وقائع من الخارج: لماذا تُستَهدَف «العسكرية»؟

رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله
رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله


تصريح وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف الأخير الذي استغرب فيه محاولة البعض التهجّم على المحكمة العسكرية وقضاتها وعملهم، ليس بلا أسباب عميقة تتجاوز في بُعدها السجال الحالي اللبناني حول قضية الممثل زياد عيتاني، وقضايا أخرى نظرت أو تنظر فيها هذه المحكمة.

يتصل جانب أساسي من هذه الأسباب بوقائع خطرة حدثت أخيراً خارج لبنان وهي ترتبط بالمحكمة العسكرية، ولم يتم التطرّق اليها سياسياً أو إعلامياً في لبنان، على رغم أنّ الجهات المعنية في الدولة اللبنانية واكبتها بجدّية وراء ستارة من الصمت نظراً لحساسيتها.

والمقصود هنا هو وقائع حدثت خلال فترة الأسابيع الماضية، وتفاعلت بنحو ممنهج داخل الكونغرس الأميركي وفي أروقة محافل اعلامية ومراكز ابحاث اميركية مؤثرة على القرار في أميركا.

وفي رأي مصدر مطّلع فنّد لـ«الجمهورية» سياق هذه الوقائع، أنّ من بين أبرز الأسئلة التي يجب أن تحتلّ عناية في خضم كل ما يجرى حالياً من سجال في لبنان حول قضايا مثارة تخصّ المحكمة العسكرية، هو لماذا تمّ في الخارج، وتحديداً في اميركا، خلال الاسابيع الماضية، توجيه حملة معنوية وإعلامية ضد المحكمة العسكرية؟

وبحسب المصدر عينه، فإنّ الجواب يمكن ادراكه من خلال عرض المعطيات الآتية التي برزت على شكل وقائع في اروقة الكونعرس الاميركي، واستمرت في التفاعل تصاعدياً طوال فترة التحضير لعقد مؤتمر روما الخاص بدعم الجيش اللبناني:


يتمثل المعطى الاول ببروز لوبي داخل الكونغرس الاميركي اعضاؤه يؤيّدون اسرائيل، بذل خلال الاسابيع الاخيرة جهوداً علنية اتّبعت تكتيك إستغلال «سجالات ووقائع لبنانية تدور حول محاكمات تجرى في المحكمة العسكرية»، بهدف استخدامها مستمسكات لتشويه صورة الجيش اللبنانية وللتشويش بالتالي على الجهود المبذولة داخل أميركا، ومن بينها جهود الخارجية الاميركية، الهادفة الى الدفع قدماً بمسعى انجاح مؤتمر روما الخاص بدعم الجيش اللبناني.

وحاول هذا اللوبي في إطار سعيه هذا، أن يتّخذ من سجالات لبنانية داخلية تنتقد «المحكمة العسكرية» شماعة للمرور عبرها الى هدفه الرئيس، وهو الطعن بـ«نزاهة المؤسسة العسكرية اللبنانية»، وذلك عبر توليف «مقولة اخلاقية» مزعومة، تفيد أنّ على الكونغرس تحديداً، وأيضاً على الدول الديموقراطية الغربية المانحة في مؤتمر روما أن تراجع موقفها من مؤسسة الجيش اللبناني لكون مؤسساته، وتحديداً المحكمة العسكرية، «ترتكب تجاوزات ضد الديموقراطية وحرية الرأي في لبنان، إضافة الى كونها تحابي حزب الله»!!.


أما المعطى الثاني، فيسلط الضوء على الوقائع التي استخدمها هذا اللوبي «مِصعَداً» لخدمة الوصول الى هدف الطعن بنزاهة الجيش اللبناني. ونقطة البداية في هذه الحملة بدأت مع حملة التضخيم الملفتة لواقعة الحكم غيابياً بالسجن ستة اشهر الذي اصدرته المحكمة العسكرية في حق الباحثة اللبنانية الزائرة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى حنين غدار نظراً لمداخلة أجرتها في ندوة عقدت عام 2014، وقالت فيها «إنّ الجيش اللنباني يفرّق بين إرهاب سنّي وإرهاب شيعي».

لقد بيّنت وقائع الشهر الماضي أنّ قضية حنين غدار أحتلت مساحة داخل أروقة الكونغرس وفي الإعلام الأميركي، أكبر بكثير من الحجم الذي تأخذه في العادة أحداث مشابهة. ولاحقاً بات واضحاً للمراقبين الذين تابعوا تفاعل هذا الموضوع، أنّ قضية غدار تستخدمها جهات داخل أميركا شماعة للنفاد منها الى كسر التأييد القوي في الكونغرس لدعم الجيش اللبناني وأيضاً للتشويش على سلاسة مسار عقد مؤتمر روما.

وتأكّد هذا الإستنتاج خصوصاً عندما برزت، في مناسبة قضية غدار، اصوات داخل الكونغرس، وأيضاً في وسائل إعلامية ومراكز أبحاث أميركية، تطالب صراحة بوقف المساعدات للجيش اللبناني نظراً لوجود صلة مباشرة وموضوعية بينه وبين المحكمة العسكرية «التي تقمع حرّية الرأي في لبنان»!! على حدّ تعبير اصحاب هذه الاصوات.

لقد بذلت القنوات المعنية بالدولة اللبنانية جهداً كبيراً لمواجهة الهجمة التي أرادت كسر حالة التأييد في الكونغرس لدعم الجيش اللبناني، وذلك من خلال توجيه سهام التشكيك به وهزّ صورته داخل الولايات المتحدة الاميركية وفي دول الغرب، عبر التصويب على المحكمة العسكرية.

وخطورة هذه الحملة أو حساسيتها، تكمن، على ما حدّ ما رأتها مواقع رسمية لبنانية، في انها تزامنت مع الجهد الديبلوماسي والسياسي الذي كان يبذله لبنان مع الخارجية الاميركية لإزالة تعقيدات برزت أمام إتمام التحضيرات لعقد مؤتمر روما الخاص بدعم الجيش اللبناني.

من حيث المبدأ، نجحت ذراع الديبلوماسية اللبنانية في الولايات المتحدة في إيضاح زيف ادّعاءات اصحاب الحملة الذين طالبوا بوقف دعم الجيش اللبناني كون المؤسسة القضائية التابعة له «تمارس قمعاً للرأي في لبنان»، حيث بيّنت أنّ مستندات حكم المحكمة العسكرية على حنين غدار ينطلق من كون كلامها في ندوة عام 2014 يثير النعرات الطائفية، الأمر الذي يعاقب عليه القانون اللبناني.


المعطى الثالث يتمظهر من خلال رصد «التتابع المنهجي» الذي وجّه الحملة في اتجاه التصاعد في وتيرة تواكب إقتراب مؤتمر فيينا من موعد عقده. فبالتواتر تصاعدت حملة التصويب على المحكمة العسكرية وربطاً بها على الجيش اللنباني، بتتالٍ لافت: فبداية تم إتهامها بأنها ليست ذات اختصاص في قضية غدار، ثم رميت بتهمة «محاباة» حزب الله، ومن ثم بتهمة أنها معادية للمرأة في لبنان (!!).

والواقع أنّ حجم المبالغة اللافت الذي حدث على مستوى توجيه التهم على خلفية قضية غدار، وأيضاً مقدار التعاطف المفتعل الذي حصدته هذه القضية داخل بيئات في الكونغرس وفي الإعلام، اظهرت أنّ غايات هذه الحملة هي أبعد من قضية غدار التي باتت محلّ استغلال لهدف آخر أهم وأكبر.

ويبدو أنّ هذا الإستنتاج هو الذي يفسّر، بحسب معلومات لـ«الجمهورية»، لفت قنوات الخارجية الاميركية نظر بيروت في وقت سابق من الشهر الماضي الى ضرورة العمل لاحتواء تداعيات قضية غدار، وذلك على رغم تفهّمها أنّ قرار المحكمة العسكرية يتناسب مع موجبات القانون اللبناني.

وعليه نُظِرَ في بيروت الى تواصل الخارجية الاميركية بصفته إشارة الى أنّ القيّمين عليها يدركون أنّ قضية غدار يتم استخدامها داخل أميركا للتأثير على حماسة الخارجية الاميركية والكونغرس لدعم المؤسسة العسكرية اللبنانية، وفي الاساس بهدف خلق سجال دولي حول نزاهة الجيش اللبناني وذلك في مناسبة عقد مؤتمر روما.

* المصدر: موقع القوات اللبنانية

رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله وقائد الجيش العماد جوزف عون
رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله وقائد الجيش العماد جوزف عون


تعليقات: