حرب مفتوحة بجبهات مقفلة

حسين عبدالله
حسين عبدالله


كثيرون وكثيرون جداً في حزب الله لم يعرفوا عماد مغنية، إنما سمعوا الكثير عنه منذ قرابة 25 عاما، حتى ان مسؤولين في الحزب يقولون انهم عقدوا اجتماعات بحضوره ولم يعرفوا ان الحاج رضوان الشخص الذي يجلس معهم هو اللغز الذي حيّر وانهك عشرات اجهزة المخابرات التي لم تفلح بالحصول على معلومة صغيرة عنه كانت تساوي لدى المخابرات الامريكية 25 مليون دولار رصدتها لمن يزودها بها .

فعماد مغنية الذي التزم الظلّ والتخفي في حياته، وجدت الولايات المتحدة الامريكية ان العالم اصبح افضل بدونه. فهو عبقري في العمل الامني والعسكري مع انه لم يدخل يوما كلية حربية ولا ارتفعت نجوما فوق كتفيه، وهو بسيط بساطة البيئة التي عاش بها لكنه بارع في منع الاخرين وحتى المقربين منه من الوقوف على شخصيته الحقيقية. من هنا حين شاع خبر اغتيال مغنية ذهل الجميع وانطلق سؤال واحد على الألسنة كيف تمكنوا منه لا بل كيف عرفوه؟

وبدأ التساؤل هل حزب الله سيستمر بعده منظمة صغيرة تقاتل الاسرائيليين وتنتصر عليهم؟ ام أن الاصابة في الرأس التي اصابته تركت تداعيات لايمكن تجاوزها بسهولة؟...

كان من الواضح ان حزب الله خسر الكثير الكثير بفقدان عماد مغنية، ومن الصعوبة تمكن خلفه من الامساك بمفاصل اللعبة التي ادارها عماد مغنية بذكاء بارع على مدى 25 عاما،على الرغم من ان حزب الله قد انتقل الى المؤسسة التي تنتج دائما قادة ومقاتلين ولم تصاب كباقي الاحزاب والمنظمات بالعقم، لكن ذلك لاينفي ان شخصية مغنية نادرة الوجود وتمتاز بفرادة في مسائل كثيرة وهي التي جعلت اجهزة مخابرات عديدة تصاب بالتعب وهي تلاحقه دون ان تستطيع اصطياده الا بعد اختراق في الدائرة الضيقة التي تحيط به مكنت الموساد من القضاء عليه .

وبامكان جهاز المخابرات الاسرائيلية بعد تسجيله انتصاراً على حزب الله اعلانه تجديد شبابه مستذكرا العمليات الامنية المعقدة التي نفذها وقتل فيها العديد من قادة المقاومة الفلسطينية في السبعينييات والثمانينات و طاردا من ذهنه المرحلة السوداء في تاريخه التي اثبت جهاز امن حزب الله تفوقه عليه في عمليات امنية ناجحة ومعقدة جدا اثناء الاحتلال الاسرائيلي للشريط الحدودي، والتي اصطاد فيها الحزب اكبر جنرالاته نائب قائد القوات الاسرائيلية في الجنوب عام 1999 نذاك ايريزغيرشتين بعبوة ناسفة، وبعد ذلك استدرج الحزب عقيداً اسرائيلياً سابقاً الى بيروت برجليه ليقع في قبضته، وبعد ايام من استدراج العقيد الحنان تتنباوم استدرج الحزب ثلاثة جنود اسرائيليين واسرهم في مزارع شبعا. وتطول لائحة انتصارات جهاز امن حزب الله على جهاز الموساد. ولذلك حين يبتهج اليوم الاسرائيليون بمقتل مغنية فانهم يبتهجون لاستعادة الثقة بجهاز مخابراتهم الذي يشكل عيون الجيش الاسرائيلي ودليله.

وبالتاكيد ان اغتيال مغنية هو في اطار الحرب المفتوحة بين الطرفين والتي اعلن نصرالله مؤخرا عن استمرارها باشكال مختلفة، لكن الامين العام لحزب الله يراها قد اصبحت في خواتمها قبل الانتصار الحاسم بانهاء وجود دولة اسرائيل. و هنا مكمن الخلاف الاساسي على الحرب المفتوحة المعلنة، طالما ان لبنان من وجهة نظر جوهرية ليس باستطاعته تحمل المزيد من تبعات المواجهة ليس من باب الخوف وانما في سياق ابقاء جبهته الوحيدة المفتوحة بوجه اسرائيل التي نجحت وعلى الرغم من الهزيمة الكبرى التي اصابتها ومنيت بها في حرب يوليو 2006 من احداث تدمير هائل في لبنان اعادته سنوات طويلة الى الوراء واصابت دورته الاقتصادية باعطال كبيرة لم يستطع حتى الان اصلاحها.

ولذلك هناك في لبنان من يعارض بقاء الجبهة اللبنانية مشتعلة ليس من باب الحرص على امن اسرائيل وانما من منطلق تجنيب لبنان المزيد من الخسائر وكلفة الدفاع منفردا. ومن الواضح ان الامين العام لحزب الله حريص ايضا على استقرار لبنان وكيانه، لذلك اشار الى ان الرد على اغتيال مغنية في مكان ما تتحمل مسؤوليته اسرائيل التي نقلت المعركة من ارضها ومجالها الطبيعي بين الحزب واسرائيل اي لبنان الى تجاوزها الحدود باغتيال مغنية في دمشق. لكن الحرب المفتوحة اليوم ظروفها ومعطياتها مختلفة عما كانت عليه منذ سنوات، فمن المسنحيل ان يأتي رد حزب الله عبر الحنوب اللبناني لان جبهته مزنرة بالقرار 1701 وتحمي الجبهة وتقفلها بوجه مقاتليه قوات دولية تمثل المجتمع الاممي واي خرق للقرار على مستوى يشعل الحرب في الجنوب مجددا يضع حزب الله في مواجهة اممية وحتى مع الجيش اللبناني، والحزب اصلا ليس بوارد ذلك، في حين ان نقل المعركة مع اسرائيل الى الخارج عبر اغتيال قيادات أو ضرب مصالح اسرائيلية يدفع حزب الله الى لائحة الارهاب والحزب اذكى بكثير من يُجرّ الى ماتريده اسرائيل. ولذلك ليس امام حزب الله سوى داخل اسرائيل عبر التاكيد على وحدة النضال اللبناني الفلسطيني التي كان مغنية منسق مجرياته العملية والتنفيذية بحيث ان الحزب الذي اثبت سابقا انه قادر على الثأر من الاسرائيليين قد يثأر لقائده العسكري بعملية على مستوى الشخص الذي اغتيل والا ان فان مصداقيته تصبح على المحك. والرد داخل اسرائيل يبقي المواجهة بين الطرفين في اطار السجال الامني الامني من وجهة نظر الحزب وينزع الذريعة من يد اسرائيل باشعال الجبهة اللبنانية مجددا على خلفية استعدادات اسرائيلية متزايدة تجري حاليا لمحو اثار حرب يوليو بعدما وقع ايهود اولمرت أسير سحر الاغراء بتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله وتعليمه درسا لن ينساه أبدا كما يقول الاسرائيليون على وقع تحديد مصير اسرائيل في الشرق الاوسط بقدر لا يقل عن اثبات قوة الجيش الاسرائيلي. وياتي ذلك وسط معلومات تقول أن حزب الله أعاد نشر صواريخ الكاتيوشا والصواريخ المضادة للدبابات في القرى الواقعة جنوب نهر الليطاني. وقالت إن الحزب تمكن من خداع القوات الدولية والجيش اللبناني المنتشرة في الجنوب اللبناني ونقل السلاح وترميم قدرته التي أصيبت في الحرب مشيرة إلى أن الحزب يرسل مواطنين يحملون وسائل رؤية وكاميرات بغطاء رجال إعلام من أجل جمع معلومات حول انتشار قوات الجيش في المنطقة الحدودية بعد أن تم تدمير مواقعه الحدودية أثناء الحرب وانتشار اليونيفيل في الجنوب. وزعمت أن حزب الله لم يقم بأي خطوة هجومية ضد إسرائيل منذ نهاية الحرب بسبب شدة الضربة التي تلقاها من الجيش في العدوان. كما زعمت أن الصعوبة التي يجدها الحزب في تعبئة صفوفه بمقاتلين مدربين هي التي تردع حسن نصر الله عن شن حملة عسكرية جديدة ضد إسرائيل. الا أن الأوساط الاستخبارية الإسرائيلية تقول ان رد "حزب الله" سيكون باستخدام طائرات بدون طيار لقصف أهداف عسكرية أو مدنية في شمال البلاد أو مركزها. لذلك رفعت حالة التأهب في سلاح الجو. وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لعدة إمكانيات رد مختلفة من قبل حزب الله. واتخذ إجراءات لرفع حالة التأهب في سلاح الجو وفي بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات المنتشرة في الشمال خشية أن يطلق حزب الله طائرات بدون طيار معبأة بالمواد المتفجرة إلى شمال البلاد أو مركزها. وتضيف الصحيفة أن دوائر صنع القرار الإسرائيلي ترى في هذا السيناريو ممكنا. ومن الواضح ان الاسرائيليين يهيأون الملعب لحرب جديدة ضد لبنان لكن على حزب الله ان لايقع في الفخ الاسرائيلي وينجر الى حرب حدّ الاسيرائيلييون مكانها وينتظرون الذرائع لشنها خصوصا وان الحزب منخرط الآن بقوة في الصراع الداخلي اللبناني في ظل اجواء لبنانية متوترة جدا، واحتقان بين الطوائف وصل الى الكراهية ليس فقط بين المسيحيين والمسلمين مثلما كان في الماضي وانما بين السنة والشيعة كذلك. والدولة غير موجودة. وهذه كلها عوائق في وجه خيارات حزب الله في حربه المفتوحة ضد اسرائيل التي هي حرب مفتوحة بجبهات مقفلة.

* كاتب لبناني

تعليقات: