10ملايين دولار خسائر زراعية وحيوانية في حاصبيا والعرقوب

مزارعان يحضران الأرض لزراعتها
مزارعان يحضران الأرض لزراعتها


من طوفان نيسان 2006 إلى العدوان وصولاً لعواصف العام الحالي والخسائر في ازدياد

القطاع الشرقي :

يشارك المزارع سعود الزهران من بلدة وادي خنسا بهمة عالية لزراعة سهوله المترامية بالبطيخ. بدت الورشة وكأنها تسابق الوقت. يحاول الزهران أن يستغل إنتاجا باكرا يعوض ولو جزء بسيط من الخسائر الفادحة التي تكبدها والمزارعين أمثاله في المنطقة. يتنهد الزهران من قلب يعصره الألم ليقول «نحن هنا على خط النار مع العدو الإسرائيلي، تكبدنا في خلال العامين الماضيين خسائر يمكن كارثية». لمزارعي المنطقة «بذمة دولتنا ثلاثة مستحقات مالية لم نحصل منها على قرش واحد، بالرغم من الظروف القاسية التي نعيشها». التعويض الأول ناتج عن طوفان نيسان عام 2006 بعدما غرقت المزروعات بالمياه، والثاني عائد لحرب تموز التدميرية التي أتت على المشاريع الزراعية والمواسم في حقولها كافة اضافة الى معداتها، اما الثالث فتسببت به موجة صقيع كانون الثاني وشباط. يقدر المزارعون خسائرهم بحدود عشرة ملايين دولار اميركي، عائدة لعشرين مشروعا زراعيا كبيرا، ولحوالى ألف مزارع. و«للإنصاف» ـ يضيف الزهران ـ دفع حزب الله وحده أربعة آلاف دولار اميركي لكل مزارع كمساعدة عاجلة، لكننا نبقى جميعا ننتظر وبقلق حقوقنا من دولتنا».

الكوارث المتعاقبة التي حلت بالمنطقة أتت على المزروعات الصيفية والأشجار المثمرة وشبكات الري من اقنية الى خزانات وأنابيب وجدران دعم وبيوت بلاستيكية ومضخات وجرارات. جاءت الضربة قاضية وطالت القطاع الزراعي بشكل غير مسبوق، بحيث قدرت الأضرار بأكثر من عشرة ملايين دولار أميركي، حسب تخمينات قامت بها فرق فنية تابعة للجيش اللبناني ووزارة الزراعة ومجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة، إضافة إلى خبراء محلفين استعان بهم العديد من كبار المتضررين لحفظ حقوقهم. وحسب وثائق رسمية موقعة من الجهات المعنية الرسمية بعدما جالت على السهول الزراعية في سردة ـ الماري ـ عين عرب ـ وادي خنسا ـ الوزاني ـ المجيدية أثبتت لديها فداحة الأضرار، بحيث لم يبق أمام المزارعين سوى التضرع لله للحصول على تعويضاتهم، بكل شفافية ومسؤولية حتى يتمكنوا من تسديد الديون المستحقة للمصارف أو للتجار، والعودة لاستئناف أعمالهم في حقولهم.

يشير أحد أصحاب المشاريع الزراعية الكبيرة في وادي خنسا، الى أن الخسائر الزراعية في المنطقة الحدودية كانت كبيرة جداً، خاصة بعدما تكررت الكوارث ثلاث مرات في فترة اقل من سنتين. لم تقتصر الخسائر على المواسم التي تلفت في حقولها فحسب، بل تعدتها الى البنى التحتية للمشاريع. فالقذائف وهي بالآلاف أحدثت في الحقول حفرا متفاوتة الأحجام، ومن بين هذه القذائف ما هو فوسفوري حارق، انبعثت منها روائح كريهة خانقة عملت أيضاً على تغيير لون التراب، وهناك خوف من أن تكون لها مفاعيل سلبية على المواسم الزراعية بشكل خاص، وعلى الوضع البيئي بشكل عام. مزقت القذائف أيضاً الأنابيب والقساطل المستعملة في الري، والتي يزيد طولها في السهول المحيطة بمجرى الحاصباني والوزاني عن الثلاثين كيلومتراً، وسجلت أضرار بأقنية الري والخزانات والمضخات والآبار الإرتوازية والجرارات الزراعية وسيارات الشحن الصغيرة. يومها عاد المزارعون الى الصفر «وعلى الجهات المعنية النظر في مأساتنا بكل جدية، ومساعدتنا عبر دفع مستحقاتنا، لنتجاوز هذه المرحلة الصعبة، مع الأخذ بالحسبان ثمن المعدات الزراعية والمضخات والآليات، إضافة الى التلف الحاصل بالمزروعات، خاصة البطيخ او الشمام والبصل والبطاطا والبندورة والتوت والبامية واللوبياء، لتزاد عليها أضرار الأشجار المثمرة خاصة الزيتون والكرمة والدراقن، الخوخ والتفاح»، هو ما يجمع عليه المزارعون.

ويقول محمود الزهران، صاحب مشروع آخر «نحن أصحاب المشاريع الزراعية الكبيرة، علينا سندات شهرية مستحقة منذ اعوام عدة للمصارف بسبب السلف والقروض، وفي ظل الأوضاع المأساوية التي حلت، بتنا عاجزين عن تسديدها مما سيرتب علينا فوائد جديدة ترفع من عجزنا، ونحار كيف سنعالج هذا الوضع الكارثي، فهل ستتدخل الدولة بعد طول تنكر لدفع تعويضاتنا بشكل منصف ام ستبقينا في دائرة التجاهل والنسيان؟».

الزهران كشف ان العديد من كبار المزارعين في العرقوب لجأوا الى الخبراء المحلفين، ليوثقوا اضرارهم بمستندات وصور رسمية موقعة من مختلف الجهات الرسمية المعنية، والهدف حفظ الحقوق في حال تلكأت الدولة عن دفع المستحقات.

يذكر غازي قيس رئيس بلدية الماري بأنه لم يتم دفع مستحقات أصحاب المؤسسات الخاصة في البلدة والجوار والتي نتجت عن عدوان تموز، علماً بأن لجان مجلس الجنوب كانت قد أنجزت الكشوف، كذلك بالنسبة للأضرار الزراعية حيث هناك حوالى ألف دونم في سهل الماري كانت مزروعة بالبطيخ والشمام والبصل تلفت بالكامل، وهي تضاف الى حوالى ألفي شجرة زيتون احترقت بفعل القصف، ثمن الشجرة الواحدة منها يتراوح ما بين 150 و200 دولار، وبالرغم من مرور هذه الفترة الطويلة فلم تدفع المستحقات للمتضررين.

يشير المزارع صالح البطحيش من الماري إلى أن مزارعي العنب والصبير لم يستفيدوا ولو بقرش واحد من كرومهم، لأن موسم قطافها تزامن مع بداية العدوان، وهناك صعوبة في تقدير الإنتاج من قبل لجان التخمين، فالثمار تلفت وباتت طعاماً نهماً للخنازير، إنتاجها يقدر بحوالى ألف طن عنب وأربعمئة طن صبير.

ويتحسر جميل الحمرا على موسم التفاح الذي تساقط أرضاً، وكذلك الأشجار فهي أصيبت بالتسوس وبأمراض مختلفة، بسبب عدم تمكن المزارعين من رش المبيدات والري، قدرت الخسائر بأكثر من عشرين ألف صندوق. ويشير الحمرا إلى أن لجان التخمين لم تصل الى هذه البساتين، بالرغم من سلسلة النداءات فالى من الشكوى؟

في شبعا، يقول رئيس البلدية عمر الزهيري إن الإنتاج الزراعي الصيفي في بساتين البلدة كافة، من خوخ وتوت ودراقن وإجاص وتفاح سقط أرضاً، ولم يتمكن المزارع من الاستفادة ولو بقرش واحد، وعندنا هنا حوال مئتي مزارع ينتظرون مواسمهم سنوياً. ويأمل الزهيري من الجهات المعنية التعويض وبشكل سريع، ومد يد العون لهذه الشريحة من الناس التي تحدت الصعاب والقذائف وصمدت في ارضها، الزهيري يضيف رعاة الماشية بدورهم خسروا أكثر من خمسمئة رأس هي مورد رزقهم. «يكفينا هنا ـ يقول الزهيري ـ خسارتنا أراضينا الخيرة في مزارع شبعا منذ عشرات السنين دون أي تعويض، علماً ان هذه المزارع كانت تسمى بالخزان الزراعي لشمالي فلسطين وجنوب لبنان وحوران.

يشير رئيس التعاونية الزراعية في شبعا إبراهيم صعب، وبعد إحصاء لخسائر النحالين في حاصبيا والعرقوب، أنه «تبين بأن أكثر من الف قفير نحل احترق بسبب القصف الإسرائيلي الجوي والبري، علما بأن النحل يوضع عادة في المناطق الجبلية بعيداً عن القرى، وهذا ما أدى الى رفع حجم الخسائر في هذا القطاع الذي تعتاش منه حوالي مئتي عائلة».

ويتوقف المزارع لبيب الحمرا عند خسارته مزرعة الدجاج التي يملكها مع شركاء ثلاثة في محيط الماري، فأصيبت «المزرعة بقذائف عدة كانت كافية لتجاوز الخسائر الـ250 ألف دولار، علماً بأن بناء المزرعة وتجهيزها جاء بقرض من أحد المصارف، والتي لا ترحم فوائده، فهي بتراكم يومي تضاعف عجزنا».

يكشف عزت القادري رئيس بلدية كفرشوبا أنه كان قد تقدم من محافظ النبطية بتقرير مفصل عن الخسائر الزراعية والحيوانية التي حلت في البلدة وجوارها نتيجة عدوان تموز، وهذا التقرير مسجل في البلدية تحت رقم 241 تاريخ 21/9/,2006 تضمن أسماء المتضررين في كفرشوبا وعددهم 405 وفي حلتا 101 وفي وادي حنسا .25 وهناك رعاة فقدوا 90 في المئة من مواشيهم مورد رزقهم الوحيد، بحيث قدرت التقارير نفق ألفي رأس ماشية. ووفق القادري، يواجه من تبقى من الرعاة مشكلة المراعي التي زرعت بالقنابل العنقودية، فباتت خطراً عليهم وعلى ومواشيهم معاً وسجل خلال اقل من عامين مقتل راع وجرح خمسة آخرين جراء انفجار القنابل العنقودية. ويناشد القادري الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب والجهات المعنية كافة الإسراع في دفع بدل التعويضات لمستحقيها في هذه المنطقة، ليتسنى لهم التقاط أنفاسهم من جديد والعودة الى أعمالهم في بساتينهم وحقولهم ومراعيهم دون عقبات وبشكل طبيعي.

تعليقات: