إطلالة على رواية «أعشقني» للأديبة سناء الشعلان


البداية من العنوان .. من المتوقع أن تعتقد أن السارد أنثى كون الكاتبة امراة ، لكن المفاجأة عندما يبدأ الستار بالانزياح رويدا رويدا مع فصول الراوية ، أن تكون الرواية عبارة عن رؤيا رجل يصارع العديد من المشاعر المبهمة الجديدة والتي لا تخطر على باله ، وهي صراعات داخلية كانت وما زالت تحتل الذكورة في أعلى مستوياتها ، بأن للرجل مكانة ومعتقدات لم تتغير رغم اختلاف الحضارات ومرور الفيات على هذا الكون . *** زمن الرواية مختلف جداً ، تحملك الكاتبة بتفاصيل صغيرة مدهشة تذهلك ، تجعلك تعيش فعلاً تلك الحقبة المذكورة .. فأنت تنتقل الى الألفية الرابعة ، ويخفق صدرك لما وصل اليه خيالها ، بانتهاء العالم الذي نعرف ونعيش ونلمس .. وتهزك بعنف ، وأنت تتخيل هل يعقل ان يختفي زمن الورد ويتدمر الكوكب الجميل الاخضر ، ويغرق الكون بمطر اخضر حامضي حارق ! ونصبح والرجل الآلي اصدقاء ونتحول الى مخلوقات بلا مشاعر تصبح القبلة ممنوعة والانجاب عادات وتقاليد منسية والزواج مجرد ظاهرة جامده لا روح فيه ، فقط لادراج وثائق وبيانات داخل نظام الدولة . رغم التطور الهائل الذي ذكرته الكاتبه في روايتها ، لكنها أكدت أن ذلك الزمن بائس بكل المقاييس ، وأن الحقبة التي مضت رغم سقوط البشر في حروب كثيرة ، وتداعيات اكثر وتنافس شديد بين الدول ادى لخراب كوكب الارض واحرق الاخضر واليابس ودمر كل جميل . وعم الفناء .. الا ان حال البشر في الالفية الرابعة ما زال يحمل البصمة الشاذة ذاتها في طبع البشر . الحكومة والوزراء ، علية القوم يليهما الطبقة الوسطى . والعامة .وما زالت تتفاوت الرفاهية كما في كل زمن . *** استطاعت الكاتبة ببراعة ان تجعلنا نتخيل ان من السهولة بمكان التنقل عبر سرعة الضوء ، بمركبات فضائية ، اختلاف

طرق الاتصالات والكتابة والقراءة ، وجعلتنا نظن أننا الان في الفيتنا الثالثة بتنا من زمن اندثر ، واصبحنا ذكريات منسية ، في طريقة عيشنا وتواصلنا كل ما يتعلق بحياتنا . ونسترسل معها في السرد الدقيق الذي جاء على لسان بطلها باسل ، الذي عاش اغرب تجربة على الاطلاق أن يتخلى عن اجمل جسد لرجل فارع مفتول العضلات ومكانة وحظوة ، ليسكن جسد امرأة ضعيفة هشة مناضلة تملك روح محاربة وصاحبة نبوءة ولها اتباع . ويبدأ الصراع بين أن اكون او لا اكون ارحل ام أبقى . ليستسلم نهاية بالقبول بنقل دماغه الى ذلك الجسد الفاني ، ليظهر لنا شخصية اخرى ، لاتعرف من يسيطر عليها فعليا ، رجل الدولة المتغطرس ام جسد المرأة وملامحها وفيزياء وكيمياء جسدها . المرآة تحكم لصالحها ، والعقل في صراع من سيطغى على الاخر ، لكنه يقبل بكونها مرحلة انتقالية كي يظل حيّا بعد تفجيره على أيدي بعض اتباع #شمس بطلة الرواية المغيبة . والتي تسرد حكاية عشقها برسائل كثيرة جمعتها في مخطوط بريدي خاص ، لجنينها المنتظر ، ونبوتها ورؤاها الخاصة ، وما وصلت اليه من ايمان بوجود الله في زمن الالحاد . رسائل تروي حب في زمن المادة والآلة ، وبقايا وردة مجففة أثرية وضعتها كدليل عن زمن الالفية الثالثة ، وتؤكد أنه زمن أجمل بكثير وارق وأكثر سعادة من زمن الالفية الرابعة والذي يبدو كما صورته لنا الكاتبة ببراعة زمن رمادي بشع لا روح فيه ولا مشاعر وأشبه بعصر جليدي بلا حرارة . *** الفكرة المراد ايصالها أننا دمرنا كوكبنا بنزاعاتنا وشقاقنا وحروبنا ، دفعنا ثمنها انتهاء حضارتنا الجميلة ، وانتهاء كل طرق التواصل الاجتماعي ، وابادة الاحلام وتقرير المصير وانتقاء حتى الابناء بكريقة التسوق بين عدة اشياء وبناء المنازل ومهنة المستقبل . كل هذا يبدو أسوأ من سيء لو حصل فعلاً . *** نعود ثانية للسارد الذي كان يمر بصراعات هائلة ، تشبه كثيرا انهيار كوكبنا واختفاء الغطاء النباتي واختلال طبقات الغلاف الجوي .. كيف لرجل ان يتحول الى امرأة حتى مقاس حذائه سيدفعه للصراخ ، حجم الاصابع دقة العظام التكوين ، وأهم ما يميز الرجولة من الناحية الجنسية . ليصل بنا في دهشتنا ان نشهق ، ان يمر بتجربة الحمل . هذه التجربة التي تأخذ بعقل النساء وتغير بهن وتفعل الاعاجيب فما بالك برجل لا يعرف شيئاً عن الالام النساء دموعهن احلامهن

أن يكون رجلاً حاملاً ويمر بعذابات الحمل ومتاهاته وايضاً الانحاب في نهاية المرحلة . ونعيش التجربة مع البطل باسل وهو يقاوم ذات الفكرة انا رجل ولن اتحول لامرأة ، ويعذب الجسد الذي يسكنه ويتعذب معه ويختلط الامر عليه فيصبح حواره غريباً كأن يقول : أنا هي نحن ، ويحاول جاهداً ان يسيطر بطريقة ما ولا يفلح ، لأنه يبدأ بالاندماج معها ويذوب فيها ويبدأ بالتعلق بتلك المرأة التي منحته جسداً وقدمت له فرصة الحياة وتعجُّبِه ان لا احد تناسبت جيناته معه الا هي ! فكيف لا يكون في مرحلة ما شاكراً له وينتابه الفضول لمعرفة من تكون فيبحث جاهداً عن اسرارها . وكونها خارجة عن القانون كما قررت المخابرات والدولة ، لمناداتها بأفكار مخالفة للسائد وبات عندها اتباع وثوار ينادون بما تفكر وتكتب . تفاجأ بأنها تروق له وأنه أجمل واروع مما كان يعتقد . ليصل الى ذروة الشعور بأنه يعشق هذه المراة التي لن يلتقيها وقد سبق وماتت ومنحته جسدها ، امرأة نبية تنادي بالعدل والمساواة والحب تلك المعادلة الغريبة والتي أسمتها البعد الخامس ، والطاقة التي حاول #خالد الرجل الذي احبت اثباتها . وكانت ثمرة الحب التي انتجاها معاً وأسمياها ورد الجنين الذي تُروى له الحكايات والرسائل من قبل السارد #باسل . والذي وصل به الحال ان يعشقها ويعشق نفسه ويحتار بأمره فيقول أعشقني . لنصل الى عنوان الرواية في فصول متأخرة . ونصل معه لذات الاعتقاد انها امرأة تستحق أن تُعشق . وتستحق ان تُمنح فرصة لتحقيق احلامها عن طريق جنينها الذي يحمل والخفاظ على حياته وإكمال تجربتها مع حبيبها خالد وإعادة الطريقة الاولى والتقليدية لخلق البشر عن طريق التزاوج وليس التلقيح الصناعي في مختبرات صماء. *** لكن الدهشة التي صنعتها الكاتبة في نفوسنا ، أخذت بالتراجع عندما قررت جعل الحمل يأخذ اكثر من وقته المعروف ، ليدخل القلق محله ان الحمل يتعرض للاجهاض بنزيف حاد وتخفت نبضاته يكاد يرحل ك

عطالله الحجايا

31/05/2016 12:19 مساءً عطالله الحجايا

لكن الدهشة التي صنعتها الكاتبة في نفوسنا ، أخذت بالتراجع عندما قررت جعل الحمل يأخذ اكثر من وقته المعروف ، ليدخل القلق محله ان الحمل يتعرض للاجهاض بنزيف حاد وتخفت نبضاته يكاد يرحل كأمه . يقع السارد في حيرة ورعب الأمهات أن يتمسك بجنينه لآخر لحظة .يقاوم ويفتديه بكل ما أُوتي من عزم وقوة يتخلى عن حياته كرجل دولة ، ويتمنى الالتقاء بحبيب شمس خالد في كوكب القمر ، ويقرر السفر للبحث عنه والانجاب هناك .. ليمنح الجنين فرصة للحياة بطريقة اهل خالد والذين حافظوا بطريقة ما على عادات سكان الارض القديمة ، مثل الحب ممارسة الجنس و الانجاب وكانوا يعتبرون مثل الخارجين او لنقل المغيبين عن سجلات الدولة ومعاهدات سكان الكواكب المختلفة . ولذا عاشوا على طريقتهم . لنصل الى السطور الاخيرة من الرواية والتي اظن بأنها لم تشبع نهمي كقارئة ، ولم تسعدني كما كنت اشتهي بعد كل ذلك الدسم الذي اغرقتنا به الكاتبة . في مشهد أخير يبقى السارد باسل حاملاً متجاوزاً شهره الثاني عشر ولذلك حكمة ربما معادلة البعد الخامس والطاقة تلك ، واختلاف الازمان واختفاء الحمل على مدى وقت طويل ، ولم نعرف ان كان ذلك الوعد الذي قطعه للجنين ان يتحقق ويرحل كلاهما . وان كنت اظن انها تركت للقارىء وضع النهاية التي يريد لكن الرؤية الاخيرة كانت لامرأة تسير على مهل حزينة مجهدة ضعيفة بشعر. اسود طويل ينساب بجمال لم يعتاده الساكنون في ذلك العهد .. تدعو الله بحرارة ان يساعدها . او ما تبقى من دماغ رجل آثر ان يتغير بفعل العشق . أعشقني رواية مختلفة فكرة جديدة مبتكرة ، جريئة في بعص السرد . راقت لي وأُهنىء الكاتبة الدكتورة سناء شعلان لجموح مخيلتها .

بقلم الأديبة:حنان باشا/ الأردن

الأديبة:حنان باشا / الأردن
الأديبة:حنان باشا / الأردن



تعليقات: