نبيل هيثم: «ام كامل» فوق المصيلح

برّي لبيري: عينكم يجب أن تكون على إسرائيل، وليس علينا
برّي لبيري: عينكم يجب أن تكون على إسرائيل، وليس علينا


«ام كامل».. هي التسمية التي يُطلقها أبناءُ الجنوب على طائرة الاستطلاع الإسرائيلية «أم – ك» اعتادوا على «عنينها»، حتى أصبحت في فترة معيّنة جزءاً من يومياتهم.

قاربت الساعة الثانية والدقيقة الخامسة والأربعين من بعد ظهر الأربعاء 27 أيلول الماضي، انتهى اللقاء الرسمي بين الرئيس نبيه بري وقائد قوات «اليونيفيل» في الجنوب الجنرال مايكل بيري. وقد دار حديث بينهما حول المنطقة الجنوبية ومهمات «اليونيفيل» فيها، وعرض للوضع على جانبَي الحدود.

ولأنّ الوقت وقت غداء، استبقى بري ضيفه ومرافقيه على الغداء. وتمّ تحضير المائدة فوراً على «سطيحة» جانبية من «دارة المصيلح»، مطلّة على البحر، وصيدا وإقليم التفاح وجزين. وفُرشت المائدة بـ«الأكل البلدي»؛ «الكمّونة» أوّلاً، السَلطات البلدية، المجدّرة، وصحن الفجل والخضار، وفطائر البقلة بزعتر، الى الأسماك المستقدَمة من بحر صور... وانتهاءً بالفاكهة الصيفية والحلويات التي تصدرها المعمول بتمر.

تحلّق حول المائدة الرئيس بري، وضيفه، ومرافقه مدير الشؤون السياسية والإدارية في «اليونيفيل» عمران ريزا، والموظف الدولي الذي كان يتولّى تسجيلَ محضر اللقاء، بالاضافة الى المسؤول الإعلامي في المصيلح علي دياب.

وحول المائدة دار الحديث حول أمور عادية، اجتماعية، شخصية، رياضية، والرئيس بري، تحوّل إلى ما يشبه الدليل السياحي، وأخذ يشرح لضيوفه كل المشاهد التي تطلّ عليها السيطحة..

فجأةً بدأ «العنين».. وفجأةً تصدر عن قائد «اليونيفيل» إيماءة عفوية تطلب الإنصات.. وصفن قليلاً.. ثم هزّ برأسه وقال: إنها الـ«ام – ك».

فردّ بري قائلاً: نعم إنها الـ«ام – ك». أتعلم أنها لم تفارق فضاء منطقة المصيلح منذ اسبوع، اي منذ اللحظة التي وصلتُ فيها إلى هنا؟!

ظلّ قائد «اليونيفيل» ساكتاً، ورسم علامات استفهام على وجهه، فيما أكمل بري كلامه قائلاً: لا أعتقد أنّ «اليونيفيل» كانت غافلة عن رؤيتها، وأنت تعرف أنها هنا ليس لتحميني.. هذه إسرائيل.

حافظ قائد «اليونيفيل» على سكوته، وأما بري، فغمز من أداء القوات الدولية بقوله ما مفاده «إنّ مثل هذه الأمور لا تراها، أولويّتها فقط ان تطلب وتلحّ على الطلب، في أن تكون لها دوريات داخل القرى، فيما الخروقات الإسرائيلية تتوالى ليل نهار، وكأنّ شيئاً لا يحدث. وكأنّ هذه الخروقات لا تمسّ القرار 1701.. الآن الـ«ام – ك» في الجوّ، وأنتم تعلمون أنها لم تعد طائرة استطلاع فقط، بل هي طائرة اغتيالات ومزوَّدة بصواريخ...

وقبلها بالأمس الزوارق في البحر، وقبلها أيضاً خرق جدار الصوت بطريقة مرعبة من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي، ألَم تروا ذلك، أعتقد أنكم ترون كل ما يجري، ومع ذلك لا أحد يتكلّم. كل هذه الخروقات الحالية، ما هي إلّا نقطة في بحر الخروقات المتكرّرة، من قبل إسرائيل، وأكثر من ذلك أنتم تعلمون علمَ اليقين أننا نحن مَن يلتزم القرار 1701، ولا نقوم بأيّ عمل يمسّ به. عينكم يجب أن تكون على إسرائيل، وليس علينا».

كلام بري هذا، يؤشّر الى مصدر الخطر الدائم على لبنان. وبالتأكيد أُضيف له الخطر التكفيري بحيث صار يتهدّد لبنان إرهاب بوجهَيه: التكفيري وكذلك إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.

على أنّ القلق الكبير الذي ينتاب بري في هذه المرحلة، هو من أن يضاف الى هذين الوجهين، وجه ثالث في مكان آخر لا يقلّ خطراً عنهما، بل ربما يزيد؟

المنطقة على فوهة بركان، يقول بري، وها هو مشروع شمعون بيريز حول «الشرق الأوسط الكبير» يجري تنفيذه بكل اندفاع، وتحت أعين العالم، إن لم يكن بموافقته، وها هي كردستان بعد الاستفتاء، هي «الدولة الأولى»، ومعلوم أنّ الدولة الثانية كانت في جنوب السودان.

كردستان، هذه الدولة بمنتهى الخطورة يقول بري. الجميع شاهدوا الأعلام الإسرائيلية المرفوعة ابتهاجاً في كردستان، أكثر من الأكراد أنفسهم، فماذا يعني ذلك؟ خطورة هذه الدولة إذا ما قامت، تكمن في أنّ إسرائيل، وكما هي على حدود لبنان وسوريا والأردن ومصر، صارت على حدود إيران. هذا هو الهدف الكبير، وهنا تكمن الشرارة التي يمكن أن تشعل كل المنطقة.

ويضيف: إنها خطيئة كبرى يرتكبها الأكراد في كردستان، في زمن سايكس بيكو اختاروا الوحدة مع العراق، فحموا أنفسهم كما حموا العراق، وفي السنوات الأخيرة، صارت لديهم حقوق كبرى، فما الذي جرى لكي يسقطوا في هذا الإنفصال، ولكي تبدو الصورة وكأنّ هناك وجهاً ثانياً لإسرائيل لا يقل خطورة عن هذه الإسرائيل المحتلة لفلسطين.

ولعلّ الخطورة الكبرى تكمن في أنّ «دولة كردستان» إذا ما قامت، فمعنى ذلك أنها لا تضع المنطقة كلها على نار التفتيت فقط، بل على نار الغليان، ذلك أنّ هذه الدولة الخطيرة، لها امتداد مع سوريا بواسطة أكراد سوريا، ولها امتداد مع تركيا بواسطة أكراد تركيا، ولها امتداد مع إيران بواسطة أكراد إيران، هل ثمّة مَن يتخيّل حالاً كهذه وماذا يمكن أن ينتج عنها؟ وإسرائيل مزهوّة، لا بل منتشية، لأنها امام فرصة أن تجعل من هذه الدولة، قاعدةً لها، أكبر بكثير من القاعدة الأميركية في كوبا.

- هل تخاف على لبنان؟

يجيب بري: الخوف على كل المنطقة، ولبنان جزءٌ من هذه المنطقة.

- وهل أنت قلق من عدوان إسرائيلي على لبنان؟

يجيب بري: في الأساس لا يُؤمَن لإسرائيل أبداً. ومع ذلك، لا أعتقد أنها تحضّر شيئاً ضد لبنان، لأنّ ما يهم إسرائيل هو أن تبقى المشكلات مستفحلة ومتفاقمة في الدول العربية، والعرب يوفّرون عليها أيّ تعب، إذ يقومون بما تريده، لناحية تدمير دولهم ومجتمعاتهم والصراعات في ما بينهم – حتى لم تعد تقوم لهم قائمة.

هذه الصورة السوداء، توجب النظر الى الداخل اللبناني، ومن هنا يقول: «أيّ مشكلة في الداخل، وكل هذه المناكفات التي تحصل بين حين وآخر يجب أن تنطفئ، وأنا من جهتي سأعمل جاهداً في هذا الاتّجاه».

هذه الجملة التي يكرّرها بري باستمرار في هذه الفترة، يريدها منصّةً يلقي من خلالها المسؤولية في كل الاتّجاهات السياسية، ذلك أنّ أقصى ما يتمنّاه في هذه المرحلة، هو أن يقرأ اللبنانيون كلهم في كتاب واحد. وليس أن يحاول البعض في كتب الآخرين.

وخريطة الكتاب الواحد هذه، يرسمها بري بقوله: من الطبيعي أن تحصل تباينات وافتراقات في وجهات النظر حول أمور بسيطة كما حول أمور وقضايا جوهرية.

وإن جلسنا نُحصي نقاط الخلاف وأسبابها فيمكن ألّا ننتهي من العدّ، وفي الإمكان تكبير أيّ مشكل مهما كان صغيراً، ولكن في الإمكان أيضاً تصغير أيّ مشكل أو سوء تفاهم أو اختلاف مهما كان كبيراً. هنا تكمن المسؤولية الجماعية، والفائدة ليست على طرف بعينه، بل إنّ الكل مستفيدون وفي المقدّمة البلد.

كلام بري هذا، ليس من فصيلة الشعر والأدب والتعابير الإنشائية الجميلة، وليس من باب دحرجة العواطف في حقل الأشواك الداخلية، بل هو جرس إنذار يقرعه في اللحظة الحرِجة، لتوجيه إبرة البوصلة السياسية نحو تلك العاصفة الخطيرة التي تهبّ على المنطقة وتهدّد بمحو حدود بعض الدول وتاريخها والجغرافيا..

إنذارُ بري واضح وصريح «تخيّلوا لو هبّت تلك العاصفة ووضعُ لبنان الداخلي هشّ، فهل ساعتئذٍ ينفع اللوم والندم»؟

خلاصة كلام رئيس المجلس: إسرائيل مصدر التهديد الدائم لنا، وقد انتصرنا عليها عندما اتّخذنا القرار وواجهناها باللحم الحيّ. وأما العاصفة فها هي تتكوّن في أجواء المنطقة، أفلا يجب أن نتّخذ القرار لنردّ هذه العاصفة عنا قبل أن تهبّ علينا؟

تعليقات: