ويكيليكس فيلتمان من اختفاء الصدر الى الحكومة.. هكذا تعاطى نصرالله بالتفاصيل


تحمل المقابلة التي أجراها الإعلامي غسان بن جدو مع الأمين العام لـ حزب الله السيد حسن نصرالله في طيّاتها الكثير من الأسئلة، فالبعض حفظ كلمة "شاكوش" التي كرّرها نصرالله خلال تعليقه على قضية الأنفاق، وكما هو معروف فإنّ السياسيين يُطلقون بين الفينة والأخرى كلمات "شعبيّة" بهدف ترسيخها في ذهن المتلقي، فيما ذهب آخرون إلى التنقيب سياسيًا بشاكوش السيد.

وقد برز مقال للسفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان (17 كانون الثاني 2019)، الذي ارتبط إسمه في تسريبات وثائق "ويكيليكس" الأميركية وحرب تموز وغيرها.

وهنا تقاطع إسم "ويكيليكس" مع وثائق مسرّبة عن مضمون اجتماع عُقد بين السفير فيلتمان ووزير العدل الأسبق شارل رزق، حينها تحدث رزق لفيلتمان عمّا دار بينه وبين الرئيس ميشال عون خلال لقاء بتاريخ 17 آب 2007، وفيه أعرب عون عن حرصه في العلاقة مع "حزب الله"، حيث قال: "الشيعة في لبنان هم مثل الموارنة من طينة ملح الأرض، وأن الطائفتين تحبان الأرض وهذه هي الخطوة الأولى إلى حب الوطن". وخلال المقابلة مع نصرالله، شدّد الأخير على العلاقة مع "التيار الوطني الحر"، مشيرًا الى أنّ تفاهم مار مخايل الذي عُقد عام 2006، عزّز الصداقة بين الطرفين، وما بعدها في ويكيليكس، وما سبق ذكره هو جزء ممّا قد يكون قد قصده السيد.

كذلك فقد لفت فيلتمان في مقال نشره معهد بروكينغز الأميركي للبحوث والدراسات إلى أنّ ما يعطي "حزب الله" قوة خاصة في لبنان هو قدرة نصرالله على التأكيد أنّ "حزب الله" يمثّل المصالح اللبنانيّة، وليس الأهداف التي تريدها دمشق وطهران، وهنا ذكّر بأنّ الرئيس ميشال عون الذي يعتبره أتباعه أنّه "رمز المقاومة الشجاعة ضد دمشق"، توصّل إلى توقيع إتفاق مارمخايل ومنذ ذلك الحين نشأ حلف ماروني شيعي، والذي كان طريقًا أيضًا لانتخابه رئيسًا.

وعن هذه النقطة قال نصرالله: "نحن مع العماد عون على ما نحن عليه ولم يتغير شيء في العلاقة والتواصل والمودّة والعلاقة مع الرئيس لم تشوبها أي شائبة، والحرص على هذه العلاقة هو حرص شديد".

عسكريًا، قال فيلتمان إنّه وكأي سفير أميركي عمل في بيروت يقيم ذكرى المارينز الذين قتلوا في بيروت، وهذه المناسبة تعكس في كلّ مرة تاريخ وقوة حزب الله، وأسهب في الحديث عن تطوّر الحزب حتّى بات بالقوة الحالية التي دعمه فيها الحرس الثوري الإيراني.

ولفت الى أنّ الحرس الثوري الإيراني بحوالى 1000 عنصر، قام بإنشاء مخيمات تدريب في البقاع في أوائل الثمانينات، كما قال إنّ إيران مُلتزمة بعشرات ملايين الدولارات للحزب في لبنان، ويقدّر البعض أنّ المبلغ الذي تُرسله إيران يتجاوز الـ200 مليون دولار سنويًا، لتغطية الرواتب والخدمات. وبالنسبة لإيران فإنّ "حزب الله" هو مقوّم استراتيجي لتوسيع إيران نفوذها نحو البحر الأبيض المتوسّط، كما تحدّث عن الصواريخ التي يملكها الحزب.

وخلال حديثه عن "حزب الله" في الساحة اللبنانيّة، استشهد فيلتمان بكلام لفريد هوف، المستشار الخاص السابق للبيت الأبيض الذي قال إنّ الناس يسمّون حزب الله بأنّه "دولة داخل دولة"، إلا أنّه وصفه مؤخرًا بأنه "دولة داخل لا دولة".

وقال فيلتمان إنّه على عكس المجموعات اللبنانية التي تحاربت من قبل، فإنّ "حزب الله" تهرّب من أحد بنود إتفاق الطائف عام 1989 والذي ينصّ على نزع سلاح جميع المجموعات الوطنية وغير الوطنية وبقي مسلحًا بصفته "قوة مقاومة" تُحارب إسرائيل في جنوب لبنان.

ومن جانب السيد نصرالله، فقد أكّد أننا "جاهزون من دون شروط وفي أي زمان ومكان ندعى فيه لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية".

وبالعودة إلى فيلتمان، فقد تطرّق الى دخول "حزب الله" إلى الساحة السياسيّة، وقال: "إنّ محاولة مبكرة لإيقاظ النشاط السياسي الشيعي من قبل الإمام موسى الصدر فقدت زخمها الفريد مع اختفائه خلال زيارة كان يقوم بها إلى ليبيا عام 1978. ثمّ التقطت إيران ما بدأه الصدر وحوّلت الشيعة من الطبقة الدنيا إلى ما يعتبر اليوم أقوى قوة سياسية في لبنان، وأحد القوى المستعدّة لفرض إرادتها على البلاد عبر القوة العسكرية وغير ذلك".

وفي هذا السياق، نفى نصرالله أن تكون لدى حزبه رغبة في أن يحكم لبنان قائلا: "لا نحكم البلد ولا نريد ان نحكم البلد، فحزب الله يؤمن أن لبنان لا يمكن أن يدار إلا بتوافق جميع مكوناته".

وتابع فيلتمان سرد تاريخ "حزب الله" وصولاً الى العام 1992، بعد استشهاد السيد عباس الموسوي، وانتخاب السيد حسن نصر الله أمينًا عامًا للحزب، وقرّر المشاركة بالإنتخابات النيابيّة للمرة الأولى، وانتقل في الآونة الأخيرة من رغبته بوجود حلفاء في الحكومة، إلى وزراء من الحزب.

ورأى فيلتمان أنّ "حزب الله" يسعى اليوم إلى جمع شعبيّته، إضافةً الى وجوده في البرلمان والحكومة، وقوته العسكريّة لممارسة "فيتو" على أي سياسة حكوميّة يُعارضها، وفي الوقت نفسه يبني جدارًا غير قابل للاختراق ضد المحاسبة من قبل الناس أو في البرلمانية على أي قرار له.

وبحسب فيلتمان فإنّ "حزب الله" يسعى إلى توسيع دائرته أيضًا من خلال التمسّك بأحد النواب السنّة لكي يُمثّل في الحكومة على حساب الرئيس المكلّف سعد الحريري، كذلك فإنّ طلال أرسلان يساند الحزب، والآن نصرالله يسعى إلى إنشاء نسخة سنية مماثلة لاتفاق مار مخايل، تسمح لحزب الله بالقول إنّه يتمتّع بثقة في الشارع السني.

وفي الشأن الحكومي، رأى نصرالله أنّ الرئيس المكلف سعد الحريري يحاول تدوير الزوايا مع كل القوى السياسية في لبنان، وقال: "نحن حريصون على الانفتاح والتعاون مع الحريري"، وشدد على توزير أحد أعضاء اللقاء التشاوري.

واعتبر فيلتمان أنّ عددًا من الوجوه السياسية التي تُراقب كيف تهبّ الرياح السياسية إقليميًا ودوليًا، قد تقرّر أن تنضمّ إلى التحالف بين طهران ودمشق وحزب الله على أنّه هذا "الرهان الرابح"، لا سيما مع عدم اليقين بشأن القيادة الأميركية ومدى الوثوق بها، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته بسحب قواته من سوريا، وبالفعل فقد شهد لبنان تغيرات سياسية واتجاهات نحو المحور السوري الإيراني.

وفي هذا الصدد، أوصل نصرالله الرسالة باعتباره أنّ قرار الانسحاب الأميركي من سوريا هو فشل، ولفت إلى أنه سيتمّ.

وعن عملية "درع الشمال" والأنفاق التي أعلنت إسرائيل عن اكتشافها مؤخرًا في جنوب لبنان، رأى فيلتمان أنّها مثال على أخطر قرارات "حزب الله"، وشبيهة بقرار خطف جنود إسرائيليين في تموز 2006 والتي أدّت بلبنان الى حرب مدمّرة، على حدّ تعبير فيلتمان.

وهنا أتى تأكيد نصرالله على وجود الأنفاق، حيثُ قال: "حتى الآن يدّعي الاسرائيلي أن حزب الله حفر الأنفاق ولم يقدم دليلاً على ذلك، وبمعزل عمّن حفرها وسواء أكانت قديمة أم جديدة فإن الاسرائيلي اكتشف بعد سنوات عديدة مجموعة من هذه الأنفاق والمفاجىء أن الأنفاق طال وقتها حتى اكتشفها الاسرائيلي والحدود لدينا صخرية وجبلية والحفر يمكن أن يسمعه كثيرون".

وعن عودة مقاتلي "حزب الله" من سوريا إلى لبنان، أشار فيلتمان إلى أنّ هناك قلقًا من العودة من دون وجود فرص عمل، وغير ذلك. كما رأى أنّ العقوبات الأميركية بدأت تؤثّر على الحزب، مشيرًا الى أنّ إصرار "حزب الله" على تولّي حقيبة الصحة هو من جهة لتقديم خدمات، وليست صدفة أن يفكّر الحزب بهذه الوزارة والتي تمكّنه من إحكام سلطته على كميات كبيرة من السيولة النقدية، فعلى الرغم من أنّ وزارات أخرى كالدفاع والتربية والداخلية لديها موازنات أكبر إلا أنّها تُصرف كرواتب وغير ذلك، أمّا وزارة الصحة فلديها أموال نسبيًا.

وعن الوضع الإقتصادي، لم يتحدّث نصرالله عمّا لدى الحزب إلا أنّه أكد العمل الجدي لحلّ الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد لكنها معركة طويلة وصعبة ومعقدة.

تعليقات: