كلما أطلّ الربيع، تطلّ زينب على الخيام من جديد

دارت أحداث هذه الواقعة في بلدة الخيام، مطلع عام 1977، عندما كانت زينب محمد ضاهر غريب، زوجة حبيب خريس، في العقد الثالث من العمر، وكان لديهما تسعة أولاد، أكبرهم رياض إبن السادسة عشر...

كانت الحرب الداخلية في لبنان في أوجها، وكانت أم رياض تخاف كثيراً على أولادها فعودتهم أن يحبوا بعضهم بعضا وعلمتهم حب الأرض والوطن.

لم يتوقف رياض عند ما تعلمه من أمه، بل ترجَمَ ذلك عملياً إلى المشاركة مع باقي الشبان والفتية بالحراسة ليلاً عند أطراف البلدة، دون علم أهله خوفاً من أن يمنعوه...

وكيف لا يشارك بالحراسة والبلدة كانت تحت وطأة الإعتداءات الصهيونية المتكررة وخطر السقوط، فمن يحميها ومن يحمي أهلها غير أبنائها الشبان؟

البيت كان قريباً من عيادة الدكتور شكرالله كرم، فكان ذلك مدعاة اطمئنان.

يوم السابع عشر من شباط تحديداً، وبعد أيام من القصف المتواصل، استطاع العملاء والصهاينة اقتحام البلدة، فانسحب شبّان الحركة الوطنية تكتيكياً باتجاه بلدة إبل السقي، أما رياض فقد قرر البقاء في الخيام إلى جانب أهله وإخوته الثمانية الصغار، وعدم التخلي عنهم في وقت المحنة.

أخذ الصهاينة يدخلون المنازل بحثاً عن شبّانها وأبنائها الوطنيين إلى أن وصلوا إلى منزل أبو رياض خريس فدخلوه وهم يصرخون لإرهاب من في البيت... لم يتوجه رياض إلى مخبأ سلاحه وقرر عدم المواجهة فهم أكثر منه عدداً وتجهيزأ وخوفاً من أن يتسبب بذلك بفناء عائلته بالكامل... سرعان ما وجد نفسه وجهاً لوجه أمامهم فسحبوا الأقسام ووجّهوا إليه بنادقهم، لكن زينب كانت أسرع إذ نهضت كلمح البرق، لتحضن إبنها وتحول دون وصولهم إليه، فكم ستشقى في حياتها لو أصابوا فلذة كبدها بمكروه.

حاولوا إرهابها علّها تتركه، فهل تتخلى عمن هو أغلى من روحها؟

بقيت تحضن إبنها وتصرخ بكامل قدرتها إلى أن إنطلق رشق ناري فأصيبت في رقبتها، لكن عزيمتها كانت أقوى... مرّت لحظات ولم تتراجع فيئسوا المحاولة وانسحبوا ليبحثوا عن مكان آخر ينفذوا فيه جرائمهم.

راحت زينب تتلمس كل بقعة من جسم إبنها وتحمد الله أنهم لم ينالوا منه، وهي تعضّ أسنانها بقوة، بسبب جرحها الأليم.

أُبلغ الدكتور شكرالله كرم بالأمر، فهبّ للمساعدة رغم الخطر المحدق، بعد معاينة الجرح أبلغهم أنه يتوجب نقلها إلى المستشفى واستحالة إنقاذها دون ذلك، وما أن انتهى من تقديم الإسعافات الأولية اللازمة حتى جاءه من يبلغه بوجود جريح ينزف موجود في العيادة.

بعد فترة وجيزة من عودته إلى عيادته إنتشر خبر مقتل رمز الصمود، الدكتور شكرالله كرم، في عيادته بينما كان يداوي أحد المصابين، فزاد ذلك في آلام الجرحى وخيّم الحزن على كامل البلدة.

أما زينب فقد بقيت أسابيع قليلة تعاني من المضاعفات جرّاء إصابتها، إلى أن توفيت يوم السابع من نيسان من ذلك العام.

أليست الشهيدة زينب غريب من أجمل الأمهات أيضاً؟ وما أكثرهن في الخيام...

وهل سيتمكن العدو من الخيام طالما إرادة التضحية والفداء التي نستمدها من الأمهات مزروعة في نفوسنا؟

الخيام ستبقى شامخة...

ومع إطلالة كل ربيع ستطلّ زينب غريب على الخيام من جديد!

تعليقات: