ميرزا وصقر يرفضان حضور ريمون عازار تشييع والدته

العميد ريمون عازار
العميد ريمون عازار


لن يتسنّى للمدير السابق للمخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن ريمون عازار حضور مراسم تشييع والدته المتوفاة سعدى نسيب بطرس عازار يوم غد السبت، لا في كنيسة قلب يسوع في محلّة بدارو، ولا قبل أن توارى الثرى في مدافن العائلة في بلدتها مشموشة في جزين.

هذا ما قاله أمس، المحقّق العدلي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي صقر صقر، ردّاً على الطلب القانوني الذي قدّمه له الوزير السابق المحامي ناجي البستاني بوكالته عن عازار، معلّلاً قراره شفهياً بعدم الاختصاص، وذهب إلى أبعد من ذلك بالامتناع عن تدوين الطلب لديه.

فقد أبلغ صقر المحامية غلاديس كرم من مكتب البستاني، بأنّ الأمر ليس من اختصاصه، فطلبت منه تدوين رأيه والمادة القانونية التي استند إليها، والجهة المعنية بالنظر فيه، فرفض وخرج من مكتبه.

كما رشح في «العدلية» أنّ النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا غير موافق على السماح للعميد عازار بحضور الجنّاز، مذكّراً برفضه سابقاً عندما كان قاضياً أوّل للتحقيق في بيروت بردّه للطلب الذي قدّمه له المحامي أكرم عازوري لكي يأذن لموكّله وزير النفط الأسبق شاهيه برسوميان بحضور تشييع والدته فدفنت وبكاها إبنها من سجنه وهو الذي عاد وخرج من السجن وزار ضريحها قبل أن يتوجّه إلى منزله، ثمّ منحه مجلس النوّاب اللبناني قراراً بالبراءة من ملفّ بيع الرواسب النفطية وذلك يوم الثلاثاء في 16 آب من العام .2005

وقد اختلفت الآراء القانونية حول الجهة التي يقدّم لها طلب السماح للسجين بحضور الدفن، في ظلّ اعتبار القاضي صقر صقر نفسه غير ذي صفة، ولعدم وجود نصّ قانوني يرعى مثل هذا الأمر وكأن المشترع لم يلتفت إليه فبقي ثغرة تحتاج إلى درس وتمحيص.

فهناك قانونيون يقولون إنّه طالما أنّ الملف بحوزة المحقّق العدلي صقر، فإنّ صلاحية البتّ فيه تعود له وحده، ولا تدخل ضمن نطاق عمل النيابة العامة التمييزية بصفتها نيابة عامة عدلية، على غرار ما يحصل عند تقديم طلب تخلية السبيل، فيرفع إلى المحقّق العدلي، وليس إلى النائب العام العدلي، على أنّ المحقّق العدلي يأخذ رأي النيابة العامة المذكورة وتبقى الكلمة الأخيرة له في الموافقة عليه أو رفضه.

وهناك قانونيون آخرون يقولون بأنّ الطلب يقدّم للنائب العام العدلي والمقصود في حالة عازار، ميرزا، فيحيله بدوره على القاضي صقر لإبداء الرأي على أنّ الكلمة النهائية تبقى للقاضي ميرزا، فيعطي رأيه فيه سلباً أو إيجاباً!.

كما أنّ هناك قانونيين يعتبرون أنّ النيابة العامة التمييزية تتخذ على مسؤوليتها، تدبيراً يبقي السجين عازار موقوفاً، ولكن يسمح له بحضور تشييع والدته تحت كنف حراسة أمنية مشدّدة.

واستغربت مصادر مقرّبة من وكلاء الدفاع عن الضبّاط الأربعة التعاطي السلبي مع مسألة إنسانية، وقالت إنّ رفض القاضيين ميرزا وصقر يأتي بعد تصريح النائب وليد جنبلاط عن إمكانية تهريب الضبّاط من السجن، كما حصل مع فرار أربعة مساجين من سجن زحلة يوم الأحد في 24 شباط ,2008 واعتبرت أنّ كلام جنبلاط هو للضغط على القضاء لعدم إخلاء سبيل أحد منهم وعدم التجاوب مع أيّ من طلبات جهة الدفاع.

وأضافت أنّ الجناز المنوي إقامته عن روح والدة عازار في كنيسة قلب يسوع في محلّة بدارو يبعد نحو مئة متر عن مركز قاضي التحقيق العدلي، وأنّ الاعتبارات الأمنية التي تسمح بمثول عازار أمام القاضي صقر هي ذاتها، تسمح له بحضور جنّاز والدته على بعد مسافة قريبة جدّاً.

أسبقيات

ولم يكن طلب البستاني الأوّل من نوعه الذي يتسلّمه القضاء اللبناني منذ نشوئه بغية السماح لأشخاص موقوفين أو محكومين بحضور الوداع الأخير لعزيز عليهم، بل تحفل سجلاّت القضاء والمحاكم بأسبقيات كثيرة من هذا النوع حيث كان السجين يعطى إذناً يخولّه الخروج من سجنه بمواكبة أمنية تتكفّل بها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، لإلقاء النظرة الأخيرة على من فقده بالموت، من والديه، سواء في المساجد أو الحسينيات أو الكنائس أو الخلوات، وقبل مواراته في الثرى.

كان القضاء يتجاوب مع هذا الطلب الإنساني، ولا يتردّد في إبداء موافقته عليه وبالسرعة اللازمة، ولا يستنكف عن اعتبار نفسه غير متخصّص، أو أنّ الأمر ليس من صلاحياته، فالقاضي المعني بإصدار مذكّرة التوقيف، أو النائب العام، استئنافياً كان أم تمييزياً، هما الوحيدان المخوّلان، في نهاية المطاف، بإعطاء التعليمات بسوق هذا السجين أو ذاك موقّتاً، ومهما كانت التهمة المسندة إليه لرثاء حبيبه بالبكاء عن قرب.

ومن هذه الأمثلة المحفوظة في «أرشيف» القضاء، نذكر السماح للمستشار السياسي السابق لقائد «القوّات اللبنانية» سمير جعجع، الدكتور توفيق الهندي الذي كان يحاكم أمام المحكمة العسكرية بجناية الاتصال بالعدوّ الإسرائيلي، بحضور دفن والدته. وبالفعل تولّت دورية من سرّية السجون في قوى الأمن الداخلي اقتياده من مكان توقيفه في سجن «رومية» المركزي، إلى حيث كان يقام التشييع، وبقي محاطاً بالعناصر الأمنية بالزيّ الرسمي إلى حين الانتهاء من الدفن ثمّ أعيد إلى زنزانته.

وجاء طلب البستاني إلى صقر تحت عنوان «اشتراك بجنازة الوالدة وبالصلاة لراحة نفسها» وتضمّن التالي:

إلى رحمته تعالى انتقلت والدة المدعى عليه (عازار)، عشية الأربعاء الواقع فيه 27 شباط ,2008 بعد معاناة استمرّت ثلاثين شهراً، وكانت بالتأكيد، في جانب كبير منها، نتيجة للوضع المفتقر إلى المرتكز الواقعي والسند القانوني، الذي فرض على المدعى عليه منذ الثلاثين من شهر آب ,2005 بالتلازم مع تجاوز كلّي للمطاليب التي عرضها هذا الأخير في العديد من المذكّرات التي تقدّم بها وتتناول الاسناد وصحّته وثبوته، علماً أنّ الاخيرة منها، التي تعود إلى 16 شباط ,2007 وتتضمّن طلباً باسترداد المذكرة بتوقيفه وإلا بتخلية سبيله، لا تزال عالقة حتى تاريخه ولم تقترن بعد بأي قرار.

نظراً للطابع الإنساني الصرف الذي تتسمّ به مشاركة المدعى عليه في جنازة المرحومة والدته، وبالأخصّ بحكم الظروف الموصوفة أعلاه وما رافقها مؤخّراً من مواقف إعلامية، وكانت سبباً أساساً لوفاتها، توخت العائلة تحديد موعد الجنازة ظهر يوم السبت في الأول من آذار ,2008 أي بعد اكثر من يومين، ومكانها في كنيسة القلب الأقدس في بيروت وليس بلدتها مشموشة، يقيناً بأنكم ستسمحون للمدعى عليه بأن يشارك في جنازة والدته وبالصلاة لراحة نفسها، وذلك بين الساعة الحادية عشرة والثالثة عشرة من يوم السبت المذكور.

وهذا أقلّ ما يحقّ للمدعى عليه ولعائلته المطالبة به في هذه المناسبة الأليمة والأليمة جداً التي يقف أمامها الجميع، بدون أيّ استثناء، صاغرين وسواسية أمام إرادة الباري، وهذا ما تقرّ به وتكرّسه جميع الشرائع، فكلنا على هذه الدرب سائرون.

تعليقات: