أيها الإخوة العرب نحن بخير.. طمّنونا عنكم


الحمد لله… فلقد لبّى الإخوة العرب نداءنا فطمّنونا عن أحوالهم بأكثر ممّا طلبنا! ولأن سوء الظن في حكّامنا هو من حسن الفطن، فإن مبالغتهم في طمأنتنا قد زادت من ارتيابنا في نواياهم وفي أفكار المشاريع التي جاؤوا للترويج لها… بل إنها أكدت لنا أنهم ليسوا معنا تماماً، وإنما هم في منزلة بين المنزلتين، بيننا وبين العدو الإسرائيلي الذي صالحوه. ثم إنهم ليسوا معنا جميعاً، إذ إنهم شطبوا من حسابهم عنوان عزتنا (عزتهم) ومجدنا (مجدهم) وفخارنا (فخارهم) المقاومة المجاهدة التي أنجزت ما لم تنجز بعضه الجيوش العربية في حروبها جميعاً (أيام زمان) ضد إسرائيل… أو إذا شئنا الدقة في الحروب التي شنتها إسرائيل على جيوشهم متفرقة أو مؤتلفة (موقتاً)، والتي دفع ويدفع شعب فلسطين بعض أكلافها الباهظة، ودفع ويدفع شعب لبنان البعض الآخر من هذه الأكلاف.

من حسن الفطن أيضاً الافتراض أنها لم تكن مصادفة أن يجيء وزيرا خارجية الدولتين العربيتين اللتين أنجزت أولاهما أول اختراق للمحرّمات بمعاهدة الصلح المنفرد مع العدو الإسرائيلي في كمب ديفيد، في حين انتظرت الثانية انزلاق القيادة الفلسطينية إلى اتفاق أوسلو الذي لم يقدم لها غير خيار القتل أو الانتحار، كي تُقدِم بدورها على توقيع معاهدة الصلح (غير المنفرد الآن!!) في وادي عربة..

ومع الشكر لقدومهما، قفزا من فوق معاهدات الصلح، إلا أن البداهة تفرض أن نذكر بأن سفيري الدولتين المعنيتين ما زالا في القدس المحتلة، كما أن السفيرين الإسرائيليين في كل من القاهرة وعمّان مقيمان فيهما بعد، يتمتعان بحصانة لا تخرقها إلا هتافات الجماهير الغاضبة التي تختلس دقائق للتجمع والتعبير عن وجعها القومي قبل أن تدهمها قوات النظام لتوجع المشاركين فيها ضرباً ورفساً واقتياداً إلى أقبية التحقيق كونها قد أساءت إلى العلاقات مع دول “صديقة”، بل هددت السلامة العامة والمصالح العليا للدولة العلية.

علينا، إذاً، أن نسلِّم بأن هذين الوزيرين قد اختيرا بقصد مقصود ولمهمة جليلة واحدة: غواية السلطة في لبنان والتزيين لها بفوائد التساهل في شروط وقف إطلاق النار، وفي مواصفات القوات الدولية القادرة على تنفيذ القرار 1559 (بالقراءة الإسرائيلية)، بما يسهّل تحقيق الأمنية الغالية: تجريد حزب الله من سلاحه (الذي تبيّن أنه أقوى وأفعل وأغزر من أي تقدير) تمهيداً للإنجاز الأعظم المتمثل في بسط سلطة الشرعية على كامل الأرض اللبنانية.

وبمعزل عن أن الوزيرين الباسلين قد تحمّلا مخاطرة القدوم إلى لبنان (علماً بأنهما جاءا بمهمة أميركية تحظى بموافقة إسرائيلية)، فإن تصريحاتهما المتعددة قد خلت من أي ذكر للمقاومة الباسلة التي تقاتل دفاعاً عن لبنان (وكرامة الأمة جميعاً، بمن فيها شعبا مصر والأردن) وتواجه بكفاءة نادرة المثال خامس أقوى جيش في العالم، وتصد هجماته على المدن والبلدات والقرى الحدودية، ترد وتقصف لأول مرة!! مدنه ومستعمراته ومواقعه العسكرية.

ومع أن المقارنة محرجة بعض الشيء لكن الأمانة تقضي بأن نذكر لوزير خارجية إسبانيا، الذي تزامن قدومه مع زيارتهما (المنسقة قطعاً)، والذي شاركهما الغداء إلى مائدة الرئيس فؤاد السنيورة، أنه تحدث عن حزب الله كطرف أساسي لا بد من أخذه بالاعتبار ومراعاة ما أنجزه على الأرض في أي حديث عن وقف إطلاق النار، واستطراداً عن الشروط التي توفر السلامة للبنان، كوطن، وتضمن له حدوده في وجه الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية التي لما تتوقف منذ 1972 وحتى اليوم (مع الاحترام لذكرى اتفاق الهدنة..)..

هل من الضروري التنويه بأن مجاهدي المقاومة هم الذين واجهوا ويواجهون بأرواحهم ودمائهم هذا الخطر الإسرائيلي المفتوح، وبأنهم بتضحياتهم (ومعها التضحيات العظيمة التي يتحمّلها شعب لبنان ودولته) قد طردوا الاحتلال الإسرائيلي من معظم الأرض الوطنية التي كان يحتلها قبل ست سنوات، وأنهم وفروا بصمودهم الأسطوري الآن الفرصة لأن ينتزع لبنان شروط الأمان لأهله في قراهم ومدنهم بل وكل الوطن، بعد استعادة ما تبقى منها محتلاً (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) فضلاً عن أسراه؟

الوزير العربي الثالث الذي زرع مزيداً من الطمأنينة في نفوسنا هو السعودي الذي بشّرنا بأن عقد قمة عربية من أجل لبنان أمر غير وارد، وأن اجتماعاً لوزراء الخارجية العرب دونه صعوبات جمة (بشهادة ما حدث في الاجتماع الأخير في قلب جامعة الدول العربية في القاهرة)، وأن الإدارة الأميركية لما تستجب لمطلب وقف إطلاق النار (من دون أن يكشف السبب وهو أنهم في واشنطن يعطون الحكومة الإسرائيلية المزيد من الوقت لتحقيق انتصار يغطي الهزيمة أمام حزب الله وصمود شعب لبنان من خلف مقاومته ومطالبه المحقة)..

إن وقف إطلاق النار الآن من شأنه أن يطيح حكومة إيهود أولمرت… ولا بد له من وقت إضافي لعله يستعيد بعض هيبةالجيش الذي لا يقهر، وبعدها وليس قبل ذلك يمكن الحديث عن لبنان وما أصابه، في شعبه وفي بنيته التحتية ومرافقه الحيوية التي تم تدميرها، وفي اقتصاده، قبل الحديث عن المليون مهجر وعن الألف شهيد والآلاف الخمسة من الجرحى، هذا غير الربح الفائت كموسم الاصطياف… إلخ.

… وها أن هذا الجيش الذي لا يقهر قد حقق نصراً أسطورياً في بعلبك، ليل أمس، يجدد له ثقته بنفسه، ويعيده إلى أمجاد عمليته في عينتبي: فبضربة واحدة، جاء رجال النخبة في الكوماندوس فاقتادوا السيد حسن نصر الله أسيراً بغير مقاومة.

.. أما وقد تبيّن أن حسن نصر الله مجرد مواطن بسيط في المدينة التي يذكرها التاريخ كثيراً ولا يتذكرها المسؤولون في وطنها إلا قليلاً، فمن المؤكد أن جيش الدفاع يحتاج الى مزيد من الوقت…

.. وكذلك الوزراء الذين يتصدون للمهمة المستحيلة: وهي سلب لبنان ما حققه رجال المقاومة بدمائهم، وما حققه مواطنوه كافة، وهيئاته الرسمية والروحية والمدنية جميعاً، من صمود وتضامن وتوحّد خلف أهدافهم الوطنية المشروعة.

المهم ألا تأتينا النار من حيث نفترض أنها مصادر للدعم والمساندة والخير، باعتبارنا إخوة / أشقاء وشركاء في المصير… حتى مَن نسي هذه البديهيات منا.

لذلك نقول ثانية: أيها الإخوة العرب.. نحن بخير، طمنونا عنكم!

نشرت خلال عدوان تمّوز في “السفير” 3 آب 2006


تعليقات: