تقرير دولي يحمّل الحكومة والقضاء مسؤولية التوقيف التعسفي للضبّاط الأربعة

الضبّاط الأربعة
الضبّاط الأربعة


بعد الرأي الصريح للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عهد رئيسها القاضي البلجيكي سيرج برامرتز، بشأن عدم جواز استمرار اعتقال الضبّاط الأربعة وبقيّة الأشخاص لانتفاء الأدلّة على تورّطهم، اصدر فريق العمل المعني بالاعتقال التعسّفي في المفوضّية العليا لحقوق الإنسان في جنيف رأياً يؤكّد فيه أنّ حرمان الأشخاص الموقوفين الثمانية من حرّيّتهم يعتبر تعسفياً، ما يعني أنّ اعتقالهم هو سياسي في الدرجة الأولى والأخيرة.

وقد تبلّغت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مضمون هذا الرأي المستند إلى حيثيات ومعطيات تمّ جمعها ودرسها ملّياً. وأرسلت مندوبة لبنان الدائم لدى المنظّمة الدولية في جنيف السفيرة نجلا رياشي عساكر، كتاباً مطوّلاً إلى وزارة الخارجية والمغتربين أوجزت فيه تقرير فريق العمل المعني بالاعتقال التسعفي في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في جنيف الممهور بتوقيع رئيسته ومقرّرته السيّدة ليلى زروغي والذي حمل الرقم 2/218/، وذلك للاطلاع عليه وإحالته إلى الجهات المعنية والإفادة.

وحصلت «السفير» على النصّ الحرفي لهذا التقرير المؤلّف من 11 صفحة «فولسكاب» والمرفوع إلى الأمم المتحدة ووزارة الخارجية والمغتربين، وهذا أبرز ما جاء فيه:

أولاً: إنّه من عهد ديتليف ميليس وحتّى عهد سيرج برامرتز والتحقيق جار، وأنّ برامرتز قدم إلى لبنان في 11 كانون الثاني من العام 2006 وغادره في آخر أسبوع من العام 2007 من دون أن يتهم أحداً أو أن يقيم الدليل الجرمي ضدّ أحد ولم يحاكم أحداً.

ثانياً: إنّ الحكومة اللبنانية تقول إنّ التوقيف مرهون بتطوّر التحقيق الذي تجريه اللجنة الدولية، ولكنّ هذا لا يعني أنّ الموقوفين الثمانية يبقون قيد التوقيف حتّى نهاية التحقيق.

ثالثاً: يقول التقرير إنّ برامرتز ذكّر مراراً بأنّ التوقيف أو إخلاء السبيل منوطان بالقضاء اللبناني، وهذا ما أكّده برامرتز في الفقرة 89 من تقريره الثامن الصادر في 11 تموز من العام 2007 حيث قال إنّه أودع القضاء اللبناني كلّ ما يختص بالموقوفين وإنّه تعاطى مع هذا الأمر بكلّ وضوح وشفافية ولم يخف عنه شيئاً. وهذه النقطة الاستراتيجية شدّد عليها وكلاء الضبّاط الأربعة في أكثر من مناسبة، مع التذكير بأنّ برامرتز نفى في الفقرة 34 من تقرير الثامن مقولة العبث بمسرح الجريمة والتي انتشرت على كلّ شفة ولسان ضمن سياق تضليل التحقيق وهو ما مهّد لقيامه آنذاك رئيس لجنة التقصّي الدولية الضابط الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد.

رابعاً: تبدي مصادر منظّمي التقرير خشيتها من أنْ يستمرّ التوقيف إلى أجل غير مسمّى مع العلم أنّ هذا الأمر يناقض المادتين 9 و14 من العهد الدولي، وهي مهتمة كثيراً لمعرفة جواب السلطات اللبنانية في هذا الخصوص لكي يبنى على الشيء مقتضاه.

خامساً: لا يوجد شيء يؤكّد أنّ زيارة السجون تكون دليلاً على أنّ الموقوفين الثمانية لا يتعرّضون لسوء المعاملة في سجونهم في المبنى المستحدث في «رومية».

سادساً: يصنّف التقرير اعتقال الأشخاص الثمانية، ضمن الفئة الثالثة وهي أعلى تصنيف للاعتقال التعسفي.

سابعاً: يستند التقرير إلى ما سبق للقاضي برامرتز أن جاهر به لجهة حصرية القضاء اللبناني في تحمّل مسؤولية الاستمرار في هذا الاعتقال التعسفي.

ويخلص فريق العمل الدولي إلى تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية هذا التوقيف خصوصاً أنّ القانون اللبناني، وإن أجاز التوقيف المتمادي في مثل هذه الحالة، إلا أنّه يجب أن يتوافق مع القوانين الدولية المرعية الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى الحكومة اللبنانية أن تتقيّد بهذه الأنظمة الدولية.

ويشير التقرير إلى أنّ حرمان الحرّيّة، ولو أجازه القانون، لا يمكن أن يكون ظالماً، ولا أن يكون من دون غد منظور، مصرّاً على أنّ التحقيق لم يبلغ الموقوفين بالتهم المنسوبة إليهم بشكل محدّد، وهذا التوقيف من دون توجيه الاتهام الواضح منذ أكثر من سنتين، يحرم الأشخاص الموقوفين من الضمانات التي يجب أن تتوافر لكلّ مدعى عليه بجرم جزائي لا سيّما إطلاعه على التهم المنسوبة إليه، ووجوب محاكمته في خلال مهلة زمنية معقولة وإلا اقتضى إخلاء السبيل.

كما يؤكّد فريق العمل المعني بالاعتقال التسعفي، أنّ القانون الدولي يعتبر أنّ التوقيف قبل الحكم هو الاستثناء لا القاعدة لأنّ حرمان الحرّيّة يصير عملاً كيفياً في هذه الحالة وبالتالي يناقض مفهوم القانون والعدالة.

كرم

وتعليقاً على مضمون هذا التقرير الدولي والصادر عن منظّمة دولية لها مكانتها، يقول نقيب المحامين الأسبق عصام كرم لـ «السفير» إنّه ما دمنا لا نزال في جو إعطاء الثقة بالقضاء الدولي فلماذا لا نأخذ بمنطوق القرارات الدولية فإما أن ندعي ونحاكم، وإما أن نخلي سبيل الموقوفين، وهذا صار أمراً ملحّاً لأنّ فيه كلّ العدالة التي يقتضي أن يتصف بها القضاء.

تعليقات: