أثرياء مجلس النوّاب


ما دام ربّ البيت مولعًا بالدفّ والرقص، فكيف يكون أفراد العائلة؟ عبثاً نبحث عن إصلاح موعود، وعن محاربة الفساد، وعن التغيير في لبنان، خارج الخطب التي يعتلي أصحابها المنابر، ما دام المال السياسي لا يزال يؤدي الدور الأبرز على مستويين. أوّلاً على مستوى اختيار أعضاء اللوائح الانتخابيّة، إذ يسعى رؤساء الأحزاب والتيّارات إلى التفتيش عن أثرياء لضخّ المال في تسيير الماكينات الانتخابيّة والدعاية السياسيّة وشراء الأصوات. والأهمّ تحقيق منافع لرؤساء اللوائح أنفسهم أو من يحوط بهم من مُنتفعين ينتظرون موسم الانتخابات لتحقيق مبالغ تكاد تكون خياليّة للبعض. وبات بعض هؤلاء يحتكر الخدمات الدعائية والاعلامية للمرشحين على لوائحهم خوفا من ان يتسرب فتات المال الانتخابي الى خارج جيوبهم.

ومع القانون الجديد، وبعد دفع المبلغ المحدد وفق كل لائحة لحجز مقعد، يبدأ الانفاق على شراء الأصوات التفضيليّة، ومعه البازار الجديد الذي لم يَغِبْ عن أي استحقاق سابق، لكنّه تفاقم اليوم إلى حدّ الطعن بالظهر بين أعضاء اللائحة نفسها، رغبة في التفضيلي، وأكثر في احتلال رأس اللائحة، ما يجعل كل واحد يفاخر بشعبيته المرتفعة.

وفي ظلِ تراجع التمويل الخارجي لكلّ المجموعات المكوّنة للنسيج الاجتماعي – السياسي، تبرز الحاجة أكثر فأكثر إلى تمويل داخلي لا يمكن أن يتوافر إلّا عبر أثرياء جدُد توافر لهم المال، وباتوا يبحثون عن مقعد نيابي، ومنصب رسمي، وكرسي متقدّم، ولوحة زرقاء (تبدّلت أخيراً).

وقد نجحت العمليّة، وهي حركة عرض وطلب. الطلب متوافر من المتحكمين في البلاد والعباد، والعرض يزداد سنة بعد أخرى، من أغنياء بالوراثة أو بالعمل الجدي والشريف، وآخرين من تهريب المخدّرات، وتبييض الأموال، وتجارة السلاح والرقيق وكل انواع الممنوعات والمحرمات.

والكلام على الأثرياء لا يدين من يملكون المال، ولا يضعهم جميعاً في خانة واحدة، إذ ثمّة من ينشط منهم في دعم الاقتصاد الوطني، وتوظيف العمالة المحليّة، وفعل الخير الوفير، ولا غبار على مصادرهم.

أمّا المستوى الثاني فهم الناخبون الذين باتوا يعتبرون الانتخابات موسماً للربح المادي القليل الكميّة والأثر. وهم يرتضون أن يبيعوا أصواتهم لقاء حفنة صغيرة من المال لا توفّر لهم قوتاً ولا قسطاً مدرسيّاً لأبنائهم ولا ضمانا استشفائيا، حتى بلغ البعض القبول ببطاقة شحن هاتفية او بعبوة بنزين ومازوت. ولا يلبثون أن يبدأوا بالشكوى بعد الانتخابات، فينقلبون على خياراتهم، السيّئة غالباً، من دون أن يعترفوا بأنهم أصحاب هذه الخيارات، وأنّهم بغضّة طرف من ضميرهم، باعوا المصلحة العُليا لمجتمعهم ووطنهم، لقاء ما اعتبروه منفعة ومكسبا تبخرت نتائجه بدقائق معدودة. ويتحمّل الناخبون مسؤولية ما تنتجه الصناديق، وعبثاً يشكون لاحقاً.

اللعبة حلقة مُفرغة، يعتبر فيها كلُّ طرف أنّه حقّق انتصاراً، ولو بسيطا، وموقتا، لكن الأكيد أن عدداً من المُمسكين بالقرار يلعبون بالمرشّح والناخب معاً، ويستغلون الاثرياء، ويلعبون بمصير البلد.

تعليقات: