أولمــرت: الجـيــش خــاب أمــلــه مــن نـفـســـه

وفر نشر شهادات كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الأركان السابق دان حلوتس، فرصة نادرة لفهم معاني توصيات «لجنة فينوغراد». فقد تبادل القادة الإسرائيليون «بتهذيب» الاتهامات حول المسؤولية عن الاخفاق في الحرب على لبنان، فرأى أولمرت أن الجيش «خاب امله من نفسه»، فيما فاجأ حلوتس اللجنة بإبلاغها أنه لا يؤمن بمنح الجيش كل هذا الدور في نظرية الأمن الإسرائيلية. وشدد وزير الدفاع على أن الجيش لم يقدم أي تقرير عن مشاكله التدريبية، في حين قال أولمرت أن شكاوى الجيش كانت على الدوام لأسباب تتعلق بالميزانية.

وامتدت شهادات كل من أولمرت وحلوتس وبيرتس على مدى أكثر من 80 صفحة لكل منهم. وبدا واضحا أن الرقابة اقتطعت الكثير من شهادة أولمرت وبعض شهادة حلوتس والقليل من شهادة بيرتس. ومن الجائز أن هذا يشهد على أن أكثر ما اقتطع يتعلق بالشأن السياسي وخصوصا المتعلق بالعلاقة مع الإدارة الأميركية.

وفي الآتي محاولة لعرض أكبر حيز ممكن من الشهادات التي نشرت أمس.

اعترف أولمرت في شهادته أمام «لجنة فينوغراد» بأن «الجيش خاب امله من نفسه» مشددا على أنه منذ توليه مهامه في كانون الثاني 2006 لم ينشغل «طوال الوقت إلا بموضوع واحد: شمالي البلاد». وقرر أمام اللجنة أنه آمن بأن صيغة التعامل الأفضل مع الخطر هي «عدم التقولب في أنماط الماضي، وأن الأساس هو البحث عن السبيل الصائب للجمع بين الضواغط من أجل تحقيق النتائج على الأرض».

وفي نهاية شهادته، قال أولمرت «أعتقد أن الجيش خاب امله من نفسه بشكل غير قليل». ومع ذلك أشار إلى وجوب التمييز بين المقاتلين في الميدان وبين المستوى القيادي. واضاف «فلست ممن يستخلص من ذلك تعميما كبيرا. لقد كان المقاتلون استثنائيون... خلل ما في فلسفة القيادة، وليس تحديدا قضية شاشات البلازما. وقد برهنوا جميعا على شجاعتهم في القتال... ولكن شيئا ما في نظرية تفعيل القوات، شيئا ما في نظرية السيطرة على القوات، شيئا ما في ذلك لم يكن كما توقعنا منه، لأسفنا، ولا ريب أن ذلك أحدث هوة بين قدراتنا على التحقيق وبين ما حققناه فعلا».

وأشار أولمرت إلى أنه سمع من حلوتس قبل الحرب أن الجيش جاهز ومستعد، وأن الخطط معدة ومصادق عليها. وشدد على أن وظيفة الجيش هي تنفيذ المهام العسكرية بأفضل شكل، مثلما أن وظيفة المستوى السياسي هي دراسة الوضع ضمن منظور أوسع. وقال «قلت لرئيس الأركان وكذلك لقادة عسكريين آخرين مرات عديدة، أنهم لا يرون الصورة الكاملة. فهذه ليست وظيفتهم. وظيفتهم هي تنفيذ مهمتهم العسكرية بأفضل شكل، بأنجع صورة، بأرخص ثمن على صعيد الأرواح، وبأحسن طريقة بالنسبة الى شعب إسرائيل. أما الصورة العامة للأبعاد، للتعقيدات، لمنظومة العلاقات والمشاعر، فإنها تقع على كاهل مستوى آخر».

وشدد أولمرت في شهادته على أن المداولات السياسية المهمة لم تتم بغياب وزيرة الخارجية تسيبي ليفني. وقال أنه «لم ينشأ وضع اتخذ فيه أي قرار ذي آفاق أوسع من مارون الراس نعم أو لا، لم تكن وزيرة الخارجية جزءا منه».

واستذكر أولمرت في شهادته أيضا خطابه أمام الكنيست في 17 تموز ,2006 الذي حدد فيه أهداف الحرب التي شدد على أنها لن تتوقف قبل عودة الجنديين الاسيرين. وقال «ثمة أمور تقال لأنه يجب أن تقال... فهنا منظومة سياسية، منظومة إعلامية، معنويات داخلية للجمهور الإسرائيلي، الموجود في الملاجئ، الواقع تحت النيران. هناك جنديان مختطفان، وأنا ملزم بأن أغرس في نفوسهم الأمل. هذا أيضا اعتبار نأخذه بالحسبان».

وردا على سؤال البروفيسورة روت غبيزون: «أين كنت ستتصرف بشكل مختلف لو أنك ستكرر الموقف؟»، قال أولمرت أنه ربما كان سيعقد اجتماعات أكثر لطاقم السباعية، و«ربما كنت سأتردد أكثر في المواضيع السياسية». وشدد على «أنني أنطلق من نقطة افتراض بأنني بالتأكيد اقترفت أخطاء... ولكن في المفاصل المركزية التي اتخذت فيها القرارات تصرفنا بمسؤولية وبحسب رأيي تصرفنا بمعقولية كبيرة جدا».

واعتبر أولمرت أن المجزرة التي ارتكبت في قانا وأودت بحياة العشرات من اللبنانيين، شكلت نقطة مفصلية. وقال أن «الواقع هو أنه لو لم تقع قانا، لكان هناك أساس معقول للافتراض، بأننا كنا ناضجين جدا لإتمام العملية».

واوضح أولمرت أن رئيس الأركان قال له قبل الحرب «لديك جيش نوعي، قوي وجاهز. بوسعنا تنفيذ كل المهام». واضاف اولمرت «لم يكن بوسعي معرفة أن الأمور ليست على هذا النحو».

أما عن خلفيات الخروج للحرب، قال أولمرت أمام اللجنة «لقد رأيت كيف أن المستنقع اللبناني الجديد يضيق الخناق علينا كما كان المستنقع القديم. أردت ألا نقع في شرك داخل خطوات نصنعها نحن، وأن يتوفر لنا هامش مرونة، واعتقدت أن هذه الخطة تحوي هذا الجمع الصحيح. وكما قال رئيس الأركان، للمناسبة، في 21 تموز، عندما سألته وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، بدا لي ان هو الانتصار. وهذا يعني أنه ليست هناك ضربات قاضية. ثمة هنا جمع بين الضربة العسكرية الشديدة وتفعيل آلية خطوة سياسية للتدخل في الوقت المناسب، بشكل يمكنه أن يقود إلى تغيير المعادلة. وهذا تحديدا هو ما افترضناه».

ولم يكن أولمرت هنا يشير فقط إلى شن الحرب، وإنما أيضا إلى الطريقة التي تدحرجت فيها لاحقا. وقال «لو أن العمليات الأولية أديرت بالشكل السليم، لتم تجنب العملية البرية». وأشار إلى العملية البرية التي كلفت ثمنا باهظا من الجيش الإسرائيلي في اليومين الأخيرين قبل وقف النار، موضحا أن «هذا كان القرار الأصعب في حياتي».

وسأل فينوغراد أولمرت عن الجاهزية المتردية على الحدود وقال «لقد زرت هيئة الأركان قبل أيام من الأحداث التي وقعت في الشمال، وبالتأكيد قاموا هناك بإبلاغك أن القوات النظامية لا تجري تدريبات، وأن الخبرة الوحيدة التي يمتلكونها هي في نشاطات الأمن الميداني في يهودا والسامرة (الضفة الغربية). ألم تسمع كل تلك الأمور؟» فرد أولمرت «نعم سمعت ذلك، ولكنني لم أهتم بها جدا. فأنتم تعرفون أن المؤسسة الأمنية تأتي دوما إلى مداولات الميزانية وتقول: ليست لدينا أموال كافية لهذا الغرض أو ذاك. وكنت على الدوام أعتقد بوجوب التعامل بنوع من الحذر مع هذه الأقوال».

وقدم أولمرت في شهادته الدعم لبيرتس. وقال إن وزير الدفاع «قصة يمكن لإسرائيل أن تفخر بها. وأنا لست محاميه. وليس سرا أن عمير بيرتس هو خصمي السياسي، وأنه يقف على رأس حزب آخر. وبالتأكيد فإن الوضع اليوم على خلفية تدحرج الأجواء العامة، لا يسهل الأمر على العلاقات الشخصية. ولكن إذا سألت نفسي بنزاهة، بحق، هل وقع حدث تكويني خلال الحرب، بهذا الشكل أو ذاك، بسبب عمير بيرتس؟ لا أستطيع أن أعثر على ذلك... هذه هيئة مغلقة، وأنا هنا لا أقوم بعلاقات عامة لأحد، إنني أقول لكم الحقيقة: كانت الصلة بيني وبينه أثناء الحرب جيدة».

أما بخصوص عدم إشراك ليفني في المشاورات الأمنية، اقر أولمرت «انظروا، لم تشارك في هذه المرحلة. للمناسبة، لم يشارك أبدا أي وزير خارجية في كل تاريخ دولة إسرائيل على كل مراحلها».

وهنا تدخل البروفيسور يحزقيل درور: «هل مسموح أن تبدأ؟». رد أولمرت فورا «أنت على حق، وكما يقولون، على الدوام ينبغي التعلم من الأشياء. ولكنها هي شاركت بعد ذلك في المداولات، وهي شريكة في «طاقم السباعية» (المجلس الحربي المصغر الذي ضم الوزراء السبعة الكبار)».

واعترف أولمرت بأنه لم يفعل منظومة الطوارئ. وهنا تدخلت غبيزون لتعرض أمامه آراء البعض بشأن الآثار الاقتصادية «بعيدة المدى». فرد أولمرت أنه لا يتذكر «قولا مماثلا ولم تكن حاجة إليه. لم يكن قول كهذا أبدا».

ووصف أولمرت أمام اللجنة القرار الرقم 1701 بأنه «إنجاز كبير. وهو ثمرة عمل أركاني، عمل طواقم وعمل القادة. والأمر لم يخل البتة من احتكاكات، ولم يجر على الدوام باللطف، فنحن جميعا شخصيات عامة، رجال سياسة، لدينا مطامح وحوافز، وهذا أمر مقبول. ولكن في اللحظات الجوهرية، التي كان علينا فيها أن نتعاون وأن نفعل المنظومات، قمنا بذلك على أفضل وجه».

*أكد أولمرت أن رئيس الأركان قال له قبل الحرب «لديك جيش نوعي، قوي وجاهز. بوسعنا تنفيذ كل المهام». واضاف اولمرت «لم يكن بوسعي معرفة أن الأمور ليست على هذا النحو».

تعليقات: