احتيال أم واسطة أمام مركز الميكانيك؟

المعاينة الميكانيكية
المعاينة الميكانيكية


«القانون لا يحمي المغفلين» إلا أنها لا تنفي صفة المواطنية عن هؤلاء

«المغفلين» الذين لهم الحق بمساءلة القوى الأمنية عن كبح ضروب الاحتيال أو «الواسطات» الحاصلة أمام مركز معاينة السيارات التي تؤدي إلى اجتياز أي سيارة الفحص الميكانيكي بجدارة رغم العلل الموجودة فيها

رشق من الكلام: «ميكانيك، معاينة، تأمين شخصي، تأمين شامل، تأمين إلزامي، كفالة...». رشق يمطرك به السماسرة المنتشرون على طول الشارع الذي يضم مركز المعاينة الميكانيكية في محلة الجاموس. هم ينتشرون كما زملاؤهم من سماسرة معارض السيارات الموجودة على طول طريق صيدا القديمة. لكن، بما أن آلية عمل سماسرة بيع السيارات وشرائها معروفة مسبقاً، فإن عمل سماسرة المعاينة يبقى غامضاً إلى أن يختبره الشخص بنفسه، ولا سيما أن أحد العروض المقدمة هو «نجاح السيارة في اختبار المعاينة من الدورة الأولى، مهما بلغت درجة سوء حالة السيارة». لذلك، قصد «سامر» مركز الميكانيك لمعاينة إحدى السيارات، ومعه «الأخبار» شاهدة.

على طول الشارع الممتد أمام مركز المعاينة يقف عشرات السماسرة، فاستوقف سامر أحدهم، ويدعى شادي. أطلعه على نيته إجراء معاينة للسيارة، فأجاب شادي: «الموضوع عندي، لا تروح ولا تجي، أنا بخلصلك ياها وبنجّحا بالامتحان». كل ذلك بمقابل 40 ألف ليرة، أضف إليها رسم مركز المعاينة البالغ تقريباً 20 ألف ليرة.

يطلب شادي أخذ السيارة وإعطاءه دفترها وهوية مالكها كي يستحصل على نسخة عنهما ليقدمهما إلى الموظفين في المركز. ومن ثم أخذ شادي السيارة وذهب للحصول على النسختين ودفع الرسوم المفروضة على المعاينة. لحظات ويعود قائلاً بأن موظفي الصندوق رفضوا الأمر وطالبوا بحضور صاحب العلاقة شخصياً. وعليه تكفل سامر بدفع المطلوب ثم عاد إلى السمسار كي يُدخل السيارة إلى مركز المعاينة، لكنه فوجئ بطلب شادي منه أن يأخذ السيارة بنفسه، فحصل جدال على مدى 5 دقائق بين الطرفين، استعمل خلاله شادي مهاراته المتقنة في طرق الإقناع، لأن أساس الاتفاق «الشفهي» يقضي بتسلمه هو للسيارة من بداية العملية حتى نهايتها، وطبعاً الدفع سلفاً.

قبل دخولنا بالسيارة إلى مركز المعاينة، طلب منا السمسار إدخالها إلى أحد الكاراجات القريبة من المكان، حيث تكفل العامل فيه بفحص الإشارات والأضواء والمسّاحات وحزام الأمان. بعدها وقفنا في طابور الانتظار وفُحصَت السيارة، إلى أن خرجت بنتيجة مفاجئة، وهي «راسبة» بسبب عدم ثبات المقعد وعطل في حزام الأمان. نعود إلى شادي «غاضبين» بسبب الفشل بالامتحان، لكنه يبرر بأن الأمور لا تزال جارية وفق خطته مع الوسيط الذي يعمل داخل المركز كي لا يفتضح الأمر. فأخذ منا السيارة وأدخلها إلى الكاراج فـ«نقطتين لحام وبرغي صغير وبيمشي الحال». بعدها، نعود نحن لمعاودة الفحص عبر باب «معاودة الفحص»، فتنجح السيارة ويفوز سامر بشهادة معاينتها.

«تعا لعندي لأضحك عليك»

أثناء تصليح عامل الكاراج ما وجب تصليحه بالسيارة، سألناه عن العملية برمتها (السمسرة)، فاعترف بأن الأمر كله «ضحك بضحك». وحسب ما يقول، لا أحد من السماسرة على علاقة بمستخدمي مركز المعاينة، بل إن الأمر لا يتعدى الكلام المعسول وحنكة في الأداء «والضحك على العالم ماشي». يقول: «نريد أن نعيش. الحياة تختصرها عبارة واحدة: تعا لعندي بضحك عليك، بروح لعندك بتضحك عليي». من جهته، لا ينفي أحد المعاينين داخل المركز أن يكون لدى بعض العاملين علاقة بسماسرة يتقاضون منهم عمولة معينة لقاء التخفيف من حدة الإجراءات المتبعة عند فحص السيارات، إلا أن سمساراً آخر اسمه نادر، يؤكد أن عمله لا يعدو أن يكون فن الإقناع بما هو غير موجود، وباختصار «هو ضحك عالناس والمعتر بياكل الضرب».

وبعد انتهاء التجربة، لفت مسمعنا حديث دار ما بين سمسارين كانا في المكان: «انتبه. التحري حد البوابة». حينها سألنا نادر عما إذا كانت الدوريات الأمنية تلاحق «المحتالين»، فردّ بالإيجاب مع بعض التحفظات التي تطال سمعة التحريين وأداءهم لناحية تلقي الرشوة أو «مَونة الصداقة» التي تؤدي في معظم الأحيان إلى إفلات المحتالين من العقاب.

تعليقات: