كفرشوبا: من النكبة إلى عدوان تموز.. العداء لإسرائيل فقط

800 مقيم من أصل عشرة آلاف والقنابل العنقودية تغطي معظم أراضيها.

كفرشوبا :

تعيش بلدة كفرشوبا مع الاحتلال الإسرائيلي منذ نكبة فلسطين في العام ,1948 دمرت منازلها أكثر من مرة وسقط فيها عشرات الشهداء والجرحى، بينما اضطر أهلها إلى النزوح عن بلدتهم إلى مناطق أخرى وإما الهجرة.

لا تزال البلدة في دائرة الخطر على الرغم من انتشار اليونفيل المعززة والجيش اللبناني، كما يقول رئيس بلديتها عزت القادري، تهدّدها مواقع الاحتلال العسكرية الموزعة على خط جبهة مزارع شبعا على مدار الساعة، توزع الرشاشات الثقيلة نيرانها في كل اتجاه وتخرق الطائرات الإسرائيلية أجواءها يومياً، فيما تحتل إسرائيل جزءاً من أراضيها الزراعية عند التلال الجنوبية الشرقية الممتدة بطول يصل إلى تسعة عشر كيلومتراً وعرض يتراوح بين ثلاثمئة متر واثنين كيلومتر.

يضيف القادري إن ذلك الوضع حمل السكان الذين يتجاوز عددهم عشرة آلاف مواطن إلى عدم التفكير بالعودة، ويصل عدد المقيمين حالياً إلى ثمانمئة مواطن صيفاً ثم يتناقص شتاء. وهم يتوزعون بين متقاعدين من الجيش وقوى الأمن وصغار المزارعين والأرامل.

تغطي القنابل العنقودية ثلث الأراضي الزراعية والبساتين ومعظم المراعي والأحراج، فيما قدرت اللجان الفنية في البلدية، وفق القادري، خسائر كفرشوبا خلال عدوان تموز بـ12 مليون دولار، دفعت تعويضات مقبولة من مجلس الجنوب ومن حزب الله ومن الإمارات العربية المتحدة، ولكن نسبة إعادة الاعمار لا تتجاوز العشرة في المئة، أضفى انتشار الجيش اللبناني نوعاً من الطمأنينة، «لكن طالما هناك أرض محتلة فالمقاومة واجب وضرورة».

يوضح القادري أنه يوجد في البلدة العديد من الاتجاهات والتيارات وهناك تباين حاصل في وجهات النظر خاصة بين مؤيدي حزب الله وتيار المستقبل، فمن حق كل فريق التعبير عن وجهة نظره، لكن الجميع متفق على ضرورة العمل المقاوم، لأن العدو الصهيوني لا يعرف سوى لغة القوة، فقوتنا في مقاومتنا».

من جهته يؤكد مصدر مسؤول في حزب الله على ثبات الوجه المقاوم لكفرشوبا، قائلاً إنها قدمت عشرات الشهداء على مدى الصراع الطويل مع الصهاينة، ومع الانعزال اللبناني، بينهم الأخضر العربي ورفاقه شهداء رويسة العلم شرقي مطلع السبعينيات، وبالأمس احتضنت شهداء المقاومة الإسلامية الذين سقطوا على مسافة عشرات الأمتار من خط المواجهة على جبهة مزارع شبعا، ومنهم أحمد عبدالله ومحمد عبدالله، نادر جركس، ابو مهدي البزال.

يستغرب المصدر المسؤول مقولة انحراف كفرشوبا ولو بنسبة ضئيلة عن المقاومة، ويسرد بعض الوقائع التي تؤكد احتضان السكان للعمل المقاوم، بينها على سبيل المثال لا للحصر: قيام عدد من الشبان المدنيين بالمخاطرة بحياتهم في ظروف ميدانية قاسية عندما عملوا على سحب جريح مقاوم من الخطوط الأمامية خلال عدوان تموز ونقلوه إلى المستشفى، المشاركة الكثيفة في تشـــييع شهداء حزب الله، نيل الحزب في انتخابات العام ألفين ألفاً ومئتين وخمســـين صــــوتاً من أصل ألف وستمئة صــــوت، كثافة الحشود التي تنطـلق من البلدة تلبية لدعوات حزب الله للمشاركة في الاحتفالات.

يعترف مصدر حزب الله بتنامي تيار المستقبل في البلدة، لكن هذا التيار، يقول، وإن كنا قد اختلفنا معه على بعض الأفكار والمواقف، فهو ملتزم بقضايا شعبه، نلتقي سوياً على العمل المقاوم، أرضنا أرضهم أملاكنا أملاكهم وأرزاقنا أرزاقهم، لا تزال محرمة علينا منذ الستينيات، ودفعنا كلنا الثمن الباهظ في سبيل تحريرها. يضيف المصدر التقينا مع الأخوة في تيار المستقبل تحاورنا تمكنا بسهولة من إزالة الغيوم التي عكرت الجو لبعض الوقت، وكان التفاهم واضحاً وصريحاً على إبعاد التشنج عن البلدة والمنطقة، لأن هناك خصوصية للقرى الواقعة على خط النار، علينا سوياً مسؤوليات كبيرة تجاهها، ويضيف أن تيار المستقبل والحزب يقدمان مساعدات للبلدة، مشيراً إلى أن الحزب قدم مساعدات صحية وتبرع بجرافة للمساهمة في إزالة الدمار ودفع بدل الأضرار في حرب تموز وغطى كلفة تقديم التيار الكهربائي عبر مولد خاص، كما يسعى مع كافة الفعاليات لعودة النازحين.

يروي المختار محمد قصب أن شبان البلدة انخرطوا تطوعاً في درك الحكومة العربية في بلاد الشام ومنهم اسماعيل ذيب القادري وعلي عطية، وساهموا بشكل فعّال في الثورة السورية الكبرى سنة 1925 وتجند العشرات في صفوف جيش الإنقاذ، كما تحولت البلدة إلى مركز ومنطلق لثوار ,1958 وشاركت بفاعلية في العمل الفدائي وسقط فيها أول شهيد في بداية عام 1968 هو حسين علي شبلي، ومنها أول شهيد لحركة فتح في المنطقة هو كامل زكي العسولي الملقب بعمر.

يتجاوز عدد شهداء كفرشوبا المئة شهيد سقطوا في الصراع الدائر مع الصهاينة ومع الانعزال وأضيف إليهم خلال عدوان تموز 4 شهداء للمقاومة الإسلامية.

يقول المختار قصب إن للأهالي في ذمة الدولة تعويضات قديمة تعود الى العام 1975 وأدى ذلك الأمر إلى نزوح ما يقارب المئتين وخمسين عائلة لم يعودوا الى بلدتهم، لأنهم لا يملكون منازل فيها ويسأل عن الطلبات التي قدمت الى مكتب الزراعة في حاصبيا والعائدة للأضرار الزراعية والماشية والتي تفوق الخمسمئة طلب، قائلاً لقد راجعنا المكتب وكان الجواب أنه جرى تحويل الطلبات إلى وزارة الزراعة، وربما الى الهيئة العليا للإغاثة لكن أحداً لم يكشف على الأضرار بعد، على الرغم من مرور ما يقارب السبعة اشهر على انتهاء العدوان.

يتذكر عدد من أهالي كفرشوبا زيارة الإمام موسى الصدر والرئيس ياسر عرفات لبلدتهم عام .1975 خاطب عرفات الأهالي في حينها قائلاً: «ستكون كفرشوبا بوابة العبور إلى فلسطين، في حين قال الصدر إن حبة القمح اليوم هي كفرشوبا وهذه الحبة ستنبت سنابل.

من ناحيته يذكر المواطن رياض طه المعركة العنيفة التي جرت بين قوة إسرائيلية وبين المقاومة الفلسطينية والأهالي في نيسان 1970 في جبل الروس شرقي البلدة حيث تكبّد العدو العديد من الإصابات، ووجه في أعقابها قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال تهديداً لسكان البلدة جاء فيه: «لقد انتهت أيام العسل بالنسبة لكم، وانتظروا أيام البصل»، وكان البصل بعد ساعات من التهديد سقوط مئات القذائف من مختلف الأنواع والأحجام. يتاب: صمدنا حتى العام 1975 عندما شنت إسرائيل هجوماً جوياً وبرياً دمّر معظم المنازل، فكانت حسب طه بداية التهجير الجماعي الطويل: «حط الأهالي رحالهم أولاً في مرجعيون، قصدنا السرايا الحكومية لطلب المساعدة في إيوائنا وتأمين بعض الحاجيات الضرورية فحصل إشكال غير مبرر مع عناصر الدرك الذين أطلقوا النار باتجاه النازحين، سقط بنتيجته 18 جريحاً، وفي محاولة للجم الوضع وتهدئة الخواطر زارنا كل من رئيس مجلس النواب الأسبق كامل الأسعد ورئيس مجلس الوزراء الأسبق رشيد الصلح والإمام موسى الصدر بهدف تقديم ما يحتاجه الأهالي حتى عودتهم الى بلدتهم، وتم الاتفاق في حينها على دفع رواتب شهرية حددت بـ225 ليرة لبنانية، لكل عائلة من فردين، و500 ليرة للعائلة المؤلفة من فردين وما فوق، لكن الدولة التزمت بذلك الاتفاق لمدة سبعة أشهر فقط، في حين لا يــــزال اكثر من 90٪ من أهالي كفرشوبا خارج بلدتهم بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على التهجير».

يبدي المواطن ابو حسين عبدالله استياءه مما آلت إليه الأوضاع بعد انتشار اليونفيل المعززة، ويقول كنا نأمل منهم خيراً، مشيرا إلى أنه في العام الأول بعد التحرير استفاد الأهالي من زراعة بعض الحقول المتاخمة للسياج الشائك، في محور بركة بعثائيل مثلاً، لكنهم حرموا منها هذا العام، لأن جيش الاحتلال يطلق النار دون سابق إنذار على كل من يحاول الوصول الى أرضه على مرأى ومشهد من رجال القبعات الزرق، كما يستهدف رعاة الماشية الذين حرموا من الوصول الى العديد من المراعي ومناهل المياه، ويوضح أنه كان يوجد في البلدة ما يقارب الخمسة عشر ألف رأس ماعز، تناقص العدد بسبب تواصل الاعتداءات والتهجير حتى أصبح لا يتجاوز اليوم الخمسمئة رأس.

خلال عدوان تموز سقــــط في كفرشوبا أربعة شهداء ودمر ثمانون منزلاً فيما تضررت جميع المنازل تقريباً، مع مباشرة الأهالي بإعادة البناء يجدون أنفسهم أمــــام مستقبل غامض وغير مستقر، لأن بلدتهم ضمن دائرة جبهة الصراع المفتوحة.

يقول أبو خالد عزت يحيى الذي استشهدت زوجته وأولاده الثمانية خلال اجتياح 1982 بعدما دمر منزله عام 1975: «قدرنا هنا أن نبني فيما إسرائيل تدمر، لن نيأس ولن نلين مهما كانت الخسائر والمصاعب».

تتحدث أم سامر زوجة حسين جرار عن منزل ابنتها التي كانت تنتظر مجيء الصيف لتتزوج وتقول إنه أصبح أثراً بعد عين. تضيفه إلى منزل عائلتها الذي دمر عام 1975 ثم تضيف: «سنبني من جديد ونصمد إلى ما لا نهاية».

تختصر عجوز كفرشوبا سليمة قمرة المتجولة دائماً في شوارع البلدة «الحاضرة الناضرة» على كل حركة في تجاعيد وجهها مسيرة بلدتها مع إسرائيل، عاصرت الاعتداءات المتواصلة منذ الستـــينيات، تعرفت الى كافة أنواع القذائف والأسلحة، لم تعد تعرف سوى لغة الحــــرب، لن يصل السلام بالنسبة اليها يوماً الى هنا: «لقد كتب علينا ان نعيش في خضم هذا الصــــراع يا ابني». ثم تردف: «لم يعد من العمر أكثر مما مضى قد أشهد عدواناً آخر من يدري؟».

تعليقات: