الخادمات الأجنبيات في لبنان·· الهرب أو الإنتحار بحثاً عن الحرية

احدى الخادمات الأجنبيات التي انتحرت بشنق نفسها
احدى الخادمات الأجنبيات التي انتحرت بشنق نفسها


المرأة تعمل لتعيل عائلتها أو زوجها وحكومات بلادهن تشجعهن

الجنوب -

كُتب على جبيني الأسود، أن أهاجر وأتعذب، وأقضي 3 سنوات على الأقل حتى أعود، محملة بالمال والهدايا، فنبني منزلاً، ونتزوج·

هذه رسالة قد تكون كتبتها "نيمالي شنديما" من التابعية السيريلانكية في دفتر مذكراتها، قبل أن تنتحر، لأن خطيبها أرسل إليها رسالة يخبرها بأنه تزوج·· فوُجدت ليل 6 شباط 2008 مشنوقة في حمام منزل مخدومها (أسعد · ت) في بلدة كرخا - قضاء جزين، وقبلها في 18 آب الخادمة السيريلانكية اسوشارة بيل روكسي (18 عاماً) شنقت نفسها من على شرفة مخدومها في حارة صيدا·

كل يوم نسمع بقصة مماثلة وإن تعددت الأسباب، فالحقيقة واحدة·

"لــــواء صيدا والجنوب" يلقي الضوء على معاناة الخادمات الأجنبيات وظاهرة الإنتحار المتفشية في عدد من منازل صيدا والجنوب·

لأنهن يتقاضين ما يتراوح بين 13 و44 دولاراً شهرياً في بلدانهن الفقيرة، ولأنهن بسحب الإحصاءات الحكومية فإن 23% من عائلات الخادمات الأجنبيات تعيلها امرأة، قررت عائلاتهن وأزواجهن وحتى الحكومات تشجيعهن على الهجرة، فالحكومة السيريلانكية مثلاً، تقدم منحاً دراسية لأولاد النساء الراغبات بالهجرة، لما يجلبن من تحويلات بالعملة الصعبة·

يدخلن لبنان عبر مكاتب الإستقدام ويوزعن إلى البيوت، حسب الطلب وتسويق البضاعة، فـ "السيريلانكية" "بتوجع الرأس"، و"الأثيوبية" "بتلقى دعك"، أما "البنغلاديشية" فيصفها أحد العاملين في مكتب الإستقدام في صيدا بأنها "غبية"، والأفضل الفليليبينية·

صولدات وعروضات

أما في شهر شباط، فهناك "صولدات" وعروضات يقدمها العديد من مكاتب الإستخدام في صيدا والجنوب، هذا بالإضافة إلى اعطاء "ضمانة"· ويقول "محمد" (أحد المسؤولين في مكتب استقدام للخادمات في صيدا): في وقوع أي اشكال "نحن منجيبها ومنرصها"·

أما بالنسبة لإعطائها يوم إجازة فيقول: أنت لك الحرية بأن تعطيها يوم إجازة أو لا···

وهناك جملة يرددها معظم من لهم باع طويل في سوق الخدم وتشغيلهن "الخادمة مثل البطيخة" لا تعرف لونها إلا بعد الذبح"·

وتتراوح رواتب الخدم بين 100 و150 دولاراً، أما صاحبات الخبرة اللواتي تجاوزت خدمتهن 3 سنوات، فأصبحن يتمكن بأسعار تشغيلهن لأنهن يعرفن الكبيرة والصغيرة في القوانين واللغة·

يعمل الخدم في ظل ظروف عمل يمكن أن توصف قانونياً بأنها أعمال سخرة في أكثر الأحيان، فهن:

- يعملن بين 15 و18 ساعة يومياً·

- تتم مصادرة أوراقهم الثبوتية من قبل أصحاب المنازل التي يعملن فيها·

- يتم ارسال رواتب العاملات إلى بلدانهن مباشرة من قبل معظم أصحاب المنازل واحياناً قد يقومون بحسم جزء من رواتبهن لشراء حاجات خاصة بهن أو لإتلافهن بعض أواني المنزل وفي معظم الأحوال لا يملكن يوم عطلة·

هذا فضلاً عن مظاهر العنف الجسدي الذي يتعرضن له من (ضرب، وشد شعر، وحرق وأحياناً "تحرش جنسي"···)·

فمنع الإنتقال والتجول، الإستغلال الإقتصادي، والعنف أو التهديد بالعنف أو ما يعرف بـ "العبودية المعاصرة شكلياً"، هذا كله كافٍ لدفع هؤلاء العاملات إلى الهرب أو الإنتحار··· بحثاً عن الحرية·

تجارب لخادمات

تقول الخادمة الأثيوبية "سوسيلا" - والتي قررت مخدومتها (انعام ·ز) من حارة صيدا أن تناديها "ليلى" بعدما عجزت عن حفظ اسمها الصحيح، "المدام جيدة، أما بناتها يريدونني أن أنفذ ما يطلبون في اللحظة التي ينهون فيها كلامهم، وإن اخطأت، غالباً ما ينتهي الأمر بالضرب"·

في المرة الأخيرة تظاهرت "سوسيلا" بالمرض بحسب أرباب عملها، فاتصلوا بالمكتب، وشدوا شعرها، وهددوها بإنهم لن يعطوها رسائل من أهلها مجدداً، وفي اليوم التالي "أصبحت مثل القردة"·

أما الخادمة البنغلادشية "زهراء" 20 عاماً - تعمل في منزل مخدومتها (لبنى · س) في صيدا، فتقول: أصبح اسمي في قياسٍ زمني "حمارة"·· فكرت بالإنتحار الأسبوع الماضي، ولكنها تذكرت أنها أتت إلى هنا لتساعد عائلتها وتشتري "ماكنة خياطة" وهم بإنتظارها· وتفصح الخادمة السيريلانكية "ساندي" (22 عاماً - تعمل في منزل مخدومتها (غالية· م) في الجنوب "إن المدام تسمح لي بالإستراحة قليلاً، وتتسلى في تعليمي العربية: هذا صحن، هذه ملعقة، وهذا فنجان وهذه ركوة" أما "المستر" فهو "محتال كبير" وبحسب ما فهمت منها، فهو يعاملها بقسوة أمام زوجته العجوز، ولكنه سريعاً يستغل الموقف ويتحرش بها بعيداً عن عيون زوجته·

تقول: "المستر"، "بحبني وبدو يبوسني"، ويعدني بشراء هدية"، تقصد انه "يتحرش بها" ولكنها لا تجيد التعبير·

فكل ما تستطيع أن تفعله تقول: "أتذكر أمي وأشعر بإنها ستغضب إذا عرفت"، فتركض بعيداً·· ألا يعتبر ذلك جريمة يُعاقب عليها القانون!

هاربات من البيوت

أما (جسيكا ·م) من مجدليون - صيدا خدعتها خادمتها، أو مكتب الإستخدام في سيريلانكا، في "سايون" لا تتجاوز الرابعة عشرة من العمرة، لكنها أتت بها على أساس أن عمرها 22 عاماً، تقول: "هي غير قادرة على القيام بكل أعباء المنزل ولا تزال صغيرة جداً، وفي كل مرة أغضب منها، تسارع لرمي نفسها من الشرفة، ففكرة الإنتحار عندها مثل الأكل والشرب·

أما (مريم · أ) من عبرا فتعترف بأن مخدومتها (شاميلا) حاولت الهرب مرتين، والإنتحار في المرة الأخيرة، بعدما تلقت اتصالاً من ذويها يقول إن أمها توفيت بعد صراع مع المرض، حاولت أن اتفهمها وتعاطيت معها بهدوء وتروٍ·

وتقول (دلال · ب) من النبطية، "خادمتي حاولت الإنتحار ليس لسوء معاملتي لها، لقد سرقت مصاغ ابنتي قبل موعد سفرها بثلاثة أيام، وعندما اكتشفت أمرها، حاولت الإنتحار، وتم انقاذها في اللحظة الأخيرة، فكيف لي أن أؤمن لخادمة بعد الآن وأعاملها بحسن نية"·

حيال مثل هذه المعاملات غير الإنسانية التي تتعرض إليها الخادمات بسبب سوء المعاملة أو الضرب أو حتى الإغتصاب، يصل الأمر ببعض هؤلاء الى الإنتحار لوضع حد لمعاملتهن، وأغلب الخادمات المنتحرات ربما كن يحملن آثار ضرب وعض وحروق·· ولكن من يسأل أو يهتم··

أما المسؤولية فتقع على عاتق تجار الرقيق وهم أصحاب مكاتب الإستخدام، وبعدهم الدولة لأنها تتطلع إلى مصلحة المخدوم وليس الخادم

· وأخيراً·· فهؤلاء المساكين بقوا خلال العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، وبقوا في البيوت، تحت عنوان: "إذا كنا سنموت فسوف تموتين معنا، لا يمكنك الذهاب"·

تعليقات: