تعرّفوا إلى المؤسسات المعطّلة.. وموازناتها شغّالة

ضرورة إجراء هندسة إدارية وتحرير مؤسسات الرقابة من التبعية لمجلس الوزراء
ضرورة إجراء هندسة إدارية وتحرير مؤسسات الرقابة من التبعية لمجلس الوزراء


84 مؤسسة وإدارة عامة تنتظر إعادة النظر في وجودها وجدواها في إطار خطة إصلاحية تعتزم الحكومة تنفيذها في حال التزمت تطبيق بنود موازنة العام 2018.

لو لم تتلق الحكومه إشارات من المجتمع الدولي تعكس انتقادات مدى ترهل إدارات الدولة وانتفاخ القطاع العام ومؤسساته، لما كانت أدرجت بنداً في الموازنة يلزمها بالعمل على ترشيق القطاع العام وإقفال وتسوية أوضاع المؤسسات العامة التي لم يعد لها دور. فهناك مؤسسات يمكن دمجها بمؤسسات أخرى أو إدارات عامة أخرى.

نعم، هناك العديد من المؤسسات العامة غير الفاعلة بحكم الإهمال أو انتفاء سبب وجودها أو ربما بفعل التجاذبات السياسيه وغير ذلك من الأسباب. وقد يعود الثقل الأكبر بأزمة الهدر وانتفاخ القطاع العام إلى مؤسسات فاعلة وناشطة وواسعة الصلاحيات، ولكن صلاحياتها تتقاطع مع مؤسسات أخرى وجدت للغايات نفسها. فما هي المؤسسات التي فقدت سبب إنشائها ولم يعد لها أي دور؟ وما هي المؤسسات التي تتقاطع بمهماتها وصلاحياتها؟ وكيف يمكن ترشيق القطاع العام؟

مؤسسات معطلة

عديدة هي المؤسسات التي فقدت جدوى وجودها وما زالت تصرف لها الموازنات، إلى جانب العديد من المؤسسات التي ما زالت مبررات وجودها قائمة لكن عملها معطّل منذ سنوات وتصرف لها موازنات مالية تغطي في معظمها رواتب الموظفين والنفقات الإدارية فقط، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- المؤسسة العامة لترتيب الضاحية الجنوبية الغربية لبيروت "إليسار"، فتبلغ موازنتها السنوية نحو 3.4 مليار ليرة (3.410.000.000)، رغم توقف عملها منذ العام 1997.

- المجلس الأعلى السوري- اللبناني، أنشىء بهدف متابعة تنفيذ أحكام "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" بين البلدين، وتبلغ موازنته السنوية نحو 885 مليون ليرة، رغم تعطل مهماته بعد تدهور العلاقات بعد العام 2005 وبناء علاقات دبلوماسية وانتفاء مبرر وجوده.

- مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك اللبنانية تبلغ موازنتها السنوية نحو 13 مليار ليرة، رغم تعطل سكك الحديد وتوقف القطار من العام 1979 على خط طرابلس بيروت ومن العام 1983 على خط الجنوب بيروت قبل أن يتوقف نهائياً عام 1988.

- إدارة البريد، تبلغ موازنتها السنوية 6.8 مليار ليرة (6.828.700.000 ليرة)، رغم أنها أوقفت أنشطتها في عام 1998، عندما جرت خصخصة خدمات البريد لشركة خاصة.

- معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس مهمته التعريف بثروات لبنان والبلاد العربية والأجنبية وإطلاع التجار والصناعيين على التقدم الحاصل في مختلف فروع الانتاج، إضافة إلى عقد المؤتمرات واستضافة المنظمات المتخصصة. تبلغ موازنته السنوية نحو 400 مليون ليرة، رغم توقف المعرض عن ممارسة مهماته منذ سنوات.

- المؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية تبلغ موازنتها السنوية 871 مليون ليرة وتتقاطع بكثير من مهماتها مع وزارة الاقتصاد والتجارة، وتتنوع مهمات المؤسسة بين إقامة الأسواق الشعبية واستثمارها وإرشاد المستهلك وحمايته من الاستغلال والغش وتشجيعه على استهلاك المنتجات الوطنية ومحاربة الاحتكار ومكافحة المضاربات.

- مجلس الاعتماد اللبناني (COLIBAC)، يعرّف بأنه شهادة طرف ثالث ترتبط بهيئة معينة لتقييم المطابقة وتقديم اثبات رسمي على كفاءتها، بغية تنفيذ مهمات محددة، وهو في الوقت الحالي كيان معطّل.

- المشروع الأخضر تابع لوزارة الزراعة وتبلغ موازنه السنوية نحو 2.4 مليار ليرة (2.404.000.000 ليرة)، يتولى مهمات إعداد الخطط والمشاريع الإنمائية الزراعية في المناطق اللبنانية ولكنه شبه معطل.

- المؤسسة الوطنية للاستخدام تبلغ موازنتها السنوية 2.7 مليار ليرة وتتولى مهمات التوجيه والرعاية المهنية ووضع الدراسات والبرامج واحصاء اليد العاملة وتأمين فرص العمل وغيرها من المهمات، وهي معطلة بشكل تام.

مؤسسات متقاطعة الصلاحيات

ما هو اخطر من المؤسسات المذكورة سابقاً وجود مؤسسات تصرف لها الموازنات الضخمة وتتقاطع صلاحياتها مع مؤسسات عامة أخرى، وتعمل خارج إطار الرقابة، وتستند إلى عملية التقاسم الطائفي لضمان استمرار وجودها ومنها:

- مؤسسة كهرباء لبنان، موازنتها منفصلة عن موازنة وزارة الطاقة (نحو ربع الموازنة العامة 2.100.000.000.000)، في حين أن المؤسسة تدار من مكتب وزير الطاقة وتتقاطع مهماتها مع الوزارة، كما أن مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء شبه معطل وتقوم وزارة الطاقة بإبرام الصفقات المتعلقة بالكهرباء، وتعمل المؤسسة خارج أي رقابة داخلية أو خارجية.

- المجلس الاقتصادي الاجتماعي أعيد إحياؤه مؤخراً ويتبع لمجلس الوزراء، وتبلغ موازنته السنوية 2 مليار ليرة وتتقاطع غالبية مهماته مع وزارة الاقتصاد والتجارة، ومن الممكن إسناد مهماته إلى الوزارة.

- مجلس الإنماء والإعمار ترصد له الموازنات السنوية بنحو 656 مليار ليرة ويُمنح صلاحيات شبه مطلقة في حين أن مهماته تتقاطع مع العديد من الوزارات، لاسيما وزارة الأشغال العامة، ولا تخضع مهماته لرقابة ديوان المحاسبة.

- الهيئة العليا للإغاثة تبلغ موازنتها السنوية نحو 66 مليار ليرة (66.087.781.000 ليرة). وترى مراجع رقابية أن لا مبرر لوجودها، إذ في حال حصول كوارث على وزارات الدولة القيام بدورها والإنفاق من موازناتها. وترصد الهيئة العليا للإغاثة منذ العام 2005 أموالاً في موازنتها لسداد اتعاب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في حين أن أتعاب المحكمة يجب أن ترصد في بند خاص بها ضمن موازنة وزارة العدل عملاً بقواعد الشفافية.

- هيئة ادارة السير، تبلغ موازنتها السنوية نحو 44 مليار ليرة (43.852.681.000 ليرة). وهي لجنة مؤقتة وتقتصر صلاحياتها على المهمات التشغيلية فقط، كأنظمة السير وكل ما يتعلق بتشغيل إدارة السير. ولا يحق لها إبرام عقد مناقصة في مراكز المعاينة الميكانيكية بقيمة 440 مليون دولار. وعادة ما تحصل هذه التجاوزات بحسب مصدر رفيع في إحدى الهيئات الرقابية بهدف التهرب من رقابة ديوان المحاسبة لأن الهيئة لا تخضع لرقابة الديوان.

في الحلول

جميع هذه المؤسسات الرديفة تابعة لإحدى الرئاسات الثلاث، لاسيما إلى مجلس الوزراء، وتعمل خارج رقابة ديوان المحاسبة وقد أنشئت بحسب مصدر رقابي في حديث إلى "المدن" بهدف تمرير صفقات خارج إطار الرقابة، لاسيما أن المؤسسات الرديفة تتوزع على الطوائف بالتساوي.

ويكمن الحل، وفق المصدر الرقابي، في إجراء هندسة إدارية تبدأ بتشكيل هيئة تابعة لمجلس الخدمة المدنية تجري مسحاً شاملاً لكل المؤسسات التي لها صفة عمومية، بما فيها السلك التعليمي، ثم يتم تحديد أماكن الشغور ومكامن الفائض البشري. ويتم على أساسه نقل الموظفين من إدارة إلى أخرى بعد تأهيلهم وتدريبهم، ووقف التوظيف بشكل تام.

وبذلك، لا تضطر الحكومة إلى خفض 20% بطريقة عشوائية من الوزارات والمؤسسات، بل إلى زيادة موازنات بعض المؤسسات والإبقاء على موازنات البعض وإلغاء البعض الآخر، لاسيما الموازنات التي ترصد لجيش المستشارين الموزع على مكاتب الوزراء والذي يشكل إدارات مصغرة ضمن إدارات الدولة.

استمرار قيام المؤسسات العامة الرديفة وتوسيع صلاحياتها إنما يعود، وفق المصدر، إلى تهريب مشاريع وصفقات الوزارات من الرقابة لأن هذه المؤسسات لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة. من هنا، يرى المصدر أنه "لا بد من تحرير مؤسسات الرقابة في لبنان من التبعية لمجلس الوزراء، وتوسيع صلاحياتها وإعادة النظر بكثير من الإدارات وحصرها في عدد أقل من العدد الراهن يتناسب وحجم البلد".

تعليقات: