بين 4 تشرين الثاني.. و28 شباط!

ماذا بعد زيارة الحريري الى السعودية؟ (أ ف ب)
ماذا بعد زيارة الحريري الى السعودية؟ (أ ف ب)


المشهد الاول أسعد بعض اللبنانيين ومن بينهم مَن صنعه الحريري وأوجده في الوظيفة والسياسة ومن بينهم ايضاً مَن كان صديقاً للحريري فصار شامتاً وعلّق آمالاً وطموحات على ما اعتبرها «نهاية» سعد الحريري.

المشهد نفسُه أبكى الآخرين وفي مقدمهم العائلة التي أرعبتها فكرة أن «يقفل هذا البيت بالاغتيال السياسي لسعد الحريري بعد الاغتيال الجسدي لوالده الشهيد رفيق الحريري. وكذلك أبكى مَن هم في صفّ الحريري ولصيقين به، وخافوا على مصيرهم وتشتّتهم من بعده.

لكنّ مشهد الأمس قلب الصورة رأساً على عقب. وتحوّلت من وجه عابس ومكفهرّ لسعد الحريري في 4 تشرين الى وجه تعلوه ابتسامة عريضة وملامح سعادة واطمئنان وحيوية. فما الذي جرى بين 4 تشرين و28 شباط؟ وهل عاد الزمن بالعلاقة ما بين الحريري والسعودية الى ما قبل 4 تشرين الثاني 2017؟ وهل أُضيفت على هذه العلاقة ما يزيدها عمقاً وإيجابية؟

بالتأكيد أنّ زيارة الحريري الى المملكة ليست وليدة ساعتها، بل هي نتاج فترة تحضيرية طويلة مهّد لها الأميركيون على ما يقول العارفون بأسرار الغرف المغلقة. ويُقال إنّ لصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر الدور الأساس في ذلك، ويُقال ايضاً إنّ الإماراتيّين كانوا حاضرين بكل جهودهم على هذا الخط.

لم تكن هذه المهمة صعبة جداً ولم تصطدم بأبواب سعودية مقفلة وتمّ البناء على هذه الإيجابية، وكذلك على ايجابية الحريري الذي لم يحِد عن خطّ «الوفاء للمملكة». فكّر لحظة في أن يبقّ البحصة حول ما قال «إنها أصعب معاناة يمرّ بها» لكنه عاد وعدل عن ذلك بناءً لنصائح تلقّاها ويُقال هنا إنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان أحد المشاركين الأساسيّين في إسدائها.

تلك الأبواب السعودية المفتوحة أراحت الأميركيين وصار الشغل الأساس هنا، هو على كيفية إتمام اللقاء بين الحريري وولي العهد السعودي محمد بن سلمان . يُقال إنّ الإماراتيين طرحوا فكرة أن يتمّ هذا اللقاء في لندن وعلى ذمّة أحد العارفين بأسرار الغرف المغلقة فإنّ محمد بن سلمان فضّل أن يتمّ اللقاء في الرياض.

ووُضع الحريري في الصورة وتمّ التواصل معه من المملكة - يُقال أكثر من مرة- الى ان تمّ رسم خريطة طريق زيارته الى السعودية شكلاً ومضموناً وصيغت الدعوة الرسمية الخطية وأوكل المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا بإيصالها باليد الى الحريري وهكذا كان. وحضر العلولا الى بيروت في زيارة اتّسمت أجواؤها ولو ظاهرياً- بايجابية مفرطة بحسب ما عكسته التصريحات التي تلت لقاءاته مع المسؤولين والسياسيين في لبنان.

السؤال الذي ما زال يطرحه البعض: لماذا تدخّل الأميركيون الآن، ولم يتدخّلوا في السابق وحالوا دون حصول ما حصل في 4 تشرين الثاني؟

الجواب يلخّصه أحد المراجع بقوله: «معلوماتي الدقيقة بأنّ الإمارات العربية المتحدة كانت ضد احتجاز الحريري وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي أبلغت السعوديين بعد اسبوع من الاحتجاز «أنّ واشنطن ترى الحريري شريكاً جديراً بالثقة» وهو ما قاله الناطق باسم البيت الابيض آنذاك، الذي عبّر أيضاً عن رفض واشنطن كل ما يهدّد أمن لبنان، ودعا جميع الاطراف الى «احترام سيادة لبنان واستقلاله وآلياته الدستورية» وفي هذا الكلام اشارة اعتراضية واضحة الى كيفية التعاطي مع الحريري، وبيان الاستقالة الذي تلاه من الرياض.

السؤال الآخر هل إنّ فتح أبواب المملكة للحريري ينطوي على انعطافة سعودية جدّية نحوه، أم هو انعطافة موقّتة؟

ثمّة وجهات نظر متعدّدة حيال هذا الامر:

• الأولى تعتبر ما جرى نتيجة لمقاربة سعودية للأمور تشتمل على بعض الواقعية السياسية.

• الثانية تدرج ما جرى في سياق اعادة تموضع اقليمي للسعودية دخولاً من البوابة اللبنانية التي تمتلك فيها أوراق قوة في اللعبة السياسية.

• الثالثة تعتبر ما جرى ترجمة لإدراك السعودية أنّ الحريري هو مفتاح عودتها الى المشهد السياسي اللبناني مهما تعدّد الحلفاء الآخرون وذلك بالنظر الى الحيثية التي ما زال يمتلكها بصفته الامتداد السياسي للشهيد رفيق الحريري.

وثمّة وجهات نظر أخرى تقول:

• إنّ الدعوة الرسمية للحريري الى السعودية بالطريقة التي تمّت فيها وبالزيارة التي جرت هي مبادرة معنوية تعويضية لما حصل في 4 تشرين الثاني 2017.

• إنّ السعودية قرّرت من خلال إعادة الانفتاح على الحريري أن تعتمد مقاربة جديدة عنوانها – حتى الآن – هو اعتماد الحريري لهذه المرحلة كأوّل بين متساوين في لبنان، خصوصاً على مستوى القيادة السنّية.

• كما أنّ السعودية في حاجة الى تجاوز «موقعة» 4 تشرين 2017، كذلك الامر بالنسبة الى الحريري إنما بشكل أكبر، خصوصاً في الزمن الانتخابي الراهن، ذلك أنّ في قناعته، أي الحريري أنه لا يمكن له أن يستدرك خسائره المحتملة في الانتخابات النيابية إلّا من خلال الحاضنة السعودية القادرة على جمع المتناقضات على النحو الذي يحدّ من نزيف المقاعد المتوقع في معسكر ما كان يُسمى «14 آذار».

إلّا أنّ جانباً من وجهة النظر هذه، يشير الى أمر قد يكون شاغلاً للفكر من الجانب الحريري، وهو القلق من أن تكون الإيجابية السعودية المستجدّة تجاه الحريري منطلقة من مصلحة آنية، تجعل ترميم ذيول ما حدث في 4 تشرين الثاني مجرّد استثمار سياسي قصير الأمد، لخدمة استثمار سياسي طويل الأمد لا يبدو في بيت الوسط بقدر ما هو في معراب، ذلك أنّ سمير جعجع بات خياراً محبّباً أو ربما الخيار المفضّل لمحمد بن سلمان الى جانب صقور الطائفة السنّية وخصوصاً أنّ التقاطع بينهم بات راسخاً اكثر فاكثر ولا سيما في مقاربتهم لـ»حزب الله: بمنطق «العدو» وليس «الخصم».

يبقى الأساس سؤال ماذا بعد الزيارة؟ وإلامَ تؤسس؟ وهل ستترجم نفسها على الرقعة السياسية والانتخابية؟ وكيف؟

الجوّ العام المواكب للزيارة متفائل بإيجابيات وبصفحة سعودية لبنانية جديدة، ولكنّ هناك وجهة نظر تقول بأنّ السعودية اليوم، هي السعودية نفسها قبل اليوم، أي إنها لم تبدّل من مواقفها ولا من ثوابتها السياسية وغير السياسية، سواءٌ في ما يتعلّق بلبنان أو المنطقة، وفي الجانب اللبناني يجب التعمّق بما قاله وليّ العهد السعودي خلال مقابلته مع الصحافي الاميركي ديفيد ايغناسيوس في صحيفة «واشنطن بوست». حيث قال ما حرفيّته: الحريري الآن في وضع أفضل في لبنان مقارنةً بميليشيات «حزب الله». هنا الهدف وبيت القصيد.

وإذا كانت النظرة الى «حزب الله» قد تكون مشتركة بين السعودية والحريري، والهدف قد يكون مشتركاً في تقويض الحزب وقطع الطريق عليه امام تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، إلّا أنّ الترجمة قد تكون معقّدة في هذا الجانب، وكذلك في الجانب المتعلّق بعهد الرئيس ميشال عون وكيفية مواءمة الحريري بين علاقته الوثيقة بالعهد وتأمين اولوياته الثلاث: ربط نزاع مع «حزب الله»، استمرار التسوية الرئاسية وتكريس استمراره على رأس حكومة ما بعد الانتخابات وبين الموقف السعودي «الفاتر» من العهد، والذي أُخذ على الحريري خلال أزمة 4 تشرين الثاني ما سُمّي بالتراخي والمهادنة خصوصاً أمام «حزب الله».

تخلص وجهة النظر الى احتمالين:

• الأول، أن يعود الحريري الى بيروت متناغماً مع كل اولويات المملكة وملتزماً بها. وعلى هذا الأساس يقود المواجهات القاسية مع «حزب الله».

• الثاني، أن يعود متسلّحاً بتفهّم سعودي لأجندته وأولوياته، ولسياسة المساكنة والمهادنة التي يتبعها.

خلاصة الاحتمالين، أنّ الثاني هو الأقرب للترجمة، فيما الاحتمال الأول- إن وُجد أصلاً- فهو مكلف وقد يضع البلدَ كلَّه على صفيحٍ ساخنٍ طائفيٍّ ومذهبيٍّ وأبعد من ذلك، والكلّ في ما يبدو يتجنّبون هذا الأمر.

تعليقات: