الخبر.. السرعة أم المصداقية؟ خيط رفيع يفصل بين السبق الصحافي وقفص الاتهام


بيروت:

بين سرعة الحصول على الخبر واستقصاء المعلومات للفوز بالسبق الصحافي، يقع الاعلامي في مجاهل متاعب المهنة التي تفرض عليه بذل أقصى جهوده واللجوء الى وسائل عدة للحصول على مبتغاه واقتناص كل جديد مهما كان الثمن.

تطوّر التكنولوجيا وكثرة الوسائل المتاحة سهّلا ربما على الصحافي سبر أغوار الخبر خلال دقائق معدودة والوقوف على آراء أصحاب الشأن في محاولة منه لقراءة ما تخفيه السطور، خصوصا لناحية حرصه على أن يكون موضوعه مستندا الى أكثر من مصدر في أقل وقت ممكن. لبداية هذه الرحلة الصحافية سيناريوهات متعدّدة. قد يعرف متى تبدأ ومن أين؟ ولكنها مجهولة النهاية. مع عدم اغفال ما يتخلّل هاتين المرحلتين من صعاب في التنقيب والتفتيش اذا اختار عدم الاستسلام لما سمعه على لسان هذا أو ذاك أو ما قرأه على صفحات الجرائد وخصوصا في المواقع الاخبارية الالكترونية التي أخذت حيزا مهما على الساحة الاعلامية وباتت الملجأ الأول والأسرع والأسهل للصحافي الذي لا يجد أمامه إلا أن يستعين بالهاتف لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود نظرا لضيق الوقت، هذا اذا استجاب من يتصل به الى طلبه ولبّاه في الوقت المناسب، خصوصا أن العديد من الناس يرفضون التكلّم عبر الهاتف، ويفضلون المقابلات الشخصية منعا لأي خطأ قد يرتكب.

من هنا، فالمسؤولية المهنية تفرض على الصحافي بالدرجة الأولى «اصطياد المصدر» والاتيان بشيء جديد يغني الموضوع ويدعمه، لكن هذا الأمر لم يعفه من المسؤولية القانونية التي قد تضعه في قفص الاتهام في أي وقت. وهنا يكمن «التحدي». وحرص معظم الصحافيين على التأني في اطلاق الأخبار لم يمنع وقوع عدد كبير منهم في فخ التضليل الاعلامي الناتج عن تسريب معلومات خاطئة أو كاذبة تصب في مصلحة جهات أو اشخاص معينين. وما أكثر هذه الأخطاء التي ترد يوميا على ألسنة الصحافيين وعلى صفحات الجرائد وفي المواقع الالكترونية التي تلعب دورا مهما في هذا المجال، خصوصا لجهة سهولة تحديثها.

أما اللّغط الأكبر فيأتي من هؤلاء الذين ينقلون هذه الأخبار أيا كان نوعها من دون التأكّد من صحّتها بوسائلهم الخاصة. وآخر حادثة عن الأخبار الكاذبة كان خبر مقتل عائلة الصحافي العراقي ضياء الكواز الذي أعلنت عنه محطة «الحرة» وتبيّن في ما بعد عدم صحته، وذلك بعدما عمدت وسائل الاعلام بكل أنواعها الى بث الخبر من دون التأكّد منه، فاضطرت الوسائل نفسها للتكذيب بعدما اتضحت الصورة أمامها.

يعطي الأستاذ في كلية الاعلام ورئيس تحرير الأخبار في اذاعة صوت لبنان شربل مارون «الوصفة الصحافية» كما يسميها ويقول: «على الصحافي ان يتأكّد من مصداقية الخبر قبل الاعلان عنه وذلك بالاعتماد على وسائل عدة، الا في حالة الثقة المطلقة بمصدر الخبر». ويضيف «بين المصداقية والسبق الصحافي غير المؤكّد منه تبقى الأولوية للمصداقية وبالتالي استقصاء الخبر، وهنا تلعب خبرة الصحافي وعلاقاته دورا مهما في تقييمه لهذه الأمور مع عدم التمييز بين الأخبار الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، فلكل منها قيمتها بحسب وقعها في المجتمع وتأثيرها». وتوافق مارون الاعلامية في «المؤسسة اللبنانية للارسال» هدى شديد في ما يتعلّق بأولوية المصداقية على السبق الصحافي، وتقول: «ان يتأخر الصحافي دقائق عن اعلان الخبر أفضل بكثير من تسريب خبر ما قد يكون لجهة معينة مصلحة من رميه في التداول. من واجب الصحافي في هذه الحالة التأكّد من مدى صدقيته باللجوء الى أكثر من مصدر».

ويعتبر مارون أن الصحافي يلعب دور الوسيط بين المادة الاعلامية الأولية والجمهور، «ولكن اذا قدّم كما هو للمتلقي فقد يجد الأخير صعوبة في فهمه وما يدور في فلكه، لذا بعد التأكّد من صحة المعلومة، وخصوصا في الاعلام المكتوب، على الصحافي أن يتمحّص الخبر ويرفقه بشرح لازم وتأكيدات تكسبه مصداقية وثقة، أما في حالتي المرئي والمسموع قد يكتفي الاعلامي ببث الخبر مع صوره كما ورد من المصدر».

وللتأكّد من الخبر بحسب مارون على الصحافي أن يعود الى المرجع المرتبط به، واذا تعذّر فله الاستعانة بكل من قد تربطه علاقة به لدعم المعلومة التي يملكها.

ويضيف مارون «يدخل الصحافي بشكل دائم في سباق مع الوقت. لذا قد يضطر في بعض الأحيان أن يخاطر في مكان ما اذا استحال دعم الخبر برأي من قلب الحدث، ولكن هذه المخاطرة لا تنطبق في كل الأوقات وعلى كل الأخبار. من الضروري أن يتمتّع الخبر بحد أدنى من الثقة، ثقة الجهة التي أرسلت اليه المعلومة، كما تقع على الصحافي في هذه الحالة مهمة اللحاق بحدسه المهني وخبرته في هذا المجال لتقييم مدى مصداقية الخبر أو عدمها». وفي حين يؤكّد مارون أولوية حضور الصحافي شخصيا على أرض واقع الحدث، اذا كان الأمر ممكنا، يرى أنه في بعض الحالات الطارئة التي يمر بها، وتفرض عليه تأمين الخبر أينما وكيفما كان، فلا بد عندها من اللجوء الى التقنيات الاعلامية «المساعدة». ويأتي على رأسها الهاتف الذي ينقذ الصحافي من المأزق بأسرع وقت ممكن، طبعا اذا لقي تجاوبا من المستطلعين. وفي هذه الحالة تلعب كذلك علاقات الصحافي دورا مهما في الوصول الى مبتغاه، وخصوصا لجهة تلبية طلبه والاجابة عن تساؤلاته بصدق وشفافية من دون تذمّر أو تردّد».

تميّز شديد، التي كان لها تجربة ثلاثية في الاعلام المكتوب والمسموع والمرئي، بين العمل في هذه الوسائل الثلاثة، تقول «في المسموع يتحكّم الاعلامي في الوقت، فهو أينما وجد يستطيع الاتصال بالمؤسسة عبر الهاتف وبث الخبر على الهواء مباشرة بشكل ملحق اخباري. وفي المرئي حيث يتوزّع الاهتمام بين الصورة والخبر، يكون هامش الوقت أوسع يستطيع خلاله الاعلامي القيام بعمله على حريته، باستثناء طبعا، الأحداث الطارئة والمهمة التي لا تحتمل التأجيل الى موعد نشرة الأخبار، فيضطر عندها الاعلامي لأن يجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الموثوقة في أقل وقت ممكن. أما في المكتوب فالأمر مختلف تماما حيث بامكان الصحافي أن يتحرّك ويجمع مادته ومعطياتها وحيثيات الحدث بكل تفاصيلها خلال ساعات النهار الطويلة، ما يقلّص هامش الخطأ، اضافة الى ذلك هناك مساحة تعطى للصحافي للادلاء برأيه والاحاطة بالخلفيات انطلاقا من نظرته وتقديره للأمور».

الا ان شديد تستدرك: «في أحيان كثيرة تفرض بعض الأخبار المتعلّقة بأحداث مهمة نفسها على الساحة الاعلامية، يشعر الاعلامي وكأنه في موقع المسؤول، فيضطر الى الاعلان عن المعلومات الأولية التي بين يديه، وان كانت غير مؤكدة مئة في المئة، شرط ان يذكر ذلك».

وللقانون نصوصه الخاصة في محاسبته للاعلاميين بشكل خاص ولوسائل الاعلام بشكل عام. تميّز المحامية مايا حبلي بين قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع، وتقول «جرائم قانون المطبوعات اللبنانية حدّدت بالقدح والذم والأخبار الكاذبة والتشهير والتهويل، ويحاسب عليها كاتب المقال ورئيس تحرير الوسيلة. أما في قانون المرئي والمسموع فيجب العودة في ما يتعلّق بجرائمه الى تلك التي حدّدت في قانون المطبوعات ويتحمّل المسؤولية فقط المدير المسؤول وكل من يظهره التحقيق، وقد يكون في هذه الحالة الاعلامي الذي أعلن الخبر». وتشير حبلي الى «أن القانون يذكر أن التشهير الذي يطال شخصا يتولى منصبا عاما يعطي الحق لهذا الشخص باللجوء الى المجلس الوطني للاعلام الذي يتّخذ العقوبة اللازمة بقرار من وزير الاعلام وهي تتراوح بين اعادة تصحيح الخبر واقفال الوسيلة الاعلامية لمدة 3 أيام. أما اذا طال شخصا عاديا فعلى المتضرّر ان يدّعي على الوسيلة أمام القضاء».

وتضيف، أن هناك نصا واضحا في القانون اللبناني يبرئ الاعلامي اذا تبين أو اثبت في ما بعد صحّة أقواله. ولكنّها تؤكّد في الوقت عينه أن الحكم بين الاعلامي والمدّعي يبقى دائما كأي دعوى أخرى خاضعا للاثباتات المتوافرة من الطرفين، لذا فان أي خبر يصوغه الصحافي بالاستناد الى قول أحد ما قرّر في ما بعد التراجع عن أقواله التي أدلى بها عبر الهاتف (من دون تسجيل) أو شخصيا أو عبر أي وسيلة أخرى من دون ابراز الدليل أو الاثبات يضع الاعلامي في خانة المتهم وتطبّق عليه النصوص القانونية اللازمة.

وفي ما يتعلّق بطريقة مقاربة الأخبار المنشورة على المواقع الالكترونية أو وكالات الأنباء العالمية، يقول مارون «الأمر يختلف بحسب طبيعة الخبر ونوعه. من الممكن تبني المعلومات الواردة مثلا ضمن مقابلة تنشرها هذه الوكالات، أما اذا وردت الأخبار بشكل عادي فلا بدّ عندها من القيام بالاستقصاء اللازم للتأكّد من الخبر وبالتالي اضافة لمسة خاصة اليه تساهم في تأكيد الخبر أو نفيه».

ويعتبر مارون أن كل هذه الأمور تصب في خانة الموضوعية. ويعطي وجهة نظر خاصة فيشير الى «أن طبيعة العمل الاعلامي لا ترتبط بمبدأ الموضوعية، عنصر الوقت يجيز الخطأ. وقد يقتل الموضوعية في أحيان كثيرة، وقد يصل الى درجة فقدانها». من هنا يشدّد على ضرورة أن يقوم الصحافي بتصويب الخطأ «لأن التمسّك به يفقد الاعلامي والوسيلة بشكل عام المصداقية التي يجب ان يتمتّعا بها، كذلك من حق المتلقّي أن يحصل على توضيح بشأن ما قرأه، وعلى العكس من ذلك فان الاعتراف به يعكس صورة موضوعية وصادقة».وتشير شديد الى حالات أخرى قد يواجهها الاعلامي وهي أن يقول له أحد ما معلومة معينة، شرط أن لا يذكر اسم المصدر، عندها لا بد من اللجوء الى وسائل أخرى بطريقة الاعلامي الخاصة لاثبات هذا القول أو دحضه، وكل ذلك يكون بالاستناد الى مصادر موثوقة. من هنا تضيف «يجب عدم الاستسلام لكل ما نقرأه أو نسمعه على شبكة الانترنت، أما اذا نسب الخبر الى وسيلة تتمتّع بمصداقية معروفة في الوسط الاعلامي، هنا تقع المسؤولية على هذه هذه الوسيلة وليس على الصحافي».

تعليقات: