راشيا الوادي تكرّم الشاعر طلال حيدر بمهرجان كبير


راشيا الوادي :

في خطوة لافتة تجاه كبار من لبنان في الادب والفن والشعر، أقيم على مدرج قلعة الاستقلال في راشيا مهرجاناً تكريمياً حاشداً «لشاعر حمل البقاع في قلبه الى كل الوطن ويستحق لفتة بحجم ابداعه وإرثه»، ألا وهو الشاعر الكبير طلال حيدر، إذ توج أميراً على قلعتي الاستقلال والشعر في آن معاً.

فقد أحيت اتحادات البلديات في البقاع، بلدية راشيا، الجمعيات والاندية في البقاع الغربي وراشيا ومفوضية الثقافة في الحزب التقدمي الاشتراكي – مكتب البقاع الجنوبي، مهرجان تكريم الشاعر طلال حيدر بعنوان “وحدن بيبقوا”، على مدرج قلعة راشيا.

تخلل المهرجان الذي شارك فيه حشد نيابي تقدمه النائب وائل أبو فاعور والنائب الدكتور أمين وهبي وفاعليات ثقافية واجتماعية وحزبية وكشفية وممثلون عن الأندية والجمعيات؛ قصائد وكلمات للشاعر زاهر ابو حلا، الصحافي طلال سلمان والفنان مارسيل خليفة مع مشاركة موسيقية وأغنيات من كلمات الشاعر طلال حيدر للفنانة الملتزمة نسرين حميدان وفرقتها الموسيقية.

وكانت كلمة للصحافي الأديب الأستاذ طلال سلمان فقال:

نشأت على نغم مقفى كان يغنيه الفلاحون بنبرة الحداء: من فوق بدنايل الدرب ع شمسطار. لكن الطريق الرسمية كانت عبر بدنايل، وقد طواها طلال حيدر، شعراً، فجعلها تمر من امام بيته، مشترطاً الا يزعجه زمور او حادث صدم تليه “عركة” يهرب معها منه شيطان الشعر وتذهب السكرة هباء..

وأعترف انني قد امضيت طفولتي في ظلال اسمه، واجتهدت لان يعرف الناس اسم عائلتي لأتخلص من استعماره وأخلص إلى شعره مصفى.

وأعترف أن اسمه قد شكل لي تحدياً مفتوحاً، وفرض عليّ أن اعمل بأقصى طاقتي لكي يحتل اسمي المنثور مكاناً إلى جانب اسمه الذي يختلط فيه الحرف بالنغم ويتوهج بالموسيقى التي تأخذ إلى النشوة.

ولان طلال حيدر قد جاء قبل الاديان جميعاً فلقد ظل خارجها وان هو افاد من ترتيل القرآن، بالقراءات السبع لكي يجعل للكلمات اجنحة من نور ترف فوق سامعيها فتأخذهم إلى السكر وما هم بسكارى..

ومع انه يتحدر من اسرة فيها باشوات وبكوات فلقد قرر ونجح في أن يكون آخر الصعاليك العرب وأبقى ذكره مسبوقاً بالآه من كل اصحاب الالقاب المفخمة والتي تذهب مع الريح..

هو طلال حيدر بلا لقب يسبق اسمه، ولكن النشوة تلحق بالاسم المعطر فتكاد تنزله في السلم الموسيقي للطرب الاصيل.

كتب فيروز فأنشدته سحراً، وأعادتنا معها اطفالاً تدور بنا الدار حتى ننسى أسامينا..

وغنى طلوا العرب راح يوصلوا ع الشام، فكاد العرب يضيعون وتضيع منهم الشام ومعها بغداد وصنعاء والقاهرة من دون أن ننسى بيروت.

وغنى الحب فسهر القمر ورقصت النجوم..

أما حين غنى حبيباته فقد انعقدت حلقات الدبكة ومشى على ايقاعها إلى عشيقة جديدة ترضى بالحب العذري بديلاً.. للتعذر.

أيها الاصدقاء،

أخذني طلال حيدر من بقاعكم الذي يحاول فرض ذاته، بإرادة اهله، على خريطة الجمهورية اللبنانية، إلى بقاعنا الذي عليه الانتظار دهوراً حتى يتم الاعتراف به كجزء من هذا الوطن الذي تجتهد دولته في الغائه والغاء اهله كمواطنين متساوين في الحقوق والوجبات.

اننا اخوة في الشقاء، نحن ابناء البقاع

وإذا كان بعض الرواد من اهلنا هنا قد هاجروا إلى اميركا اللاتينية، اول مرة قبل نصف قرن او يزيد، فان الهجرة الثانية قبل عشر سنين بدأت ذهبية ثم انتهت بطلب السلامة في العودة.

على أن بعض الوزراء من ابنائكم هنا، ومنهم الصديق وائل ابو فاعور قد حاولوا ـ جهد طاقتهم ـ أن يعوضوا الحرمان الطويل فنجحوا حينا وافشلوا احيانا.

لكأنما كُتب علينا أن نعيش في حمى الاهمال الرسمي، مع اختلاف العهود، وان نحفر في الصخر لكي نؤمن مستقبل اولادنا هنا او حتى في المهاجر البعيدة..

أن الدولة ومسؤوليها لا تتذكر راشيا الا كمنفى لأبطال الاستقلال: يأتونها مرة في العام لاستذكار من باشر بناءها، ثم ينسونها وينسونهم حتى عيد الاستقلال التالي ..

ولولا همة ابنائها واصرارهم على مطالبهم، ومطاردتهم الوزراء والنواب وأهل النفوذ لبقيت طريقها حفراً ولياليها مساحات معتمة والمياه تجري من تحتها فلا تروي العطاش ولا تنير البيوت.

أيها الاصدقاء،

ليس أصعب من الكتابة عن الذين يهزون وجداننا كطلال حيدر بشعرهم فلا مجال للفوز في مثل هذا السباق معروف النتيجة سلفاً.

ولست هنا في مجال المبارزة مع هذا الذي يتبدى عجوزاً حتى إذا بانت الحسان استعاد شبابه ونهض الى الدبكة يرقصها بشعره فإذا النشوة تتفوق على الغزل وتدخله في الامتحان الصعب مع عشيقاته.

لقد نظم عشيقاته قصائد..

لكن الشعر لا يروي غليل الصبا،

وفي حين أمده الوجد بديوان من التغزل بالجمال مطلقا، فانه قد انصرف يوحي إلى كل حسناء انها المعنية بما لم تفهمه من شعره الرقيق والذي يأخذ إلى الطرب.

شكراً لكم، أيها الاخوة في راشيا

إن تكريمكم لطلال حيدر هو تكريم للشعر، للكلمة المضمخة بطيب الحسناوات وفخر الرجولة.

انه تكريم ممن يتذوق لمن يستحق.

ملاحظة: وانتبهوا حتى لا يخطف طلال حيدر بعض صباياكم الجميلات اللواتي جئن ليسمعنه فيطربن ثم يعود إلى وحدته في ديوانه الجديد، وأعود مشياً على قدمي من فوق بدنايل الدرب ع شمسطار».

ثم تحدث عضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل ابو فاعور فقال:

« أنشدت «لبسوا الكفافي ومشوا».. وينشدك مارسيل ونردد خلفك بكل البلاهة كأننا نحج الى فلسطين، ووحدك تعرف انك تخدعنا وانك مغادر. وانشدت يوما «بس تفرحي بيطير من صدري الحمام.. بس تزعلي عا مصر باخذلك الشام». ايها المخدوع، الا تعرف ان مصر تكاد توصد ابوابها الا امام المحن، ولا تعرف ان الشام باتت كسيحة حزينة تتقاسمها حراب القتلة؟ ».

وأضاف: “لقد ثبت أنك أنشدت يوماً: أوعا تسموها، بتحزن ميدنة، بيوقع أذان العصر، بينسرق سيف النبي، وما بيلتقي بمصر. انت الشام مزينة وانت قواس النصر؟ أيها المرتد كيف تتجرأ على الأنبياء وعلى سيوفهم، كيف تتجرأ على الآذان؟ وكيف تجعل الحب ديناً وتجعل الدين حباً؟… سأشي بك إلى الأنبياء المزورين، إلى سماسرة الدين وسأرشدهم إليك وأدلهم عليك وسيأخذونك، سيجرونك من قوافيك، وسيعلقونك من قصائدك، وسيحرقون أفكارك ثم سيلتهمونك وليمة مقدسة وسيرقصون حولك وسأشمت فيك”.

وتابع: “وقد ثبت أنك أنشدت يوماً كمال جنبلاط “واقف متل آمون وجهه الشمس وعميتهدم البنيان، يا ريت ما خسروا العرب ولا كان شهر من السنة حزيران. في ناس قالوا قتل، في ناس قالوا فتح خيالو وفات…” أيها الخائن، تنشد كمال جنبلاط؟ هذا الذي قتلناه وقام؟ هذا الذي دفناه وقام؟ هذا الذي أطلقنا كل رصاصنا عليه وقام؟”.

وختم أبو فاعور: “طلال حيدر، رغم ارتكاباتك وفظائعك، قررنا الليلة أن نزدان بك، في هذا النشاط السنوي في ظلال قلعة الاستقلال والذي نخصصه لإبراز الوجه الثقافي لراشيا حاضرة وادي التيم ولؤلؤة البقاع، عبر تكريم شخصية ثقافية أو فنية وقد كانت البداية العام الماشي مع مارسيل خليفة وهذا العام معك. قررنا في زمن التفاهة والبلاهة أن نزدان بك واستحضرنا لتكريمك سياط محبة، استحضرنا الأستاذ طلال سلمان القابض على جمر العروبة ولو احترقت يداه والقابض على قلم الرصاص رغم انه اختبر الرصاص ليشهد لك ويشهد عليك. استحضرنا لك مارسيل خليفة أبانا الذي في النغمات، ليتردد لحنك ليتمجد عودك ولتسد موسيقاك. طلال حيدر، أنشدت يوماً “يا ناطرين الثلج ما عاد بدكم ترجعوا… صرخ عليهم بالشتي يا ديب بلكي بيسمعوا… ونحن هنا في راشيا نعيض ننتظر الثلج يهبط على الجبل، يطمر الغبار والحر والأحقاد والتفاهات وها قد وصلت إلى مقصدك لكي ننتظر الثلج سوياً، فادخل إلى مأواك… طلال حيدر، أما وقد عرجت على هذه القلعة، اليوم يكتمل بك استقلالنا الحقيقي”.

وكانت كلمة للفنان مارسيل خليفة جاء فيها « طلال حيدر ارتكب الشعر هذه الخطيئة الفاتنة. هل هو مجنون ؟ نعم ! طلال ملك ملوك الجان في بعلبك، ينزل تمزيقاً بالمحرّم، يحرّض ويشيّع العصيان ويتحرّ من قيود الله والعقل. وصف الأحلام كما هي واستخدم مختلف انواع الهذيان والهلوسة. طلال حيدر بطل بقاعي، مأخوذ شعره من المتسكعين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة.

طلال حيدر شاعر حقيقيّ، يتألم ويصرخ ويخيب. جاهليّ، بدويّ، فولكلوريّ، خرافيّ، هجّاء، مدّاح، يسيل معه الشعر حتى الثمالة. من الصعب لمن لا يعرف طلال حيدر، لمن لا يراه يجلس ويشرب ويحشّش ويمشي معه، أن يكوّن فكرة حقيقيّة عن شخصيته. (أحلى شي طلال الدايخ ومش سكران) يفيض بالعواطف.

لم اكن اعرفه ولم اكن اشعر بحاجة الى معرفته. كنت آنذاك شاباً صغيراً متحمسّاً وأخرقاً اريد ان أغيّر العالم. وانا في طريقي الى ساحة التروكاديرو في باريس لألتقيه مع محمود درويش، وطول الطريق كنت أتصوّر شخصاً يشبهنا، يتميّز بالصمت والرصانة. فرأيت شاعراً “دونجواناً” أنيقاً ببدلته الإيطاليّة. يحبّ الضحك، قلبه يكرج على الأيدي بسخاء فيضاني، يشرب حتى يتعتعه السكر. والقصيدة التي حفظتها منه منذ ذلك الحين هي حريته المطلقة.

تارة يتحوّل الى اب حنون ويحكي ” ابو رامي ” عن أولاده، عن عشيقاته في كل اصقاع الارض، وفي نفس الوقت كان زوجاً مشغول البال ونهر الحب الجارف لشريكته في صمت شعره. ثمّ يسيل شعره بهستيريا جنونيّة. تارة بطلب مني او من محمود وطوراً من دون طلب. تفجر شعري أعمى، لم يكن يكتب الشعر كان هو الشعر. كان قصائد لا تنتهي.

في آخر اللقاء قال لي محمود : شو هالبركان هيدا؟! طلال حيدر هذا البدائي الماكر، المصاب بمرض الحياة، الفاحش والبريء. مربوط على شفق، مبهور بشعلة تلتهمه كما لو كانت نار الجحيم. شعلة تجعله ينبض بشيء من الجنون. يرقص عالياً في الشمس بلا حياء وحتّى الإغماء.

يهذي ويقهقه بفرح الوجود الكئيب. انه خرافة والخرافة شعر. ولا حياة خارج هذا الشيء القليل او الكثير او التام من الجنون الذي هو الشعر. وان يقدر شاعر كطلال حيدر على المضيّ حبّاً، رغم كل شيء. هذا هو ما جعلنا نأتي الليلة لتكريمه ولنقول أنّ هناك أمل بعد. طلال حيدر شكراً لك».

« »

وكانت كلمة للفنان مارسيل خليفة جاء فيها « طلال حيدر ارتكب الشعر هذه الخطيئة الفاتنة. هل هو مجنون ؟ نعم ! طلال ملك ملوك الجان في بعلبك، ينزل تمزيقاً بالمحرّم، يحرّض ويشيّع العصيان ويتحرّ من قيود الله والعقل. وصف الأحلام كما هي واستخدم مختلف انواع الهذيان والهلوسة. طلال حيدر بطل بقاعي، مأخوذ شعره من المتسكعين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة.

طلال حيدر شاعر حقيقيّ، يتألم ويصرخ ويخيب. جاهليّ، بدويّ، فولكلوريّ، خرافيّ، هجّاء، مدّاح، يسيل معه الشعر حتى الثمالة. من الصعب لمن لا يعرف طلال حيدر، لمن لا يراه يجلس ويشرب ويحشّش ويمشي معه، أن يكوّن فكرة حقيقيّة عن شخصيته. (أحلى شي طلال الدايخ ومش سكران) يفيض بالعواطف.

لم اكن اعرفه ولم اكن اشعر بحاجة الى معرفته. كنت آنذاك شاباً صغيراً متحمسّاً وأخرقاً اريد ان أغيّر العالم. وانا في طريقي الى ساحة التروكاديرو في باريس لألتقيه مع محمود درويش، وطول الطريق كنت أتصوّر شخصاً يشبهنا، يتميّز بالصمت والرصانة. فرأيت شاعراً “دونجواناً” أنيقاً ببدلته الإيطاليّة. يحبّ الضحك، قلبه يكرج على الأيدي بسخاء فيضاني، يشرب حتى يتعتعه السكر. والقصيدة التي حفظتها منه منذ ذلك الحين هي حريته المطلقة.

تارة يتحوّل الى اب حنون ويحكي ” ابو رامي ” عن أولاده، عن عشيقاته في كل اصقاع الارض، وفي نفس الوقت كان زوجاً مشغول البال ونهر الحب الجارف لشريكته في صمت شعره. ثمّ يسيل شعره بهستيريا جنونيّة. تارة بطلب مني او من محمود وطوراً من دون طلب. تفجر شعري أعمى، لم يكن يكتب الشعر كان هو الشعر. كان قصائد لا تنتهي.

في آخر اللقاء قال لي محمود : شو هالبركان هيدا؟! طلال حيدر هذا البدائي الماكر، المصاب بمرض الحياة، الفاحش والبريء. مربوط على شفق، مبهور بشعلة تلتهمه كما لو كانت نار الجحيم. شعلة تجعله ينبض بشيء من الجنون. يرقص عالياً في الشمس بلا حياء وحتّى الإغماء.

يهذي ويقهقه بفرح الوجود الكئيب. انه خرافة والخرافة شعر. ولا حياة خارج هذا الشيء القليل او الكثير او التام من الجنون الذي هو الشعر. وان يقدر شاعر كطلال حيدر على المضيّ حبّاً، رغم كل شيء. هذا هو ما جعلنا نأتي الليلة لتكريمه ولنقول أنّ هناك أمل بعد. طلال حيدر شكراً لك».

وألقى الشاعر طلال حيدر كلمة حيا فيها أبناء راشيا والبقاع على ما قدموه من حفاوة تكريم وألقى جملة من قصائده ومنها قصيدة للشهيد كمال جنبلاط.

وبعدما أنشدت الفنانة نسرين حميدان مجموعة من أغاني فيروز ومارسيل خليفة وأميمة الخليل من كلمات الشاعر طلال حيدر، صعد الفنان مارسيل إلى المنصة وأنشد بصوته أغنية “بغيبتك نزل الشتي… قومي اطلعي عالبال…” وقد رافقته حميدان عزفاً على العود.

ووزعت على الحضور 700 بطاقة بريدية تحمل رسم الشاعر بريشة الفنانة التشكيلية «البعلبكية» خولة الطفيلي، تكريماً من جمعية بيت المصور في لبنان ومعرض خليل برجاوي لطوابع البريد بالتعاون مع مفوضية الثقافة في الحزب التقدمي الاشتراكي، وقد حملت البطاقة هذا عنوان «وحدن بيبقوا» تحت اللوحة، وعلى جهتها الخلفية نبذة عن الشاعر بالعربية والفرنسية ومعلومات حول البطاقة وتاريخ إطلاقها.

وما زاد البطاقات فخراً أن صاحبة اللوحة أهدتها للشاعر أمام الحضور المتقاطر إلى مهرجان راشيا من مختلف المناطق اللبنانية.

هذا وقد أصدرت جميعة بيت المصور ومعرض خليل برجاوي 300 بطاقة بريدية مماثلة تحمل ترقيماً من الرقم واحد إلى الرقم 300، سيجري توزيع بعضها على هواة جميع البطاقات البريدية.




































تعليقات: