طلال سلمان: الجمهورية بخير.. طمنونا عنكم!


لبنان بلا دولة..

من زمان اختفت الحكومة في لبنان،

وقبل ذلك بدهور تهاوى دور المجلس النيابي كمرجع للتشريع والقرار، الا في مجال “الاستدراك” و”الاستلحاق”، بمعنى تبرير وتشريع ما سبق أن قررته الحكومة، خلال “غيابه”.. بذريعة “الضرورة”!

والحكومة تقرر مطمئنة إلى أن احداً لن يحاسبها على قراراتها، لا سيما في مجال الانفاق:

ـ تحدث اعطال في الشبكة الكهربائية فبدلاً من أن نُصلحها، او نطورها بزيادة القدرة على توليد الطاقة، نعمد إلى استئجار البواخر، التركية على وجه التحديد، لان حصة السماسرة من المسؤولين اللبنانيين (والاتراك) هي الأعلى في التاريخ الحديث.. والمستفيدون معروفون بالألقاب والاسماء والعائلات حسب معدلات العمولة: 20%، 25%، 30 في المائة وهلم جرا..

ـ تستدين الدولة مطمئنة إلى حكمة “حاكم مصرف لبنان” وقدراته على جدولة ديونها، ثم إعادة جدولة هذه الديون، ثم على “رشوة” المصارف برفع سعر الفائدة او خفضها، حسب مقتضيات الحال.

..ولان المواطن “خبير بجدولة ديونه فهو يفهم هذا التعبير المعقد بدلالاته الاقتصادية بحكم تجاربه العديدة في هذا المجال.

ولان هذا المواطن “خبير” بالعطلات الرسمية، فهو يعرف أن “انتخاب” رئيس جديد للجمهورية يحتاج بين ثلاث إلى خمس سنوات، وان عمر مجلس النواب المحدد دستوريا بأربع سنوات قد يمدد سنتين لمرة واحدة او لمرتين… وقد يعيش عشرين سنة فينتخب اربعة رؤساء للجمهورية بين 1970 و1989.

..ويعرف أن بعض الحكومات ولدت ـ قيصريا ـ مع تسمية رئيسها، وان بعضها الآخر قد تأخرت ولادتها اسابيع للتفاهم على توزيع الحصص ومن يأخذ الحقائب المليئة ومن ترمى عليه حقائب وزارات الدولة التي لا تسمن ولا تغني عن جوع..

..ويعرف أن البلاد يمكن أن تعيش بلا رئيس للدولة سنتين وثلاثا، فيبقى القصر الجمهوري فارغاً وتستمر الحياة بحفلاتها الصاخبة والبؤس الضارب اطنانه خارج العاصمة والمحافظات المحظوظة.

.. وان الدولة يمكن أن تعيش لشهور بحكومة تصريف أعمال، وبمجلس ممدد لنفسه، “حتى لا يقع فراغ في السلطة”!

بل أن هذا الشعب يعرف ـ بالتجربة المرة ـ أن الدولة يمكن أن تعيش بلا “شعب”، أو بشعوب عدة، لا يهم أن تكون مؤتلفة او مختلفة..

كذلك فان الدولة يمكن أن تعيش بحكومتين، احداهما عسكرية وغير شرعية، بعد استقالة نصف وزرائها، والثانية شرعية ولكنها غير مكتملة.. وان “الحكومتين” تعايشتا لفترة في ظل “حربين” شنهما رئيس الحكومة العسكرية الجنرال على الداخل، مرة باسم “التحرير” والثانية “حرب الالغاء”.

على هذا فليس امراً طارئاً ولا هو حدث استثنائي أن تكون البلاد قد عاشت ثمانية اشهر، حتى اللحظة، من دون حكومة.. فكل الامور تمشي على ما يقدر الله: رئيس الحكومة المكلف يعقد جلسات التشاور، وشبه مجلس للوزراء، في منزله، والوزراء يداومون ـ متى شاءوا ـ في مكاتبهم، ويظهرون على الشاشات فيصرحون (بغض النظر عن عدد من يستمعون اليهم)..

أما مجلس النواب فقد اقتصرت جلساته على لقاء الاربعاء في منزل رئيسه في عين التينة حيث يختلط الحابل بالنابل ويظل التصريح من اختصاص نائب بالذات جعله “صاحب الدولة” الناطق باسم اللقاء.

لماذا الدولة، اذن؟

إن لبنان بألف خير، ووضعه أفضل من اوضاع كثير من الدول المحيطة، جمهورية وملكية وإماراتية.. والجبال مكللة بالثلج، والدولة بلا موازنة، وعدد المغادرين ـ لا سيما من الشباب ـ اكثر بما لا يقاس من عدد العائدين..

نحن بخير .. طمنونا عنكم!

تعليقات: