«معرض» بيوت مرجعيون: لا سكّان.. ولا زوّار!

تصوير علي حشيشو
تصوير علي حشيشو


لم يكن اعتباطياً اختيار جديدة مرجعيون عاصمة لقضاء مرجعيون. البلدة لم تكن مركزاً تجارياً وعمرانياً مزدهراً فحسب، بل صرحاً عaلمياً وثقافياً وأدبياً رائداً بين لبنان وسوريا وفلسطين. مع ذلك، وضع إرث الجديدة على رف ناءٍ، كبعدها عن بيروت. لم يشفع لها ما لها لكي تعفى من التهميش القسري اللاحق بالأطراف

آمال خليل

في مرجعيون معرض دائم ومفتوح لتصاميم العمارة الجميلة، لكن من دون زوار. الجديدة تشرّع أحياءها وساحتها المرصوفة بالبازلت لتصفح تاريخ لا يسجل الرخاء الاقتصادي الذي عاشته عاصمة الحدود الجنوبية مع الجولان وسهل الحولة فحسب، بل يحفر أيضاً السبق العلمي والثقافي الذي حققه أبناؤها منذ القرن التاسع عشر.

فالرخاء واستقرار الإرساليات الأجنبية في البلدة أنتج جيلاً متعلماً. وفي عام 1901، أحصت وثيقة عثمانية وجود نحو 450 طالباً في المدرسة الأرثوذكسية التي أنشئت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أما الذاكرة الحديثة، فتؤرخ وفاة آخر مرجعيوني أمّي في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي.

يوضح مختار حي العيون في جديدة مرجعيون كامل رزوق بأن كثيراً من بيوت البلدة شُيّد بين منتصف القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ويُعزى الفضل في هذه العمارة إلى أهالي ضهور الشوير الذين لجأوا إلى الجديدة هرباً من الاضطرابات التي شهدها جبل لبنان آنذاك. تضافرت مهارة «المعمارجيين» الشويريين وتوافر الأموال لدى بعض عائلات مرجعيون، فأنتجا تلك اللوحة التراثية. بحسب رزوق، فإن سعر حجر الكدّان الجاهز للبناء، في تلك الأيام، كان يصل إلى ليرة ذهب عثمانية. وكانت العائلات تسكن في دار واحدة مهما زاد عدد أفرادها. فكانت تخصص غرفة لكل ابن يُقبل على الزواج، وكلما كثر عدد الأبناء زاد عدد الغرف.

البيوت الواسعة المؤلفة من طبقتين وتحتوي على تفاصيل هندسية وجمالية، تعود ملكية معظمها إلى عائلات راكمت ثرواتها من تجارة المواشي والحبوب مع القنيطرة وشمالي فلسطين ومن تملّكها أراضي زراعية في سهل الحولة الفلسطيني. وبعضها من ثروات عادت على الجديدة من الهجرة الفردية إلى أميركا اللاتينية التي سجلت عقب أحداث عام 1860 الطائفية، لا سيما البرازيل. اندلاع الحرب العالمية الأولى ثم احتلال فلسطين فالجولان والجنوب، عوامل حوّلت الهجرة إلى جماعية، وأجبرت معظم أصحاب تلك البيوت على النزوح.

بعد تحرير عام 2000، قليلون من الورثة رمموا البيوت، فيما بقي معظمها خرباً مهجورة. آل رزوق، على سبيل المثال، يُعدّون 21 جباً، لا يزال أفراد جبّين اثنين منها فقط يقيمون في الجديدة. ليس انقطاع الأبناء في الاغتراب سبب هجر البيوت فقط. يشير رزوق إلى أن ملكية البيوت تعود لعشرات الورثة أحياناً، ومعظم هؤلاء منتشرون في أصقاع العالم ولا يزورون لبنان نادراً، وهذا حوّل البيوت إلى ما يشبه الوقف الذي لا يمكن التصرف به، لا بترميمه واستثماره اقتصادياً وسياحياً ولا بهدمه.

الشيوع أو تعدد المالكين «حمى هذه البيوت التراثية من الهدم». لكنها تواجه مصير «مرور الزمن» في حال لم تخضع للترميم. حتى الآن، لم تجد وزارتا الثقافة والسياحة سبيلاً إلى الجديدة لإعلانها مدينة تراثية، والمساهمة في ترميم بيوتها المتمايزة بهندستها أو بتاريخها، فضلاً عن الساحة العامة التي رُصفت خلال الانتداب الفرنسي بأحجار البازلت وتحيط بها البيوت والمحال التراثية.

وفق رزوق، قبل شهرين زار سرايا مرجعيون وفد من السفارة التركية برفقة وفد من وزارة الثقافة اللبنانية، في إطار البحث في إمكان تأمين تمويل تركي لترميم السرايا التي بنيت خلال الحكم العثماني ورُفع فوقها أول علم عربي. حتى الآن، لم يبتّ في مصير المشروع. يطالب رزوق بإعلان المدينة تراثية وبتولّي الوزارة ترميم البيوت التي شهدت أحداثاً تاريخية مهمة، كدار آل ديبا التي سكن فيها الجنرال الفرنسي شارل ديغول، ودار آل غلمية التي ضمت مطبعة لجريدة كانت تصدر في ثلاثينيات القرن الماضي.

تصوير علي حشيشو
تصوير علي حشيشو


تصوير علي حشيشو
تصوير علي حشيشو


تصوير علي حشيشو
تصوير علي حشيشو


تصوير علي حشيشو
تصوير علي حشيشو




تعليقات: