للحلويات مع مدينة صيدا حكاية لا تنتهي، وفي شهر رمضان تبلغ ذروتها، تتعدد وتتنوع بمختلف الاصناف والاشكال في هذا الشهير الفضيل، لترسم معادلة ثلاثية الابعاد بين الحلويات وصيدا ورمضان.
تتجاوز حدود "التحلية"، الى سند للصائم في "مخزون احتياطيّ" له أثناء صومه، اذ تعطيه طاقة اضافية تساعده على تحمل الجوع والعطش في نهار الصيام وخاصة في فصل الصيف.
وقد تطورت صناعة الحلويات في مدينة صيدا، لتخرج من الأزقة القديمة "البلد"، ولكنها في نفس الوقت حافظت على الحلويات التراثية، رغم تطور أدوات صناعة الحلويات مثل استبدال "القمع" لصناعة القطايف بماكينة جديدة تسهل سكب العجينة، فيما تحولت التمريّة" الى "الكلاّج" وتقلص وقت صناعة اللقطين والجزريّة، لتشهد صناعة العثمليّة والمدلوقة وحلاوة الجبن لمسات جديدة، فيما يشجع زيادة الطلب من قبل الزبائن على ابتكار أصناف جديدة، ومنها الدمج بين الحلويات العربيّة والغربيّة وأدخال نكهات جديدة، كل ذلك جعل الحلويات الصيداويّة تأخذ موقعاً مميزاً بين الحلويات اللبنانيّة وكثيرا ما تحولت تصديرا الى كافة أنحاء العالم.
حلوى القطايف
و"القطايف" واحدة من هذه الحلويات، بل هي أميرتها خلال هذا الشهر، تتربع غروب كل يوم على موائد الصائمين باعتزاز ودون استئذان، يتهافت أبناء صيدا في جنوب لبنان على شرائها بأحجام مختلفة صغيرة منها وكبيرة وفق رغبتهم في حشوة الجوز او الجبنة او القشدة وسواها.
لم تعد صناعة "القطايف" حكرا على المنازل كما كان الحال قبل عقود خلت، ولم ولا يقتصر بيعها على محال الحلوى فقط، اذ يعمد بعض أبناء المدينة الى إقامة عربات خاصة لصناعتها داخل احياء المدينة القديمة حينا، وبمحاذاة المحال في الأسواق التجارية أحيانا حيث الازدحام، فتلقى اقبالاً من القاصدين للتزوّد بحاجيات الشهر الفضيل.
حسن العوجي، معلّم حلويات صيداوي، ورث المهنة عن ابيه وقبله جده، ينهمك كل يوم في صناعة العشرات منها، يسكب الخليط فوق صفيح من حديد ساخن، قبل ان يجفّ على النار ويصبح عجينة "القطايف"، فينقلها على الواح من الخشب لعرضها للبيع ويقوم بالتفاوض مع الزبائن.
ويقول إن هذه الحلوى (القطايف) مكونة من "الطحين والحليب والزيت والمياه وتخفق جيداً ثم تصب على فرن مسطح من النار لتجف بقطع صغيرة او كبيرة.
وقد اعتاد العوجي، ان يعمل داخل محله من "الفجر الى النجر" عند مدخل أحد احياء صيدا القديمة في منطقة الشاكرية، تحت قباب حجرية تعطي المكان رونقا اضافيا، تتماشى مع روحانية الشهر الفضيل، يوضح ان هذه القطايف يتم حشوها بالقشدة او الجبنة او الجوز ثم نصبّ عليها "القطر" (السكّر الذائب) كي تصبح جاهزة للأكل، موضحاً ان سعر الكيلو يبلغ 4000 ليرة لبنانية ولأنها رخيصة، فإن الاقبال عليها يكون كثيفاً في ظل تردّي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.
وتابع كان الاقبال عليها اكثر لو لم ترتفع سعر "القشدة" وباتت بعشرة آلاف ليرة لبنانية بعدما كانت بـ6 آلاف فقط، كذلك حال الجبنة وهذا ما يدفع بالناس لحشوها بالجوز أو "المهلبيّة" للتوفير على انفسهم المزيد من الاعباء المالية.
وعلى مدار ساعات بعد الظهر، لا يتوقف العوجي عن صب "القطايف" بأحجامها المختلفة، الصغيرة والكبيرة و"الاكسترا". ويقول الحاح أبو حسين عوكل، إن "القطايف" كانت الحلوى المفضلة لدى أبناء المدينة منذ عقود طويلة، وهي الابرز قبل ان تدخل اصناف جديدة اطيب وألذ لتنافسها، ولكنها ما زالت صامدة كجزء من العادات والتقاليد المتوارثة في المدينة وان بيعها يلاقي إقبالاً كثيفاً في شهر رمضان.
"مشطاح" رمضان
والى جانب حلوى القطايف، يزين "المشطاح" موائد إفطار وسحور الصائمين في رمضان ويتربع ملكا بين اصناف الخبز المتنوعة الاشكال والانواع، حيث يقبل ابناء صيدا على شرائه.
ويعتبر"المشطاح" خبز رمضان المفضل لدى الصائمين وهو عبارة عن عجينة محلاّة "طحين إكسترا، سكر، حليب، وزبدة"، تخبر في الافران ويرش فوقها حبة البركة السوداء والسمسم الاصفر، ويباع في افران المدينة الحديثة والقديمة.
وتختلف أشكال "المشاطيح" منها الدائري والمستطيل الأكثر اقبالا، ويستغرق صناعتها نحو ساعتين بين "الرق والجن والخبز" وتباع القطعة الواحدة منه بألف ليرة لبنانية.
تعليقات: