عن القلقين والمطمئنين!

نبيل هيثم
نبيل هيثم


انقسم المشهد الداخلي، بين فئة تؤيد العملية العسكرية التي ينفذها "حزب الله" ضد المجموعات الارهابية في جرود عرسال، وبين فئة تضع الحزب في قفص الاتهام وتهاجم ما سمّته "التفرد بالقرار وجرّ لبنان الى الحروب". وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصّات لتبادل الشتائم والاتهامات.

لفت في هذا السياق تقييمٌ للمعركة على لسان شخصية حزبية، تشكل احد اعمدة فريق 14 اذار. استهلته بالتعبير عن "القلق على مستقبل لبنان"، "والخشية من ان يكون انتصار "حزب الله" في الجرود معبرا لتغيير وجه لبنان".

" حزب الله" يخوض المعركة لمصلحته وحده من سوريا الى جرود عرسال حاليا". تقول الشخصية المذكورة، وتكشف انها سبق وعرضت هذا الرأي أمام مسؤول اميركي:" قلت له انا قلق من امرين:

الاول، ان "حزب الله" إن انهزم في سوريا، وهذا وارد جدا، فأخشى ان ينصرف الى الداخل للتعويض عن هزيمته، فيُقدم على مغامرات وخطوات جنوبية بقوة سلاحه لفرض واقع جديد في لبنان، مما يقود البلد الى حرب داخلية".

الثاني، "ان الحزب إن ربح في سوريا فمعنى ذلك انه سيسيّل هذا الربح في لبنان لقلب الامور لمصلحته ولا استبعد في هذه الحالة ذهابه نحو المؤتمر التأسيسي، الذي دعا اليه السيد حسن نصرالله". ومعنى ذلك وضع لبنان في مهب الريح".

تعترف الشخصية الحزبية" كنت قلقا، وزاد قلقي مع فتح معركة جرود عرسال". ثم تستدرك فتقول: "صحيح اننا نسمع ان الحزب يتقدم في الجرود، ولكن حتى الآن لا استطيع ان اقول انه انتصر في المعركة، ولا استطيع ان الغي احتمال حصول مفاجآت".

لم تشر تلك الشخصية الى الخطر الذي تمثله المجموعات الارهابية على لبنان، الا انها لاحظت ان العملية العسكرية في جرود عرسال يقوم بها الحزب، بالتنسيق والشراكة الكاملة مع جيش الاسد، والانتصار إن حصل سيكون انتصارا للحزب ولجيش الاسد، وكلاهما سيكونان في تلك المنطقة، ومن شأن ذلك ان يخلق واقعا جديدا، بحيث نستبدل طرفا بآخر، وبدل ان نكون تحت ضغط الارهابيين، نصبح امام ضغط النظام السوري وايران وكلاهما ؛ الارهاب والنظام يشكلان خطرا على لبنان".

في خلاصة التقييم تصل الشخصية الحزبية الى القول: "نحن لا نصدق ان حزب الله يقدم عناصره مجانا، بل لهدف ما، كل ما اخشاه هو مرحلة ما بعد الجرود بأن يسعى الحزب الى ان يعكس انتصاره سريعا في الداخل. وهذا معناه وضع لبنان امام ضغط دولي كبير على لبنان".

لكن ماذا في المقابل؟

واضح ان تلك الشخصية ما زالت عالقة في الماضي وتغمض عينها عن مجموعة الحقائق والوقائع التي تتسارع على المسرح الدولي وكذلك على مساحة المنطقة، وما زالت مقتنعة بامور وشعارات عفا عليها الزمن. وربطا بما قالته اول ما يتبادر الى الذهن سؤال؛ هل فتح "حزب الله" المعركة هكذا فقط للقتال لمجرد القتال؟

هنا يلفت كلام سفير دولة كبرى، عندما سئل عن معركة الجرود، حيث قال ما حرفيته: " فتح هذه المعركة لم يكن مفاجئا لأحد، لا على المستوى اللبناني ، انتم اللبنانيون وصلتم في حديثكم عن العملية الى حد رسم نتائج مسبقة لها، ولا على المستوى الاقليمي الى الدولي".

واللافت في كلام السفير قوله " يجب ان نعلم ان العالم تغيّر، والاصطفافات التي سادت منذ ست سنوات وتحديدا حيال الازمة السورية والارهاب قد انهارت، ما يجري في الجرود، معركة لا بعد سوريا لها فقط، ولا بعد لبنانيا فقط، بل لها بعد دولي؛ العالم كله من الاميركيين، الروس، الاوروبيين، وحتى العرب كلهم، وخصوصا اولئك الذين كانوا يشكلون صندوق الدعم المالي والمعنوي والرعائي للارهابيين واقفلوا صناديقهم بكبسة زر. كلهم يراقبون انهيار الارهاب من سوريا الى العراق وصولا لبنان، واعتقد ان هناك ضوءًا اخضر كبيرا جدا خلفها، اضافة الى الاسباب اللبنانية الموجبة لها والتي تؤكد انها حرب لا بد منها لحماية لبنان حاضرا ومستقبل".

يتقاطع كلام السفير المذكور، مع ما سبق ونقله عائدون من واشنطن في الفترة الاخيرة، من انهم لمسوا "تقييما موضوعيا" لواقع لبنان والمنطقة، حيث نقل مسؤول لبناني غير مدني ان مسؤولا كبيرا في البنتاغون ابلغه شخصيا "تقدير واشنطن للجيش والاجهزة الامنية اللبنانية في الحرب على الارهاب، وانها تقدر ايضا ما يقوم به "حزب الله" في هذه الحرب في سوريا ولبنان".

ماذا يقول الحزب؟

مطلعون على موقفه يوردون الملاحظات التالية:

- من العيب، لا بل من الجريمة المساواة بين الارهاب، وبين قوى تحاربه وتمنع تمدده الى داخل بلدها.

- قبل كل شيء يجب أن يُسأل اهالي القرى اللبنانية الشيعية والسنية والمسيحية القريبة من تلك المنطقة المحتلة. او ابناء المناطق اللبنانية التي روّعها الارهاب بسيارات مفخخة واحزمة ناسفة، او اي مواطن لبناني لأي طائفة او حزب انتمى، مهدد ان يطاله سيف الارهابيين في اي لحظة، هل هم مع هذه المعركة لحماية وجود اللبنانيين من سرطان ارهابي ضرب المسيحي والسني والشيعي في بيروت والضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب"؟

- هناك ارهابيون يحتلون منطقة لبنانية و"حزب الله" وكما كان حاله في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب، يقوم بواجبه بتحرير هذه المنطقة المحتلة واستئصال الخلايا السرطانية الارهابية منها. ولا يجب ان يُجَهَّل دورالجيش الذي هو شريك في هذه العملية الجراحية ويقوم بما عليه بكل جهد ومسؤولية وثبات.

- حزب الله مطمئن لمسار معركة الجرود ونتائجها المرسومة سلفا، وبالتالي هي تشكل نقطة الفصل بين مرحلة وضعت لبنان تحت ضغط الارهاب وتهديده، وبين مرحلة جديدة ينطلق فيها لبنان في اتجاه السلامة وتحصين الامن والامان والاستقرار الداخلي. وكذلك الاستقرار السياسي.

- "حزب الله" واحد من المكونات اللبنانية ويدرك جيدا التركيبة اللبنانية وحساسيتها، وليس في اجندته ما يمكن ان يشعر اي مكون لبناني آخر بأي خطر او قلق على وجوده او مصيره. وبالتالي معركة الجرود تحمي لبنان، وتطمئن المسيحي والسني والشيعي وكل المكونات، هذه المعركة يريدها كل لبناني، لكن المشكلة في من يصرّون على المكابرة، ودفن رؤوسهم في الرمال. برغم ان بعضهم شعروا مع انطلاق المعركة بأنهم قد أُسقِط في يدهم، وبدوا وكأن على رؤوسهم الطير!

تعليقات: