حرب الإخوة الأعداء في الكوريّتين انتهت


دخلت شبه الجزيرة الكوريّة حقبة جديدة من المسار الديبلوماسيّ مع القمّة التي تجمع اليوم الجمعة الرئيس الكوريّ الجنوبيّ #مون جاي إن بالزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ #أون. والتقى الرئيسان ببعضهما البعض عند التاسعة والنصف بالتوقيت المحلّي وتصافحا بداية وهما واقفان على جانبي الخطّ الفاصل بين الدولتين في المنطقة المنزوعة السلاح. وبدت علامات السرور واضحة على محيّا الرئيسين قبل أن يعبر كيم الحدّ الفاصل باتّجاه القسم الجنوبيّ من شبه الجزيرة حيث تبادلا المصافحة مجدّداً. والتُقطت لهما الصور التذكاريّة وهما ينظران باتّجاه الشطر الشماليّ من شبه الجزيرة قبل أن يلتفتا باتّجاه الشطر الجنوبيّ للغاية عينها.

وفي حين همّ مون بدعوة نظيره إلى اللقاء في بيت السلام، أصرّ الأخير على دعوته أوّلاً إلى القسم الشماليّ من الخطّ الفاصل حيث بدا مون متردّداً للحظة قبل القبول بذلك والعبور إلى القسم الشماليّ. أثار هذا الأمر إعجاب الحاضرين وتصفيقهم وحتى ضحكهم. وبعد التقاط الصور هناك، عاد الزعيمان إلى كوريا الجنوبيّة متشابكي اليدين وسط تصفيق مستمرّ واستقبال احتفاليّ موسيقيّ واستعراضيّ بارز. بعدها توجّه الرجلان إلى بيت السلام حيث وقّع كيم على كتاب الضيوف العبارة التالية: "تاريخ جديد يبدأ الآن. عصر السلام، في نقطة انطلاق من التاريخ". ثمّ دخلا مكتب الاجتماع وتبادلا بعض الحديث أمام عدسات التصوير قبل أن تغادر الصحافة ويبدأ اجتماع مغلق بينهما. بعدها، عاد كيم إلى بلاده في سيّارة ليموزين لتناول الغداء. وستكون هنالك مأدبة عشاء فاخر ليل الجمعة ستحضره زوجتا الرئيسين مع مسؤولين آخرين بعدما يكون الطرفان قد عاودا الاجتماع خلال فترة بعد الظهر.

يقول الباحث البارز في "المعهد الأميركيّ الصينيّ" للأبحاث مايك شينوي خلال مداخلة مع شبكة "سي أن أن" إنّ الزعيم الكوريّ الشماليّ أظهر أنّه رجل "ماهر سياسيّاً" حين دعا نظيره للدخول إلى كوريا الشماليّة من أجل التقاط الصور التذكاريّة. وهذا يعطي صورة مختلفة كلّيّاً عن التكهّنات التي كوّنها العالم عنه لفترة طويلة من الزمن بحسب رأي شينوي.

وعقد الزعيمان قمّتهما التاريخيّة بعد التطوّرات الإيجابيّة التي برزت بين البلدين ومنها مشاركة كوريا الشماليّة في الألعاب الشتويّة الأخيرة التي استضافتها جارتها الجنوبيّة في شباط الماضي. أرجع بعض المراقبين هذه التطوّرات إلى الخطاب القاسي الذي اعتمده ترامب بحقّ كوريا الشماليّة خلال السنة الماضية وإقران تهديداته بإرسال مدمّرات أميركيّة إلى المنطقة في نيسان الماضي. وكان فرض عقوبات أمميّة قاسية من بين الأسباب التي تمّ تعدادها أيضاً لتفسير الانفتاح الكوريّ الشماليّ المفاجئ. وبغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الأوضاع في نهاية المطاف فإنّه يمكن لهذه الأسباب أن تكون قد ساهمت جزئيّاً في إبداء كوريا الشماليّة تطوّراً نوعيّاً أقلّه في الشكل حول ترسانتها العسكريّة والمفاوضات الديبلوماسيّة. لكنّ تقارير جديدة برزت منذ يومين أشارت إلى سبب آخر يرجّح اندفاع كيم لطلب التفاوض.

انهيار

شرح ستيفن شن في صحيفة "ساوث مورنينغ شاينا بوست" أنّ آخر خمس من أصل ستّ تجارب نوويّة لكوريا الشماليّة تمّ إجراؤها تحت جبل منتاب في موقع "بونجي-ري". ونقل عن مجموعة من الباحثين في جامعة العلوم والتكنولوجيا في هيفي الصينيّة قولهم إنّ آخر تجربة أجرتها بيونغ يانغ على عمق 700 متر، فتحت تجويفة في الجبل سمحت بانهيار جزء منه. بينما أشارت مجموعة أخرى من الباحثين الصينيّين أنّ الانهيار سمح بإطلاق غبار مشعّ أمكن للرياح أن تنقله باتّجاه الصين. والتقى أبرز باحث جيولوجي كوري شمالي بجيولوجيين صينيّين بعد أسبوعين على الاختبار. بعد 48 ساعة أعلنت بيونغ يانغ أنّها لن تجري مزيداً من الاختبارات النووية البريّة. ورجّح باحث من بيجينغ للصحيفة أن تكون الصين قد وجّهت تحذيراً واضحاً لجارتها لأنّ هذه التجارب تزيد من احتمال ثوران بركان حدوديّ، مضيفاً أنّ انهيار جزء من الجبل وجّه ضربة قاسية للبرنامج النووي.

تضارب

في تشرين الأوّل الماضي، نقلت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركيّة عن شبكة تلفزيونية يابانيّة قولها إنّ هنالك خشية من مقتل 200 شخص بعد انهيار أحد الأنفاق في "بونجي-ري" إثر التجربة النوويّة. قال روبرت كيلي، مفتّش سابق في الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّيّة إنّ كوريا الشماليّة "لا تتخلّى عن أي شيء". وأضاف خلال حديث لوكالة "رويترز" أنّ هذه المنشأة قد تضرّرت بشكل لا يمكن إعادة استخدامها. لكنّ الوكالة تنقل عن موقع "نورث 38" المتخصص في دراسة كوريا الشماليّة، إشارته إلى أنّ المنشأة لا تزال عمليّة لكنّ النشاط العسكريّ تباطأ فيها بشكل كبير مؤخّراً: "لا أساس لاستخلاص أنّ منشأة بونجي-ري للاختبار النووي لم تعد حيوية لاختبار نوويّ مستقبليّ".

لهذا السبب أبدى موافقته

إذا تبيّن أنّ انتفاء القدرة على شنّ مزيد من الاختبارات النوويّة في ذلك الموقع هو الذي دفع كيم إلى الانفتاح، فهذا يعني أنّه لن يكون لدى الأخير قوّة يستند إليها في المفاوضات المقبلة، ممّا يعطي الأميركيّين مزيداً من النفوذ في المحادثات المتوقّعة بين أيّار وحزيران المقبلين. لكنّ مراقبين يستبعدون فكرة الربط بين المفاوضات وانهيار جبل منتاب. غرّد الخبير في الشؤون النوويّة والكاتب السياسيّ في مجلّة "فورين بوليسي" جيفري لويس على موقع "تويتر" لافتاً النظر إلى أنّ التجارب النوويّة تخلق تجويفات وقد انهار أحدها في أيلول الماضي. لكنّه يشدّد على أنّ انهيار التجويف لا يعني أنّ أنفاق المنشأة قد انهارت. ويشير في تغريدة أخرى إلى أنّه وفي أقصى الأحوال قد تنقل كوريا الشماليّة تجاربها إلى جبال مجاورة. لكنّ "كيم وافق على إيقاف الاختبارات النوويّة بسبب لقاءات القمّة لا بسبب انهيار جبل اختبار نووي".

ومع ذلك، تدور أسئلة حول إمكانيّة بيونغ يانغ الحقيقيّة في نقل التجارب النوويّة إلى جبال مجاورة كما كتب لويس. فمع وضع الآثار السياسيّة لتلك التجربة جانباً، يبدو أنّ تحويل التجارب إلى منشآت أخرى قريبة من الحدود الصينيّة سيغضب بيجينغ حكماً. فهي لا تزال تتخوّف من احتمال تسرّب نوويّ يصل إلى أراضيها إضافة إلى إمكانيّة تأثير هذه التجارب على نشاطات زلزاليّة أخرى. وفي جميع الأحوال، لا يزال أمام المخابرات الأميركيّة مزيد من الوقت لدراسة وتحليل أوضاع المنشأة وقدرات كيم على شنّ تجارب مستقبليّة وإعطاء خلاصة الدراسات إلى المفاوضين الأميركيّين قبل اللقاء المرتقب بين ترامب وكيم خلال الشهرين المقبلين.

تعليقات: