عذراً أيها الطبيب


مريضة سرطان هي، في أحد المستشفيات الكبرى في العاصمة، وبقلق ووجع تنتظر طبيبها كي تخبره عن مضاعفات ذاك العلاج الكيميائي الذي يتلف روحها لا خلايا سرطانها فقط... لتخبره عن معاناتها، عن حساسية جعلت جلدها الأبيض الجميل بني اللون، عن وجع يكسر ظهرها، عن إسهال حاد يوهن جسمها، عن ورم في رجليها يشلّ حركتها...

مريضته هي.. وجد أسئلتها كثيرة، لا يمكنه سماعها كلها، جدول أعماله مثقل بعدد المرضى: "انظري كما سوق الخضرة هذا المكان".. هكذا قال لها.. وما أقسى ما قال.. عليها وعلينا نحن الذين كنا نزورها...

هو قسم مستحدث.. صالة كبيرة كانت.. قُسمت، بالبرادي الى غرف كثيرة، تتسع الغرفة لكرسي للمريض يصبح سريراً، ستاند للدواء وتلفزيون معلق في السقف، طاولة صغيرة وكرسيين للضيوف...

غرف كثيرة مكتظة بالرجال والنساء، تحكي ملامحهم عن معاناتهم مع خبيث يؤلم القلب والروح والوجدان، عن وجع يغزو المسام والأحشاء.. عن قدر محتوم قد تنقذه أو لا جرعة دواء...

استاء ذاك الطبيب من كثرة الأسئلة، من كثرة المرضى...

مهلاً أيها الطبيب.. يأتون إليك من وجع، من يأس بحثاً عن شفاء وأمل..

أخطأت التعبير أيها الطبيب.. ليتهم في سوق خضرة، عجقته دليل عافية وحركة وصحة، سوق خضرة يستحلون فيه ما لذّ وطاب، وما تشتهيه نفوسهم من فاكهة وخضار يسيل لها اللعاب.. ليتهم ما احتاجوا زيارتك ولا احتاجوا ذاك الدواء الذي يجري في عروقهم ويزيد أسئلة وجعهم وآلامهم...

لا تغضب أيها الطبيب.. لا تغضبوا كلكم.. رسل رحمة أنتم.. ابحثوا لماذا صرنا في سوق خضرة.. عجقته ليست دليل عافية ولا صحة، لا نختار منه الأطايب بل تكوينا فيه أشعة الكيميائي ونموت فيه من وجعٍ وتعب وانهيار...

تعليقات: