السكسكية vs الصرفند: إقفال مستشفى جاهز لمصلحة آخر «قيد الإنشاء»!


الفوضى التي تحكم آلية تنظيم المؤسسات الصحية الحكومية وتوزيعها تؤدي إلى إغلاق مستشفى شبه جاهز للعمل في بلدة من أجل تشييد مستشفى جديد في بلدة ملاصقة! الأسباب المعلنة لا تبدو مقنعة، والأسباب الفعلية تبدو «ضيعاوية»، فيما النتيجة الوحيدة المحققة: هدر المال العام

تبحث بلدية السكسكية الجنوبية (قضاء صيدا) مع وزارة الصحة العامة في إمكان تحويل مستشفى السكسكية الحكومي إلى مركز للرعاية الصحية الأولية. هذه المساعي تأتي بعدما وصلت إلى طريق مسدود كل الجهود الرامية إلى إعادة إحياء هذا المستشفى وتأهيله وتفعيل العمل به رغم أهميته الفائقة لمنطقة الزهراني.

وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ السبب وراء «تحجيم» المستشفى الحكومي في السكسكية يعود إلى مشروع المستشفى الحكومي المزمع إنشاؤه في بلدة الصرفند المجاورة للسكسكية. وبالتالي، فإنّ المنطقة لن تحتمل وجود مستشفيين حكوميين. لذلك كان القرار بتشييد مستشفى حكومي في الأولى على حساب الثانية، على رغم أن مبنى مستشفى السكسكية شُيّد منذ زمن وجُهّز بمعدّات قُدمت كهبات من جهات عدة، فيما لا يزال الأول «قيد الإنشاء» بعد نحو سبع سنوات على وضع الحجر الأساس له. ومن المعلوم أن كلا البلدتين «مصبوغتان» بالانتماء إلى حركة أمل، فضلاً عن أن رئيسي بلديتيهما محسوبان على الحركة أيضاً، ما يعني أن «المنافسة» تدور داخل البيت الواحد.

وكان وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة، ابن بلدة الصرفند، وضع عام 2011 الحجر الأساس لمستشفى الصرفند الحكومي بعدما عدل عن تأهيل مبنى المُستشفى الحكومي في السكسكية. ويميل عدد من أهالي الأخيرة إلى اتهام خليفة بنقل المُستشفى إلى بلدته لأسباب «مناطقية». وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع الوزير السابق إلا أنه لم يُجب على الاتصالات المتكررة.

وثمّة قرارات صادرة عن مجلس الوزراء تثبت أنّ إنشاء مستشفى حكومي في الصرفند هو السبب وراء صرف النظر عن المُضي في استكمال العمل بمُستشفى السكسكية الحكومي. إذ يرد، مثلاً، في قرار صادر عن مجلس الوزراء (رقم 73 تاريخ 24/4/2009) أن المجلس قرّر «الموافقة على استمرار عمل المؤسسة العامة لإدارة مُستشفى السكسكية الحكومي وتمديد ولاية مجلس إدارته الحالي لحين إنشاء مُستشفى الصرفند الحكومي، على أن لا تتجاوز مدة التمديد ثلاث سنوات كحدّ أقصى». ويؤكّد القرار في ما بعد على تحويل مُستشفى السكسكية الحكومي إلى مركز صحّي.

كذلك يرد في المحضر رقم 64 تاريخ 20/10/2010، أنّ وزارة الصحة تفيد أنه «تبيّن (...) أن اعتماد مُستشفى حكومي في الصرفند كمستشفى لقضاء الزهراني يُمكن أن يفي بالحاجة. لذلك صدر قرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 27/8/2007 النافذ حكماً بتاريخ 12/9/2007 بتحويل مُستشفى السكسكية الحكومي إلى مركز صحّي».

المُفارقة أن الوزارة تُضيف، في المحضر نفسه، أن وضع مُستشفى السكسكية الحالي يخضع لأعمال التأهيل «وحجمه وعدد الأسرة فيه ونوعية الخدمات التي يُمكن أن يُقدّمها للمواطنين في المنطقة المذكورة والقرى المجاورة يمكن اعتماده في حال الإبقاء عليه كمستشفى حكومي لجهة العلاجات الخارجية (...)»، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول الأموال التي كان من الممكن توفيرها في حال تم استثمارها في المبنى المُشيّد أصلاً.

نهب التجهيزات

مُستشفى السكسكية، أو «الدائرة الصحية» كما يحلو لأهالي البلدة تسميته، كان عبارة عن مركز صحي تابع لوزارة الصحة، بدأ تشغيله عام 1985، وكان مخصصاً لرصد حالات البلهارسيا وعلاج الحروق والحالات الطارئة فقط. وقد أُقفل منذ بداية التسعينيات واستخدمته قوى الأمن الداخلي لسنوات مقراً لمخفر عدلون، قبل أن يقفل مجدداً. عقب حرب تموز، حاز مشروع المستشفى على هبة كويتية لترميم المبنى وأمّنت وزارة الصحة جزءاً من التجهيزات ولوازم المختبر والأشعة. انتهت أعمال الترميم عام 2011، وخلال الفترة القصيرة التي سبقت تشغيله، تعرّض المستشفى لعملية سرقة كبيرة طالت كل المعدات التي كان يحتويها. ولم يُكشف الفاعل حتى اليوم، فيما تقول روايات يتداولها أهالي البلدة إن الفاعلين محسوبون على مؤيدي مشروع مستشفى الصرفند! ويلفت هؤلاء إلى أن مستشفى السكسكية حصل على هبات وتجهيزات مرات عدة، وفي كلّ مرة كان يتعرض للسرقة والنهب من قبل «مجهولين». وقالت مصادر في بلدية السكسكية إن قراراً اتخذ في عهد خليفة قضى بنقل تجهيزات المستشفى إلى مُستشفى قانا الحكومي، الأمر الذي مهّد لإقفال الأول نهائياً.

وكان لافتاً ما أكّده رئيس بلدية السكسكية علي عباس لـ «الأخبار» بأن المجلس البلدي الحالي «لم يجد بعد انتخابه أيّ ملف يتعلّق بالمُستشفى»، مؤكداً «غياب كل الوثائق والمُستندات المتعلّقة به»!

ماذا عن إدارة المُستشفيين؟

في 8 شباط 2005، صدر المرسوم الرقم 14159 المُتعلّق بـإنشاء مؤسسة عامة لإدارة المُستشفى الحكومي في بلدة السكسكية الجنوبية وتعيين مجلس الإدارة والمدير ومفوّض الحكومة لدى المؤسسة المذكورة. وقضى المرسوم بتعيين المهندس علي حيدر خليفة رئيساً لمجلس الإدارة. وهو كان يشغل منصب مستشار وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة ويشغل حالياً منصب رئيس بلدية الصرفند.

رغم الإقرار بأهميته للمنطقة قررت الحكومة إقفال مستشفى السكسكية لمصلحة نظيره في الصرفند المجاورة

المهندس خليفة أكد في اتصال مع «الأخبار» أنه «لم تعد هناك مؤسسة عامة باسم مُستشفى السكسكية، وأصبحت هناك مؤسسة عامة باسم مستشفى الصرفند»، لافتاً إلى أنه لم يتم تعيين مجلس إدارة للأخير بعد.

ماذا عن الأموال التي كانت تتقاضاها المؤسسة العامة لإدارة مُستشفى السكسكية؟ وماذا عن الموظفين الأربعين الذين نجحوا في امتحانات مجلس الخدمة المدنية؟ وما هي طبيعة عمل هذه المؤسسة بين 2005 و2011؟

بحسب خليفة، فإنّ الموظفين لم يلتحقوا بالمستشفى، فيما كان أعضاء مجلس الإدارة يتقاضون بدلاً عن كل جلسة يعقدها المجلس من دون أن يُحدد طبيعة عمل مجلس الإدارة لمؤسسة لم تعمل. ويشير هذا الواقع إلى الفوضى الممنهجة التي تحكم تنظيم المؤسسات الصحية الحكومية في لبنان وغياب الآلية والرقابة على الأموال التي تذهب هباء. إذ تبدو أن حجة «إنشاء مبنى حديث وعصري يتلاءم مع المعايير الدولية» لصرف النظر عن مُستشفى السكسكية ضعيفة في ظل معطيات تؤكد النية السابقة لاعتماده كمركز صحّي.

مركز رعاية أولية أم دار للمسنين؟

في 08/06/2017، زار فريق من وزارة الصحة العامة مركز مُستشفى السكسكية الحكومي لمناقشة إمكانية الاستفادة من مبنى المُستشفى «المهجور». رئيس بلدية السكسكية علي عباس قال إنه زار وزير الصحة العامة غسان حاصباني «وقد وعد خيراً لجهة النية في إحيائه كمركز للرعاية الأولية يُقدّم خدمات صحية». ولفت عباس إلى مبادرة مُقدّمة من قبل زوجة رئيس مجلس النواب رندة عاصي برّي تقضي بتحويل المبنى إلى دار للمُسنين.

تعليقات: