مرجعيون ــ حاصبيّا: دائرة التسويات والمعارك


فيما تهبّ عاصفة الانتخابات والماكينات في مرجعيون ـــ حاصبيا، تبدو هذه المنطقة دائرة التسويات السياسية، ولا سيّما بين حركة أمل والحزب الاشتراكي. وعلى الرغم من ذلك، يتوقع أن تشهد تلك الدائرة المتنوعة اجتماعياً معركة يتوعّد البعض أن تكون «الأقوى في وجه حزب الله وحركة أمل»

في أقصى الجنوب أربع ماكينات انتخابيّة تعمل ليلاً ونهاراً. ثلاث منها متحالفة، وتتبع لحركة أمل، حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي. ماكينات واثقة من فوزها. في مقابلها ماكينة جديدة ـــــ قديمة، سُخِّر لأجلها أكثر مما تحتاج إليه من أموال، وهي بقيادة أحمد الأسعد، في سبيل كسر الماكينات الثلاث. حتى اليوم، تُصرّ الأطراف الفاعلة في الأقليّة النيابيّة على أنها ستصل إلى السابع من حزيران بلوائح موحّدة في جميع الدوائر. تُضيف بعض المصادر، وهي أكثر تفاؤلاً من غيرها، أن اللوائح باتت منتهية، لكن الأسماء، وخصوصاً عند التيّار الوطني الحرّ، غير منتهية بعد.

وتغوص هذه المصادر في دائرة مرجعيون ـــ حاصبيا لتؤكّد ثبات نائبين في مقعديهما وهما: أسعد حردان وقاسم هاشم. وفي أسباب استمرار حردان في شغل هذا المنصب، تقول المصادر إن الرجل يُمثّل رمزاً للقوميين الاجتماعيين، وهو يرأس حزبهم حالياً. تُضيف أنه من السياسيين الذين ثبتوا بمواقفهم السياسيّة خلال أكثر الفترات صعوبةً. لكن الأمر لا يتعلّق بشخص حردان وحسب، بل في الحزب القومي السوري الاجتماعي «الذي من واجبنا كأطراف معارضة تعزيز وجوده النيابي»، يقول أحد المعنيين في هذه الدائرة. ويلفت إلى أن ما طُرح سابقاً عن شغل نائب رئيس الحكومة عصام أبو جمرا لهذا المنصب سيؤدّي إلى خلق مشكلة، وهي ضرورة توفير مقاعد للقومي في دوائر أخرى، ومن الضروري أن تكون مقاعد مسيحيّة. كذلك من وجهة نظر الرجل، أن للقوميين وجود شعبي في هذه الدائرة، ومن حقّهم أن يكونوا ممَثّلين فيها.

بالنسبة إلى النائب قاسم هاشم، تتفق جهات عدّة في الأقليّة النيابيّة على أنه وحزب البعث ليسا قويين شعبياً، وخصوصاً أن هاشم لم يستطع كسر المزاج السني في المنطقة، التي تنمو فيها مجموعات ذات توجّه إسلامي متشدّد، إضافة إلى نفوذ لتيار «المستقبل». لكن هاشم في الوقت عينه، يُمثّل واحدةً من العائلات الكبيرة في بلدة شبعا، حيث عدد الناخبين السنّة الأكبر في هذه الدائرة. وفي الأسباب الإضافيّة لبقاء هاشم أنه يحلّ مشكلة من حدّين، مهمة خصوصاً بالنسبة إلى حركة أمل: أولاً، يُحافظ على وجود حزب البعث في المجلس النيابي، وبذلك لا يعود هناك حاجة لتمثيله في دوائر أخرى، وثانياً، يضمن وجود نائب سني في كتلة التنمية والتحرير (وهاشم عضو في الكتلة).

ويصف أعضاء في الكتلة وجود النائب البعثي في كتلتهم بـ«المريح». لكن هناك من لا يزال يقول إن اختيار المرشّح السني غير محسوم بعد، ويطرح مجموعة من الأسماء، منها البعثي قاسم غادر، ونبيل الخطيب، مشيراً إلى أن القرار النهائي في هذا الموضوع يعود إلى الرئيس نبيه بري. أمّا شيعياً، وإذا كان شأن النائب علي حسن خليل محسوماً، فيجري التداول بوجود اتجاه لتبديل من جانب حزب الله لناحية اختيار خلف للنائب محمد حيدر الذي كان قد قبل ترشيحه في الدورة السابقة بضغط كبير من قيادة الحزب، ولا سيما من السيد حسن نصر الله. وثمة نقاش لم ينته بعد داخل قيادة حزب الله بشأن المرشح البديل.

ومن الأسئلة المطروحة في مرجعيون ـــ حاصبيا، تمثيل الحزب الشيوعي الموجود تاريخياً هناك، وإن كان بنسب متفاوتة بين قرية وأخرى. وفيما تلفت مصادر الأقلية النيابية إلى أن هذا الأمر قيد الدرس، يؤكد الحزب الشيوعي أن دخول الشيوعيين لوائح هذا الفريق السياسي يكون على صعيد وطني، ولا يمكن أن يكون ضمنها في منطقة وخارجها في أخرى. وعلى هذا الأساس، في حال عدم حصول توافق على هذا الأمر، فإن الحزب الشيوعي سيرشح سعد الله مزرعاني في هذه الدائرة. أما في حال التوافق فسيرشح مزرعاني في إحدى دائرتي بنت جبيل أو صور. والأسباب التي يجري التوقف عندها مع طرح تمثيل الشيوعي، هي أن «حزب الله لا يُمكن ألا يتمثّل في دائرة متنوّعة كهذه، ولها أهميّتها بالنسبة إليه على غير صعيد» بحسب مصادر الأقليّة النيابيّة.

نقطة تقاطع بري ـــ جنبلاط

يروي أحد المطّلعين على مجريات الأمور السياسية في مرجعيون ـــــ حاصبيا أن أحمد الأسعد زار أحد أركان الأكثرية النيابية، طالباً منه شتمه في الإعلام، لأن «ذلك يُفيدني». في المقابل، يقول مقرّبون من الأسعد إنه تلقّى اتصالاً هاتفياً من النائب وليد جنبلاط بعد انتهاء طلّته التلفزيونيّة مع الزميل مارسيل غانم، التي أعلن فيها دعمه للنائب أنور الخليل، وقال له إن ذلك كان ضرورياً، ولكن أنا أدعمك. كيف حصل تقاطع برّي ـــ جنبلاط؟

الإجابات عن هذا السؤال متشابهة عند حركة أمل والحزب الاشتراكي. مصادر الطرفين تقول إن المعركة في هذه الدائرة محسومة، لذلك لا جدوى من مواجهة انتخابيّة تزيد الانقسام الشيعي ـــ الدرزي. تُضيف المصادر أن شخص النائب أنور الخليل مثّل نقطة التقاطع: فهو شخص مقبول من الجميع، ولم يكن في يوم من الأيّام حادّاً في مواقفه، وهو على تواصل مع جميع الأطراف. هنا، ترفض مصادر «أمل» التشكيك بخياراته السياسيّة، «لأنه التزم دائماً قرار كتلتنا»، ولدى السؤال عن موضوع قانون تنظيم الطائفة الدرزيّة، تقول تلك المصادر، إن الخليل طلب التصويت مع القانون، لكونه واحداً من الذين وقّعوا على مشروعه. تُضيف، أن بحث هذا المشروع من منتصف التسعينيات جرى بالتنسيق مع الوزير طلال أرسلان، وشيخ عقل الطائفة الدرزية السابق بهجت غيث. وتلفت هذه المصادر إلى أن رفض أرسلان له كان سياسياً، «ولو أن تصويتنا ضدّ المشروع كان سيُسقطه لفعلنا». ولدى سؤال هذه المصادر عن علاقة بري وأرسلان، تؤكّد أن التنسيق على أعلى المستويات، وأن هناك تواصلاً شبه أسبوعي بين النائب علي حسن خليل وأرسلان، مشددة على أن تثبيت ترشيح الخليل سيكون «قرار المعارضة مجتمعة، والوزير أرسلان هو جزء من المعارضة». أمّا الاشتراكيون، فيقولون إنهم يدعمون الخليل، وإنهم طلبوا من جمهورهم التواصل معه، انطلاقاً من وجهة نظر جنبلاط التي تحرص على عدم قطع صلة التواصل مع طائفة بأكملها، وإن «الرئيس برّي هو المدخل لإبقاء هذا التواصل، وخصوصاً أنه مدني (غير معمّم) مثلنا». ورغم إعلان الاشتراكيين دعمهم للخليل، فإن فريق أحمد الأسعد لا يزال يُراهن على دعم الاشتراكيين له، وهو قد اختار سامي قيس لخوض المعركة عن المقعد الدرزي في هذه الدائرة. ويرى الأسعديون أن قيس شخص قوي قادر على تجيير نسبة لا بأس بها من الأصوات الدرزيّة للائحة. ويراهنون حتى على حصولهم على أصوات أنصار أرسلان، أو «اليزبكيين، لكونهم، تقليدياً، على علاقة ممتازة بآل الأسعد». لكن أحد مسؤولي الحزب الديموقراطي اللبناني يجزم: «سيحصلون على هذه الأصوات في أحلامهم فقط». ويقول الأسعديون (الذين يرفضون نسبتهم إلى آل الأسعد)، إنهم قادرون على الفوز في الانتخابات «لأن هناك تنوّعاً طائفياً كبيراً، ونحن سنحصل على أغلبية الأصوات السنيّة والدرزيّة والمسيحيّة (رغم عدم تواصلهم مع حلفائهم المسيحيين بعد)، وإذا حصلنا على 30% من أصوات الشيعة فإن معركتنا محسومة»، كما يقول أحد المقرّبين من الأسعد. ويرى الرجل أن ترشيح النائب السابق منيف الخطيب عن المقعد السني سيُسهم في تعويم اللائحة. ويشير أبناء المنطقة إلى الخدمات الكثيرة التي قدّمها الخطيب سابقاً، ويقول أحدهم: «اذهب إلى وزارة الاتصالات لترى عدد الموظفين هناك عبر الخطيب». لكنّ حليف الأسعد المفترض عن المقعد الأرثوذكسي، رئيس الاتحاد العمّالي العام الأسبق، إلياس أبو رزق، يبدو أكثر واقعيّة، إذ لا يحسم أياً من نتائج هذه الدائرة أو تحالفاتها، لكنّه يقول إن هناك قدرة على الخرق في عدد من المقاعد إذا ما تجمّعت القوى «الرافضة للمحدلة». ويلفت أبو رزق إلى أنّ النقاش مع تيّار «المستقبل» لا يزال في بدايته، وهناك ضرورة للتحالف مع المستقبل للفوز بالمعركة. ويلفت إلى أنه لا نقاش مع الشيوعيين «لأنهم لم يحسموا هم خيارهم بعد»، بينما يرى مقربون من الأسعد أنه لا ضرورة لنقاش الشيوعيين، «لأنه لا وجود لهم في هذه الدائرة حالياً». تحوّلات العرقوب السياسيّة من انتخابات الجنوب عام 2005 (أرشيف - هيثم الموسوي)بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، شهدت منطقة العرقوب تحوّلات بارزة في المزاج الشعبي، الذي جذبه تيّار المستقبل. لكن التيار فشل في تنظيم هذا الوجود الشعبي، وبقي حضور التيار حالة شعبيّة، تقوم على المساعدات الاجتماعية الدائمة التي تقدمها الوزيرة بهيّة الحريري.

كذلك شهدت هذه المنطقة في الفترة الماضية نمواً متجدداً (منذ عام 2000) للحركات الأصوليّة والسلفيّة، من دون أن تأخذ تلك الحركات شكلاً تنظيمياً أو تُثير مشاكل مع القوى الأمنيّة، رغم اتهام بعضها بأنه وراء إطلاق صواريخ الكاتيوشا على شمال فلسطين المحتلّة. وترتكز هذه المجموعات في شبعا والهباريّة، وتتميّز المنطقة بوجود حزبي للشيوعي وحزب الله والقومي. هل يترشّح رياض الأسعد؟

يقول مقرّبون من «المرشّح الدائم» المناوئ للرئيس نبيه بري، رياض الأسعد، إنه قد يخوض المعركة في دائرة مرجعيون حاصبيا. وهذا قد يُسهم في إضعاف اللائحة المنافسة للائحة الأقليّة النيابيّة، لكون علاقة الأسعد بالياس أبو رزق غير جيدّة، إذ يقول الأخير عنه إنه لا يعرف إذا ما زال موجوداً. أما أحمد الأسعد فيرى أنه استطاع أخذ جمهور رياض الأسعد، الذي تُعدّ خدماته في المنطقة وعلاقته بمخاتير حاصبيا وبلديّاتها وتيّار المستقبل والحزب الاشتراكي أبرز عوامل قوّته.

تعليقات: