تصاعد الشحن العنصري ضدّ السوريين في لبنان.. لماذا يتجدّد الآن؟


«يا عين عالسوريين بالأرض اللبنانية نحنا صرنا المغتربين وهني الأكثرية».. أعادت هذه الكلمات التي تغنت بها الإعلامية اللبنانية ليال ضو في برنامجها «قدح وجم» الذي يعرض على شاشة قناة «الجديد» موجة الشحن العنصري ضد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان مرة أخرى.

عكست كلمات تلك الأغنية المأخوذة عن الأغنية الشعبية اللبنانية «عالعين موليتين» الواقع المأسوي الذي يحياه السوريون داخل الأراضي اللبنانية، خاصة بعدما صاروا وجبة دائمة الحضور على كل الموائد التي تناقش أسباب التردي الاقتصادي والمعيشي اللبناني، فهم - وفق البعض - المسؤولون في المقام الأول عن تفشي ظاهرة البطالة باعتبار أن «السوري أكل البلد»، كذلك تردي الخدمات والمرافق الأخرى كالمياه والكهرباء كون البنية التحتية في لبنان لا تتحمل هذا العدد من المقيمين على أرضه.

تصاعد الهجمة العنصرية ضد السوريين تزامن مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية اللبنانية المقرر لها 6 من أيار المقبل، وهو ما وضع العديد من علامات الاستفهام بشأن الدوافع الحقيقية وراءها واحتمالية توظيف ورقة اللاجئين لأهداف سياسية انتخابية، فهل يتحول السوريون إلى ورقة انتخابية حقًا أم كبش فداء؟

تصاعد الهجمة ضد السوريين

تتباين إحصاءات أعداد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان ما بين الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية ونظيراتها عن الحكومة اللبنانية، فتشير أرقام الأمم المتحدة وفق تقارير صادرة عنها نهاية تشرين الثاني 2017 عن وجود 997.905 لاجئ سوري مسجل في لبنان، غالبيتهم من النساء والأطفال، مقارنة مع مليون و11 ألف و366 في كانون الاول 2016.

فيما تذهب أرقام الحكومة اللبنانية إلى أن العدد قد يصل إلى مليون ونصف وأحيانا أكثر من ذلك، لافتة إلى أن العدد سالف الذكر الصادر عن الأمم المتحدة للمسجلين رسميًا لدى المنظمة فقط، غير أن هناك أعدادًا أخرى غير مسجلة وبالتالي لم يذكرها التقرير الأممي.

اللاجئون السوريون في لبنان يمثلون ورقة ضغط كبيرة ضد منظومة الاقتصاد والتنمية، خاصة في ظل الموارد المحدودة للبنانيين، وهو ما دفع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى العزف بين الحين والآخر على هذا الوتر، ففي تصريحاته الأخيرة قبل يومين خلال كلمة ألقاها في افتتاح مؤتمر «مستقبل سوريا» في بروكسل، وصف بلاده بأنها قد تحولت إلى «مخيم كبير للاجئين» بسبب وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيه، داعيا المجتمع الدولي إلى مؤازرة لبنان بعدما استنزفت مقوماته، كاشفا «رغم كل الجهود التي نبذلها فإن الظروف آلت إلى التدهور»، محذرًا من أن التوترات بين النازحين والمجتمع المضيف تزداد بسبب المنافسة على الموارد وفرص العمل.

ورقة اللاجئين السوريين استخدمت

منذ اندلاع الأزمة السورية

الأغنية سالفة الذكر أثارت حالة من الجدل داخل الأوساط الإعلامية والفنية، اللبنانية والسورية على حد سواء، فالعنصرية التي صبغت بها دفعت الممثل الذي يظهر في برنامج «قدح وجم» سعد القادري إلى تقديم استقالته، معبرًا عن رفضه أي تعرض للاجئين السوريين بأي طريقة تسيىء لهم أو تصورهم كأنهم الشر المطلق، فيما اعتبر الإعلامي جمال فيّاض الأغنية غير موفقة وأنها لا تمثل رأيه كلبناني.

وفي المقابل لم يتأخر الرد السوري كثيرًا، ليستمر السجال بين الطرفين، إذ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأغنية يقول مطلعها «يا عين عالنازيين بشاشة لبنانية عم يغنوا مبسوطين بلهجة عنصرية»، بينما ذكّرت الأغنية السورية بوجود «حزب الله» في سوريا ومساهمته في تهجير السوريين.

واقع مأسوي

تعكس التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية الدولية الواقع المأسوي الذي يحياه اللاجئون السوريون في لبنان منذ 2014 وحتى الآن، خاصة في السنوات الأخيرة بعد تصاعد الهجمة العنصرية ضدهم إلى مستويات غير مسبوقة، دفعت البعض إلى التحذير من تعرض حياة بعض السوريين للخطر.

تحت عنوان «منازلنا ليست للغرباء: البلديات اللبنانية تُجلي آلاف اللاجئين السوريين قسرًا» نشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرًا الجمعة الماضية 20 من نيسان الحاليّ نددت خلاله بقيام بلديات لبنانية بعمليات إجلاء قسري لنحو 3664 لاجئًا سوريًا، مشيرة إلى أن 42 ألف لاجئ آخرين يواجهون خطر الإجلاء.

التقرير نقل عن مسؤولين في الأمم المتحدة أن 3664 عملية إجلاء جرت منذ العام 2016 وحتى الربع الأول من العام 2018، ويشير إلى أن المسؤولين البلديين اللبنانيين يقدمون أعذارًا واهية بأن الإخلاءات حصلت بسبب عدم احترام قوانين السكن.

وأكدت المنظمة أن التدابير التي اتخذتها البلديات اللبنانية استهدفت المواطنين السوريين مباشرةً وحصرًا، دون المواطنين اللبنانيين أو أشخاص من جنسيات أخرى، فيما كشفت أن عملية الإخلاء أدت إلى خسارة اللاجئين مدخولهم وممتلكاتهم، كما عطلت تعليم أولاد اللاجئين، وأدت في بعض الحالات إلى غياب الأطفال عن المدرسة لشهور أو حتى تركها نهائيًا، وتابعت «وفي بعض الحالات قال السوريّون إن السلطات استخدمت العنف لإجلائهم، ولم تقدم السلطات البلدية أي فرصة للاجئين بالاعتراض على قرار إخلائهم أو حتى إجراءات الحماية القانونية الأخرى وفق المعايير الدولية».

الحريري وصف بلاده بأنها قد تحولت إلى «مخيم كبير للاجئين» بسبب وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيه.

وردًا على هذا التقرير لوحت الخارجية اللبنانية بما أسمته «إعادة تقييم عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين»، حيث استدعت ممثلة مكتب المفوضية في لبنان للقاء مدير الشؤون السياسية والقنصلية، وعقب اللقاء صدر بيان غاضب من الوزارة بشأن التقارير الصادرة عن الإخلاء القسري للسوريين.

شعبيًا.. ترددت في الآونة الأخيرة بعض الشعارات والعبارات التي تندد بالوجود السوري فوق الأراضي اللبنانية، على رأسها أن اللبناني لم يعد يجد أي فرصة عمل بسبب السوريين؛ مما أدى إلى تصعيد المطالب الشعبية بإغلاق محلات تجارية لسوريين، وصل في بعض الأحيان إلى تعليق البعض لافتات في شوارع مدن لبنانية تحرض اللبنانيين ضد عمل اللاجئين، وتحملهم مسؤولية الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه لبنان.

يذكر أنه مع نهاية العام الماضي كان عدد من أعضاء الحكومة اللبنانية يدفعون نحو إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم دون اعتبار للوضع على الأرض في سوريا، غير أن هذه اللهجة قد هدأت بنهاية كانون الأول الماضي وبداية كانون الثاني من العام الحاليّ، إلا أنها عادت إلى الظهور مرة أخرى مع انعقاد عدة مؤتمرات دولية سواء في روما أم باريس ومؤخرًا في بروكسل شارك فيها لبنان.

ورقة انتخابية أم كبش فداء؟

يذهب محللون إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان صاروا ورقة سياسية مهمة في الانتخابات البرلمانية القادمة، وهو ما دفع وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين معين المرعبي إلى التحذير أكثر من مرة، لعل أبرزها تصريحاته في تشرين الاول الماضي خلال كلمة ألقاها قال فيها إن هناك من يستغل مسألة النازحين الإنسانية لتسويق أجندته السياسية وحملاته الانتخابية.

مالتي جاير كبير الباحثين بمؤسسة كونراد إديناور في لبنان قال خلال مقابلة مع DW عربية إن ورقة اللاجئين السوريين استخدمت منذ اندلاع الأزمة السورية، كما تمت الإشارة بشكل متكرر إلى أن هناك خطرًا يتهدد التوزيع الديموغرافي للسكان في لبنان بدخول هذا الكم من السوريين الذين يقدر لبنان عددهم بنحو مليون إلى مليون ونصف المليون، أغلبهم من الطائفة السنية، مضيفًا «اللاجئون السوريين لا خطر منهم تجاه التركيبة الديموغرافية في لبنان، خاصة مع التفهم بأنه لن يتم دمجهم في المجتمع، وبالتالي لن يصبحوا أبدًا جزءًا من تركيبة البلاد السكانية».

نشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرًا الجمعة الماضية 20 من نيسان الحاليّ، نددت خلاله بقيام بلديات لبنانية بعمليات إجلاء قسري لنحو 3664 لاجئًا سوريًا، مشيرة إلى أن 42 ألف لاجئ آخرين يواجهون خطر الإجلاء

جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني والعضو البارز في التيار الوطني الحر الحليف القوي لحزب الله اللبناني، صعّد في الآونة الأخيرة من تحذيراته من خطورة استقرار اللاجئين السوريين في بلاده، متذرعًا في ذلك بما يراه رغبة دولية تدفع نحو توطين اللاجئين السوريين في لبنان، ما اعتبره آخرون ابتزازًا واضحًا للناخبين اللبنانيين باسم المصلحة اللبنانية.

وفي المقابل هناك مخاوف لدى البعض من أن يدفع السوريون في لبنان ثمن التناحر السياسي بين التيارات السياسية المتنافسة في الماراثون الانتخابي، حيث ذهب البعض بقلقه إلى سيناريو آخر يقضي بعقد اتفاق ضمني بين عدد من الأحزاب يشمل اتخاذ إجراءات لإجلاء السوريين من لبنان وإعادتهم إلى بلادهم بحجة الاستقرار، وهو سيناريو قلل آخرون من فرص حدوثه على الأقل في الوقت الراهن، لما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات سلبية على لبنان داخليًا وخارجيًا.

ومع ذلك من المتوقع تصاعد نبرة العداء في الخطاب اللبناني ضد السوريين خاصة على المستوى الشعبي في الأيام المقبلة وحتى نهاية العملية الانتخابية، رغم تحفظ الكثير من صناع القرار السياسي في هذه الممارسات.


تعليقات: