاثة وبمبادرة سعودية منذ اكثر من شهر، كمية بسيطة من الزيت بمعدل صفيحة الى 5 صفائح من كل مزارع، لكن هذا لا يكفي. المطلوب حل جذري لمشكلة تصريف الزيت وهذا يبدو بعيد المنال.

المزارع محمد القادري يتنهد قبل ان يقول: حكاية الزيت تتكرر كل عام مع الموسم، كساد في ظل مضاربة خارجية، وغياب غير مبرر للجهات المعنية عن هذه الشريحة الأساسية في الاقتصاد اللبناني، لقد علت اصواتنا وبحت حناجرنا: صرّفوا زيتنا ساعدونا. لكن لمن نصرخ.

انه الموسم الأعظم في لبنان بحسب ابناء المنطقة، هو موسم الخير والعمل. نسبة عالية من ابناء حاصبيا والعرقوب يمضون اسابيع عدة في قطاف بساتينهم، التي يتجاوز عدد اشجارها المليون ونصف المليون شجرة، يقدر انتاجها في موسم الحمل بمئتي صفيحة من الزيت البكر، والكمية تنخفض الى الربع في موسم المحل، بحسب احصاء اجرته التعاونيات الزراعية في المنطقة.

انخفاض الكمية لا يزعج

صاحب احدى معاصر الزيتون الحديثة رشيد زويهد، قال: يبدو ان المزارعين غير منزعجين هذا العام من انخفاض كمية زيتهم، لأنها ستضاف الى الخوابي الطافحة اصلا من موسم السنة الماضية، تحسن السعر نوعا ما مع بداية القطاف تفاءلنا خيرا، لكن هذا لم يدم طويلا، فعادت الأسعار الى التراجع وكذلك الطلب، وزد على ذلك خطر القنابل العنقودية والقذائف غير المنفجرة، التي خلفها جيش الاحتلال في البساتين وعلى الطرقات الزراعية المؤدية اليها، بالرغم من مرور اكثر من عام على حرب تموز المشؤومة، فما زالت هذه الأفخاخ تشكل عامل قلق للمواطنين خصوصاً في منطقة العرقوب، التي تشكل نسبة أشجار الزيتون فيهما أكثر من 40 ٪ من الأراضي الزراعية ،ويعتمد أكثر من 80 ٪ من الناس على هذا القطاع.

فايز خفاجة رئيس التعاونية الزراعية لتحسين زراعة الزيتون في شويا وعين قنيا، اشار الى ان هذه الزراعة باتت خاسرة، والمزارع بدأ التفتيش عن اخرى بديلة، مساحة كبيرة من البساتين تبقى بورا ودون تقليم، لأن المزارع عاجز عن تغطية تكاليفها، وكانت التعاونيات قد طلبت من وزارة الزراعة تزويدها بمعدات قطاف اي فراطات ميكانيكية، اضافة الى المساعدة في التسميد العضوي، ولم يصلنا شيء، وحدها بعض الجمعيات والمؤسسات الخاصة مثل مجلس كنائس الشرق الأوسط وميرسي كور ومؤسسة الشهيد معروف سعد، قدموا بعض المعدات الزراعية التي تساهم الى حد ما في تخفيض كلفة الإنتاج، لكن الأهم يجب ان يتوجه ناحية التصنيع والتسويق، ويضيف: في دراسة اعدتها الإسكوا حول كلفة الزيت ان كلغ واحدا من الزيت يلزمه 5 كلغ من الزيتون، ثمنها حوالى 4800 ليرة واجرة العصر 1000 ليرة لتصبح كلفة صفيحة الزيت 16 كلغ 92800 ليرة، تضاف اليها فراغة بـ4000 ليرة لتتجاوز الـ 96800 ليرة ناهيك بأجرة نقلها الى السوق وضريبة الدخل لتصبح بحدود المئتي الف ليرة، وتعرض اليوم للبيع بمئة الف ليرة، ماذا نفعل بالزيت المكدس للعام الثاني في منازلنا والمقدر اليوم بحوالى 30 الى 40 الف صفيحة كلها مهددة بالتلف.

موسم القهر

المزارع الشيخ امين ابو صمصم يأسف للحالة المزرية التي وصلت اليها هذه الزراعة ويقول: نتشوق في هذه المنطقة لمعانقة موسم الزيت عاما بعد عام، فموسم البحبوحة والخير تحول الى موسم للقهر، قهر الدولة الغائبة عن مساعدة ورعاية اهلها، والغريب ان جباة الضرائب يأتون الينا على الموعد بدقة ومن دون تأخير، مهددين متوعدين كل مخالف عن التســديد، ولم نشاهد يوما مسؤولا واحدا جاء ليقف على مشاكلنا وحاجياتنا. نطلب منهم الرأفة بهذا المزارع المسكين الذي يحتضن شجرة الزيتون لتكون سنده وقت الضيق والحاجة، وها قد وصلنا الى اعلى درجـــات العـــوز وزيتنا يتــلف في الخوابي. فإلى من الشكوى. عندي مئـة صفيـحة من الموسـم المـاضي مـاذا نفـعل بهـا؟.

لكن، في المقلب الآخر يبقى موسم الزيتون رغم التعب والعرق الممزوج بتراب الأرض، له طعم آخر بعيداً عن مردوده المادي، كما تقول ام حسين القادري: في هذا الموسم يا ابني تتحد العائلة وتتكاتف مع بعضها البعض من الجد الى الحفيد ومن الطبيب والموظف الى الفلاح، خاصة أيام العطلة التي تكون فرصة لقطف زيتونهم في جو اقرب الى المهرجان الفولكلوري، خصوصاً في البساتين التي تتشابك فيها ملكية الأرض دون حدود، ســوى معرفة الأهل والأجــداد لتاريخها التي توغل في القدم، والتي توارثتــها الأجيــال عن أجــدادها، فهي إما كــانت هدية من والد العــريس الى عروسه، وإمـا من الزوج لزوجته حماية لها من العوز.

ملكيات متداخلة

وعلى سبيل المثال لا الحصر، وادي حلتا الكائن ضمن أراضي كفرشوبا يحوي أكثر من 4 آلاف شجرة زيتون عمرها يزيد على الفي سنة، فتجد مثلاً إبراهيم دقماق (40 سنة) امام إحدى الشجرات المعمرة المتشابكة مع غيرها، سائلاً والدته: أليست هذه الشجرة لنا؟ تجيبه والدته: ولو شو نسيت يا أمي إيه إلنا، وتخبره ان هذه الشجرة كانت هدية زواجها. تتحدث أم علي (80 عاماً) الى اولادها وأحفادها عن تلك الأيام التي تعود لأكثر من 60 عاماً وكيف كان الناس في تلك الفترة ينصبون الخيم بين بساتين الزيتون، ويقطنون فيها حتى نهاية الموسم، بسبب بعد المسافة بينها وبين منازلهم. وتضيف ام علي: كان وادي حلتا من أهم الأماكن المزروعة بالزيتون في المنطقة يقصده بائعو الفواكه والحلويات من المناطق الأخرى وكنا نشتري بالمقايضة. فيا ليت تعود تلك الأيام، وبالمناسبة نطلب من الدولة اعتماد المقايضة بين ضرائبهم وفواتيرهم وزيتنا .

ابن القرية دائماً وابدا، يقول فريد حامد، يرضى بما يكتبه الله له، فإذا كان الموسم مباركا وكثيفا يشكر الباري على نعمته، وإذا كان شحيحاً يشكره أيضاً، متصالحاً مع أرضه لا يكل من الاعتناء بها حتى وإن بخلت عليه. ويضيف: نناشد الدولة والجهات المعنية دعم هذه الشجرة المباركة والمحافظة عليها، لما تمثله من قيمة إنتاجية ورمز للوجود والتشبث بالأرض، ويكون ذلك من خلال الإرشاد الزراعي وتصريف الإنتاج وحماية السوق المحلية من المنتجات الخارجية، ليبقى السؤال عن المانع أمام الدولة من التعامل مع الزيت كما مع العديد من الزراعات الأخرى ومنها التبغ والتفاح على سبيل المثال؟

تعليقات: