فضيحة المدرسة الحربية: لفلفة ملف الرشوة

كانت قيادة الجيش قد وعدت بمحاكمة المتورطين وعدم التهاون (Getty)
كانت قيادة الجيش قد وعدت بمحاكمة المتورطين وعدم التهاون (Getty)


سار ملف فضيحة المدرسة الحربية، مثل غيره من الملفات في لبنان، والتي لا تصل إلى خواتيمها، بل توضع في الأدراج، أو تُعالج تحت الطاولة على قاعدة تبويس اللحى. هي النتيجة اللبنانية المعتادة في لفلفة أي ملفات فضائحية أو فيها تجاوزات كبرى، لكن بالحدّ الأدنى لم يكن متوقعاً أن لا تتم محاكمة أحد، أو إجراء تحقيق جدّي، بل الجو الذي ساد قبل فترة، كان يشير إلى استبعاد الرؤوس الكبيرة، المحمية سياسياً، من التحقيق، وحصره ببعض الأشخاص المتقاعدين أو المدنيين،. مع العلم أنه لا يمكن لأي شخص مدني أو ضابط متقاعد، أن يؤثر في نتائج دخول المدرسة الحربية، وليس لديه إمكانية أو صلاحية لإدخال أي تلميذ يريده.

منذ حصلت الفضيحة، بدأ التداول بأسقف عالية متوقعة سيطالها التحقيق، لكن أياماً قليلة، بدأت الموجة بالإنحسار، وحصر المحاسبة بعدد من الأشخاص، منهم مدني ومنهم من كان في السلك العسكري وتقاعد. وثمة من يعتبر أن التحقيق لم يستكمل أو لم يجر كما يلزم. فهناك خطوط حمراء، وموانع معنوية وغير معنوية، حالت دون التحقيق مع ضباط لا يزالون في السلك، وهم مؤثرون ولديهم رأيهم وقرارهم في مسألة قبول تلامذة الحربية.

حصرت المسألة بعدد قليل من الأشخاص، غير المؤثرين، أوقفوا لأسابيع قليلة، ثم تم إطلاق سراحهم، كأن شيئاً لم يكن. وذلك حصل بخلاف ما كانت قد وعدت به قيادة الجيش، والقضاء العسكري، بأنه لن يتم التهاون في هذه المسألة، والتحقيق سيطال كل المتورطين. وكما في كل المسائل، يضيع جوهر القضايا في لبنان، في زواريب المحسوبيات والحسابات. وهذا ما دفع القاضي رياض أبو غيدا إلى اخلاء سبيل جميع الموقوفين، مقابل كفالة مالية قيمتها مليون ليرة لبنانية.

لا جدال في أن التدخل والضغط السياسيين هما ما أدى إلى إقفال الملف، وعدم التوسع في التحقيق، لأن كل الإشارات القضائية والعسكرية السابقة، كانت تفيد بوجود تجاوزات ومخالفات، طاولت كيفية إدخال تلامذة إلى المدرسة الحربية، لكنهم رسبوا ولم يستطيعوا الترفّع من سنة إلى أخرى. وهذا ما دفعهم إلى فضح الأمر، حين قالوا إن أهاليهم دفعوا أموالاً طائلة لقاء إدخالهم المدرسة الحربية، وتخرّجهم منها ضباطاً، كان العرض الذي يتم تقديمه للأهالي بأن "عليكم أن تدفعوا مبلغاً معيناً، (راوحت قيمته بين 20 و100 ألف دولار) ويصبح ابنكم ضابطاً في السلك العسكري، ولكن المشكلة بالنسبة إليهم تجلّت بأن أبناءهم رسبوا في سنوات الدراسة. ما دفعهم إلى المجاهرة بما حصل معهم.

في التحقيقات الأولية، كانت المعلومات تشير إلى أن هناك شبكة كبرى هي التي تدير هذه العمليات، لقاء المبالغ المالية، لكن المفاجأة أنه لدى بدء التحقيق تمهيداً للمحاكمات، بقيت القضية محصورة بضابط متقاعد وستة مدنيين، غير معروف مدى قدرتهم وتأثيرهم في اتخاذ قرارات على شاكلة قبول تلامذة في المدرسة الحربية، علماً أن من يتخذ هكذا قرارات هم ضباط في مواقع القرار، ولديهم رتبهم العالية. وهذا ما لم يقترب منه التحقيق بأي شكل من الأشكال.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن حصر المحسوبيات في هذا الملف، بطرف سياسي معين، لأن ما هو ثابت ومعروف، هو أن لكل طرف مجموعته داخل المؤسسة، وكل طرف يقدّم الأسماء التي يريد إدخالها إلى المدرسة الحربية، وتخريج أصحابها ضباطاً بعد ثلاث سنوات. وهذا ما كان قد أكد قائد الجيش العماد جوزيف عون، نيته مواجهته قبل فترة، حين قال إن زمن المحسوبيات انتهى، وأن قبول الطلاب في المدرسة الحربية سيكون بناء على جدارتهم، وليس أي شيء آخر.

* المصدر: المدن

تعليقات: