لا تمزحوا مع بدر الدين


ممنوع أن يُسمى في لبنان شارع باسم الشهيد مصطفى بدر الدين؟ ما هذه النكتة السمجة. يوجد في لبنان، في بيروت تحديداً، شارع باسم «رينيه كولومباني». كان هذا ضابطاً في الاستخبارات الفرنسيّة حقبة الانتداب. سعى هذا، ذات يوم، إلى وضع كميّة مِن حشيشة الكيف في سيّارة ريمون إدّه للإيقاع به. كان شرّيراً. لهذا الكولومباني شارع في العاصمة، وعادي، فيما وزير الداخليّة نهاد المشنوق، ومعه جوقة مِن المطبّلين، يعترضون اليوم على تسميّة أحد شوارع بلديّة الغبيري باسم الشهيد مصطفى بدر الدين. شوارع بلادنا مليئة بأسماء رموز الاستعمار والانتداب والاحتلال والعملاء والعابرين، وبأسماء كثيرة لأشخاص محليين، هم، في الحد الأدنى صرّحوا بتعاملهم مع الغزاة والمحتلّين. مصطفى بدر الدين كان قائداً في المقاومة. قاتل الإسرائيليين وطردهم مِن لبنان. هذا المؤكّد، المتّفق عليه، أمّا غير ذلك فهو مجرّد سخافة. أصبح لمن رحّب بالإسرائيليين في لبنان، وعاونهم على غزو عاصمته وقاتل إلى جانبهم، شارعاً باسمه في وسط بيروت. أمّا مَن قاتلهم، حتّى الرمق الأخير، فيخرج الآن مَن يُريد منع تسمية شارع باسمه.

ما الذي جرى حتّى قرّر وزير الداخليّة، فجأة، التغريد نفياً بأن يكون وقّع قراراً يَسمح بموجبه لبلديّة الغبيري بأن تسمّي شارعاً باسم مصطفى بدر الدين؟ قال المشنوق: «لا أوافق على هذه التسمية، وبالتالي يُعتبر قرار بلديّة الغبيري مرفوضاً مِن قبل وزارة الداخلية». اللافت في الأمر هو التعليل الآتي للرفض بحسب الوزير: «يتعلّق الأمر بخلاف سياسي، يتداخل فيه الطابع المذهبي بالأمني، وينشأ بموجبه خطر على النظام العام، الذي هو من أساس واجبات هذه الوزارة». ما معنى هذا؟ هل يسري الأمر عينه على شارع بشير الجميّل، مثلاً، أم شارع الملك سلمان بن عبد العزيز، أم فلان وعلتان؟ إشكاليّة تسمية الشوارع، في بلد كلبنان، طبيعي أن تكون شائكة وأبديّة. لا حلّ لها. هذا صراع إرادات.

بالمناسبة، تسميّة ذاك الشارع، القريب مِن مستشفى «الزهراء» (ضمن نطاق الغبيري) باسم الشهيد مصطفى بدر الدين، حصلت قبل أكثر مِن سنة. اللافتات هناك قائمة منذ تلك المدّة. اليوم يحصل الاعتراض فجأة! هل لهذا علاقة بالشيء المُسمّى «محكمة دوليّة»؟ الاتهام في المحكمة حوّله الفريق السياسي لوزير الداخلية إلى نكتة سمجة ممجوجة. ولم يعد ممكناً، بعد مهزلة اتهامات 2005 وما تلاها، التعويل عليها لبناء مسارات سياسية وقرارات «شرعية». وفي الأصل، لم يعد يحقّ لمن عفا عن قاتل رئيس حكومة أن يحمل سيف «العدالة» الصدئ ليحاسب أبطالنا.

عموماً، قانون البلديّات، في المادّة 49 مِنه، يُعطي البلديّات «حقّ تسميّة الشوارع في نطاقها». صحيح أنّ المادّة 62 مِن القانون المذكور تُخضِع هذه التسمية لتصديق وزير الداخليّة والبلديّات، إلا أنّ المادة 63 مِن القانون نفسه تنصّ على الآتي: «تُعتَبر القرارات المبيّنة في المواد السابقة (مِن ضمنها تسمية الشوارع) مُصدّقاً عليها ضمناً إذا لم تَتخذ سُلطة الرقابة الإداريّة المختصّة قرارها بشأنها خلال شهر مِن تاريخ تسجيله». إذاً، قرار بلديّة الغبيري قانوني تماماً، حيث كانت أخطرت وزارة الداخليّة بالأمر، رسميّاً، قبل أكثر مِن سنة، مِن دون أن يردها أي رفض أو تعليق. أكثر مِن ذلك، عادت وأرسلت تذكيراً بالأمر بعد سنة، وكذلك لم يردها أيّ ردّ... وهكذا، وفقاً للقانون، تسمية الشارع قانونيّة ثابتة.

إلى هنا تبقى الأمور في إطارها القانوني النظري، وكذلك في السياسة ضمن السجال التقليدي. لكن ثمّة إشارة مقلقة في تصريح الوزير المشنوق أمس، إذ قال إنّ الوزارة «ستوجّه كتاباً إلى بلديّة الغبيري، غداً (اليوم)، تطلب بموجبه إزالة اللافتات». هل ستُزال اللافتات فعلاً؟ المشنوق، عادة، أعقل مِن ذلك. ما المخرج؟ ببساطة، يُمكن للوزير هنا أن يُطبّق المبدأ الذي اختاره هو نفسه للرفض، أي، حرفيّاً: «يتعلّق الأمر بخلاف سياسي، يتداخل فيه الطابع المذهبي بالأمني، وينشأ بموجبه خطر على النظام العام». مَن يُقرّر أن يلعب، بحماقة، في قضيّة مِن هذا النوع، فعليه أن يتوقّع ألا تبقى لافتة قائمة باسم أيّ كان في لبنان... وليس اسم رفيق الحريري استثناء في ذلك. مصطفى بدر الدين اسم يتجاوز صاحبه. اسم يمثّل حالة، قيمة، وجدان، روح قوم لا ينامون على ضيم. مصطفى بدر الدين بطل مِن بلادنا. مَن لا يراه كذلك فهذا شأنه، له ذلك، أمّا أن يُعبَث مع ذكره فهذه خطيئة. اسم مصطفى بدرالدين لا يحتمل المزاح.


تعليقات: