فضل شاكر صار روبن هود على «الجديد»


خلل واضح في الطرح والمعالجة شاب الحلقات الثلاث من «حكاية طويلة» التي عرضت على قناة «الجديد». على مدى ثلاثة أيام، لم يأت فراس حاطوم بجديد حيال ملف «الفنان التائب» سوى اللعب على مشاعر الناس ومحاولة استعطافهم

خطّان موازيان رسمتهما ثلاثية «حكاية طويلة» (إنتاج Shoot Productions) التي عرضت قبل أيام على «الجديد»: الخط الأول اتخذ منحى تصاعدياً منذ بدء الترويج المكثف لهذه الثلاثية التي خصّصت مساحة معتبرة (أكثر من 100 دقيقة تلفزيونية) للمطلوب فضل شاكر (محكوم 15 عاماً غيابياً). خط مثّله معارضو ظهور شاكر على الشاشة من جديد، على رأسهم أهالي شهداء الجيش الذي سقطوا في معركة «عبرا». هذه الموجة الافتراضية التي بلغت الذروة عشية عرض أولى حلقات برنامج «استقصاء» (يوم الخميس الماضي)، استثمرتها المحطة في خطٍّ مواز، عبر تكثيف إعلاناتها الترويجية، على الشاشة وضمن حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. هذان الخطّان دفعا جمهوراً أوسع للمتابعة، لكنهما لم «يشفعا» بأن تأتي المعالجة مهنية، على قدر اسم البرنامج «استقصاء»، أو وفق حدٍّ أدنى من العمل الصحافي اللازم، إزاء مطلوب للعدالة، وأيضاً، لشخصية رافقت الحالة «الأسيرية» (نسبة لأحمد الأسير) وتبنت أفكارها المتطرفة الممزوجة بالسموم المذهبية والطائفية التحريضية.

نقل الصحافي فراس حاطوم، هذه الحلقات إلى أحضان «الجديد»، بعدما كان يبث دورياً حلقات «استقصائية» على شاشة lbci. لا شك في أنّ اسم المحطة أسهم في تصاعد الجدل، وحتى إعلاء الصرخة من قِبل المعترضين الذين ضغطوا لإيقاف عرض الثلاثية. مع ذلك، وعلى مدى ثلاثة أيام، لم يأت حاطوم بجديد حيال ملف «الفنان التائب». شاب الحلقات الثلاث خلل واضح في الطرح والمعالجة وفي العمل المهني ككل. ظهر حاطوم، في الحلقة الأولى، مخصصاً مساحة معتبرة للصحافي حسين خريس، المتعاطف مع حالة فضل شاكر والمدافع عنها، الى حدّ اعتباره أن ما قام به مجرد «ردة فعل»: «عاطفته (شاكر) خلّته يكون عندو ردات فعل سلبية (..)، كل الكلام التحريضي هو كلام خاطئ». خريس الذي أوصل حاطوم إلى ضيفه، وأدخله إلى مخيم «عين الحلوة»، استهلك وقتاً من «استقصاء» ليخبرنا فقط عن هذه الوساطة وآليتها، وكان يمكن أن تُختصر بمساحة أقصر، لأن لا معنى توظيفياً لها في هذه السلسلة. عامل الوقت المستهلك سدى، نراه جليّاً، أيضاً، في الحلقة الأخيرة، التي عنونت «ليه الجرح» (أغنية أطلقها شاكر حديثاً). إذ خصصت أكثر من نصف ساعة، لعرض عودة شاكر إلى الغناء، وبث أغنيات كبار الفنانين بصوته، وعرض أذواقه الفنية.

غنى لفيروز ونجاة الصغيرة، وأطلق أغنيته الجديدة، وهو حليق الذقن

إذا ما وضعنا هذا الاستهلاك للوقت الضائع جانباً، والذي لا يمكن أن يفيد عملاً يدّعي أنه صحافة استقصائية، سوى أنّه «يقرّش» مزيداً من المساحة لشاكر الذي صُوّر كروبن هود متوارٍ عن الأضواء، فإن حاطوم ــ وبالدلائل ـــ فشل في أن يكون محاوراً جيداً، أمام مطلوب للعدالة كفضل شاكر. في مقدمة الحلقة الأولى، بان «تورّط»، الصحافي اللبناني بالحالة التي عايشها لأيام. قال بصوته معلقاً عند دخوله «حيّ المنشيّة»، حيث يسكن ضيفه: «في إحدى ليالي الشتاء، في زاروب من حيّ المنشية، يقيم رجل كان العالم بطوله وعرضه، مسرحاً لفنه قبل سنوات»، ويعيد ويستكمل هذا السرد برومانسية قائلاً: «خمسة أعوام على إقامته في سجنه الاختياري، ما زال الرجل يعاند ظروفه، يحاول أن يمارس حياة تشبه حياة الأناس العاديين».

ورغم نفي حاطوم مراراً هذا التورط، إلا أن سياق الحلقات، وطريقة المعالجة، لا يمكن إلا أن يأخذانا إلى مطبخ أُعدّت فيها أدوات تخفيفية لشاكر في اللعب على مشاعر الناس، ومحاولة استعطافهم. عمدت السلسلة، إلى بثّ موسيقى رومانسية، تترافق مع تأكيد شاكر بأنه «بريء» و«مظلوم»، بعدما تركته يدلو بدلوه وحيداً، من دون مقاطعة، من مستضيفه (اكتفى حاطوم في أغلب الوقت بهزّ رأسه دون مقاطعة)، في إعادة سرد ما حدث في «عبرا»، وحول فيديو «الفطايس» (شريط بث إبان معركة عبرا يظهر فيه شاكر يتشفى من شهداء الجيش ويصفهم بـ «الفطايس»)، الذي أكدّ الشريط بأنه سجل قبل المعركة ولم يقصد به شهداء الجيش، بل «حزب الله».

تورط حاطوم مراراً، أكان في إلغاء مساحته النقدية كصحافي، أو من خلال إعداده لسياق الحلقات. على سبيل المثال، ظهّر حاطوم موقف شاكر بعد إصدار الحكم عليه، وأعاد سرد تغريداته المسمومة، كما هي، من دون أي تعليق. كما تركه يتوجه الى السيد حسن نصر الله ويدعوه للعودة إلى لبنان، مع تأكيده المتكرر بأنه «لا يفقه بالسياسة»، وأكثر، تورط الصحافي معه في السياق، وأخذ يكرر ما كان شاكر يردده عن «مظلومية أهل السنة». دخل معه في لعبة الطوائف والملل، من دون أن يقفز فوقها، ويذهب أبعد وأعمق في المقابلة. إلى جانب هذه الأخطاء المهنية الثقيلة، غاب الرأي الآخر المعارض عن السلسلة. حضرت شقيقة الشهيد جورج أبو صعب، جومانة، في دقائق معدودة جداً، كذلك فعل رئيس «المحكمة العسكرية» السابق خليل إبراهيم.

باختصار، ما بث على «الجديد» أخيراً، لا يرقى الى رتبة استقصاء. كل ما شاهدناه، كان معدّ النتيجة والتأثير سابقاً. لعب حاطوم كلاماً وصورة على العاطفة، والاستعطاف. واكبنا شاكر وهو يعدّ القهوة، يعزف على «الأورغ»، يخرج للمرة الأولى بعد فترة طويلة إلى أزقة «عين الحلوة»، «ليتنفس هواء الحرية»، كما علّق حاطوم. حضر ابنه محمد أيضاً، ليكرر سيناريو براءة والده، وليسأله حاطوم عما إذا ما كان بينه وبين والده «غيرة أو منافسة فنية»!

غنى شاكر لفيروز ولنجاة الصغيرة، ولسيّد مكاوي، وأطلق أغنيته الجديدة، وهو حليق الذقن. هكذا، انتهت الثلاثية، من دون أي جديد، سوى فتح هذا الملف من جديد، على أبواب الانتخابات، وأيضاً لتقديم مساحة (هذه المرة تعدّى وقتها كل إطلالاته السابقة)، لمّاعة لمحكوم بـ 15 عاماً غيابياً.

تعليقات: