قوات اليونيفل: المهمات والصلاحيات القانونية وتجاوزاتها

لم يكن مفاجئاً البيان الذي صدر عبر الانترنت عن قوات الطوارئ الدولية (اليونيفل) الذي حددت فيه (قواعد لاشتباك) حيث أعلنت فيه أن بإمكانها استخدام القوة للتأكد من عدم استخدام مناطق عملياتها لنشاطات عسكرية وليس للدفاع عن نفسها فقط·وإذا كان القرار ( 1701) قد حدد مهمة قوات الطوارئ الدولية بتقديم المساعدة للجيش اللبناني الذي أنهى عملية انتشاره في الجنوب وعلى طول الحدود مع فلسطين المحتلة، فإن ما صدر عن قوات الطوارئ يخلط الأوراق التي بدأ على أساسها تنفيذ القرار الدولي خصوصاً لجهة الصلاحيات المعطاة للقوات الدولية· ومن هنا لا بد لنا ان ندرس الصلاحيات القانونية لقوات اليونيفل وفق القرار ( 1701) وعن طبيعة عملها ولكن بداية لابد لنا أن نعرف كيف تأسست قوات اليونيفل ضمن الأمم المتحدة؟ عندما أنشأت الأمم المتحدة في العام 1945 كان غرضها الرئيس الحفاظ على الأمن والسلام في العالم· صحيح أن ميثاق الأمم المتحدة نص على تدخل الأمم المتحدة لمنع العدوان وعدم اللجوء إلى استعمال القوة، إلا أنه لم ينص بشكل واضح على تأليف قوات دولية وإرسالها إلى المناطق التي يدور فيها قتال·لكن الممارسة والأحداث فرضت على الأمم المتحدة اللجوء إلى أسلوب القوة الدولية أو قوات الطوارئ الدولية للفصل بين فريقين متنازعين، أو لتأمين الاستقرار في منطقة معينة· في البداية كانت هذه التجربة بسيطة ومتواضعة، ولكن كثرة المنازعات بين الدول أدت إلى توسيع نطاق هذه التجربة ·وهناك اليوم العديد من القوات الدولية المنتشرة في إنحاء العالم مثلاً قبرص، الكونغو، سيناء، كشمير، يوغسلافيا القديمة وبالتحديد إقليم كوسوفو· بشكل عام يتولى مجلس الأمن الدولي المسؤولية في إرسال هذه القوات إلى الخارج، وذلك من خلال قرار منه بعد موافقة الأطراف المتنازعة·أما اختيار عناصر القوات فيكون من خلال إتفاق بين مجلس الأمن وكل دولة على حدة· ويتناول هذا الاتفاق، صلاحيات هذه القوات، وعددها، وتعويضاتها·وتقتصر مهمتها على مراقبة مناطق الحدود أو مناطق النزاع، ومنع استعمال السلاح في هذه المنطقة وتكون عادة مزودة بسلاح خفيف وطبعا ًتمنع وجود سلاح في المنطقة التي تشرف عليها· في الوقت نفسه، يقدم المكتب التابع للقوات التقارير من وقت إلى آخر إلى مجلس الأمن، ويراقب المنطقة الموجود فيها خصوصاً قضية عدم مرور سلاح واستعمال سلاح أو وجود سلاح، بمعنى آخر فإن مهمتها دفاعية وليست هجومية· ومن هنا ينبغي التأكيد على أن قوات اليونيفل التي تم إرسالها إلى لبنان جاءت وفق القرار (1701) ضمن البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة وهذا يعني أنها تستعمل سلاحها للدفاع عن نفسها فقط والتجاوز الخطير الذي حصل في لبنان هو ما يسمى قواعد الاشتباك التي ذكرناها سابقاً، والتي تقوم على حق اليونيفل في استخدام القوة ليس فقط للدفاع عن نفسها أو في حالة الدفاع المشروع، بل أيضاً في عدة حالات تم التطرق إليها أخيراً حيث تقول الوثيقة المتعلقة بقواعد الاشتباك أنه يحق استخدام القوة لغير الدفاع المشروع أو عن النفس في الحالات التالية: لمنع استخدام منطقة اليونيفل لأي أعمال عدائية من أي نوع كان· لمنع محاولات تفرض بالقوة منع اليونيفل من تأدية مهامها التي كلفها بها مجلس الأمن ومن هذه المهام، وفق القرار(1701):مساعدة القوات المسلحة اللبنانية في الانتشار بين الخط الأزرق والليطاني في منطقة خالية من الأسلحة والمسلحين غير التابعين للحكومة اللبنانية واليونيفل· لا تميز قواعد الاشتباك بين الأسلحة المنقولة والظاهرة والمخبأة، وأيضاً، وفي القواعد المتعلقة بدرجات استخدام القوة، فمن المسموح استخدام القوة لتأمين أمن وحرية حركة اليونيفل، ويحق لهذه القوات في هذه الحالة استخدام القوة وصولاً إلى القوة القاتلة ضد أي شخص، أو مجموعة تقوم بواسطة السلاح (أو تعلن عن نيتها) بعرقلة حرية حركة اليونيفل، أو القوات المسلحة اللبنانية، أو العاملين في الهيئات الإنسانية· (القواعد 111و113و115 من الملحقA ) · بعد هذه القواعد تأتي القاعدة (116) :يحق استخدام القوة وصولاً إلى القوة القاتلة، لمنع أو قمع الأعمال العدائية والتي تتضمن نقل أسلحة غير شرعية وذخيرة ومتفجرات في منطقة عمل اليونيفل من قبل أي شخص أو مجموعة، ويمكن للرئيس الأعلى المباشر أن يتخذ القرار بهذا حيث ومتى يكون ممكناً· وأما القاعدتان ( 117و118) فتربطان استخدام القوة ضد أي شخص أو مجموعة في حال القيام بالتهديد بمنع أو عرقلة القوات في تنفيذ أوامر يحملها من قائد أعلى، ويتاح في القاعدة ( 118) استخدام القوة القاتلة أيضا في حال كان الطرف المقابل مسلحاً· وربطا بقواعد استخدام القوة (يحق لقوات اليونيفل بحسب القاعدة رقم4 من الملحقA)، احتجاز من يعيق عناصر اليونيفل عن تنفيذ أوامر قيادتهم ومن يحاول العبور بالقوة عبر حاجز تفتيش، كما يحق تفتيش المحتجزين بحثاً عن أسلحة أو متفجرات أو ذخيرة· وفي القاعدة السادسة يمنع على قوات اليونيفل البحرية الاقتراب من أي سفينة حربية مشتبه بها أو معرف عنها أو تابعة لدولة ثالثة مسافة الأقرب من التي يحددها قائد القوات ولا قيود على المسافات بين اليونيفل والقوات الصديقة أي القوات المسلحة اللبنانية· ويحق لقوات اليونيفل بحسب القواعد(161و162و163) استخدام القوة وصولاً إلى القاتلة للسيطرة على الشغب المسلح، واستخدام القوة غير القاتلة للسيطرة على الشغب غير المسلح· ويشرح الملحق الرابع من الوثيقة قواعد جهورية الأسلحة واستخدامها· ويبدو أن الأسلحة الموجودة الآن بالجنوب على اختلاف أنواعها، من السلاح الفردي إلى الهاون إلى كل ما يخطر على بال من تجهيزات حربية مزودة بها البارجات والدبابات والطائرات المروحية والقتالية، من الممكن استخدامها في قواعد الاشتباك هذه، وفق تدرج الحالة· تقول القاعدة (62) من الملحق D: يسمح لأجهزة على الأرض، أو المحمولة في آلية أو مركب أو طائرة أن تحضر لإطلاق النار (محشوة)· وفي ما يخص المروحيات، وبحسب القاعدة( 73) من الملحقD (يمكن استخدام رشاشات وصواريخ المروحيات · من المسموح ان تزود الرشاشات بالذخيرة وأن تكون ملقمة· أما الصواريخ فمن الممكن أن تكون مجهزة لإطلاق نار فوري· هذه الوثيقة حصرية بالأمم المتحدة وهي مذيلة بتوقيع جان ماري غيهينو مساعد الأمين العام للأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام·إن وثيقة قواعد الاشتباك توضح لقوات اليونيفل حالات وأساليب استخدام القوة ودرجاتها التي تصل لحد القتل الأمر الذي يعني عملياً أن عمل (اليونيفل) يندرج في معظم قواعده تحت خانة (الفصل السابع) ولو أن القرار الدولي رقم (1701) لم يقل ذلك صراحة لكن الفقرة (12) من القرار نفسه كانت مصاغة بلغة الفصل السابع حيث جاء فيها (يأذن لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان في اتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات في مناطق نشر قواتها وكما ترتئي في حدود قدراتها لكفالة ألا تستخدم منطقة عملياتها للقيام بأنشطة معادية من أي نوع، ولمقاومة محاولات قدراتها لكفالة ألا تستخدم منطقة عملياتها للقيام بأنشطة معادية من أي نوع ولمقاومة محاولات تجري بوسائل القوة لمنعها من القيام بواجباتها بموجب ولاية مجلس الأمن، ولحماية موظفي الأمم المتحدة ومرافقها ومنشآتها ومعداتها، وكفالة أمن وحرية تنقل موظفي الأمم المتحدة ···الخ) من هنا يتضح لدينا الغموض والالتباس في هذه الفقرة التي تجد تفسير لها في وثيقة (قواعد الاشتباك)التي حددت الوجه الحقيقي أو المهام الموكلة لقوات اليونيفل· وفي سياق الموضوع نفسه نحن نعلم إن إرسال قوات إلى منطقة معينه في العالم ضمن الفصل السابع فهذا يعني أنها أرسلت لردع فريق أو استعمال القوة ضد فريق، أي أن الفصل السابع يتضمن العقوبة على دولة انتهكت مبادئ القانون الدولي وقواعده وأحياناً يشرف مجلس الأمن بنفسه على عملية الردع أو القمع لدولة معينة، ولا يقوم بذلك إلا بعد إرسال توجهات إلى الدولة لتمتنع عن استعمال القوة، أو لتتوقف عن ارتكاب المجازر ويمكن قبل استخدام القمع استخدام أسلوب أخف وهو قطع العلاقات الدبلوماسية أو حصارها أو تنبيهها أو تحذيرها·· إذا فشلت هذه المهمة يحق لمجلس الأمن ان يلجأ إلى الفصل السابع ويستعمل القوة·وإذا قارنا بين المهام المنوطة بقوات اليونيفل حسب القرار ( 1701) وبين ما ورد بالوثيقة نجد أن هناك انكشافاً للغموض والالتباس بنقاط القرار ( 1701) حيث يعتبر ذلك انتهاكاً خطيراً لسيادة لبنان، وانحيازاً واضحاً وقلباً لكل المفاهيم والأعراف الدولية بحيث بات الكيان الصهيوني بموقع الضحية متجاهلاً كل الخروقات والانتهاكات الصهيونية لأرض لبنان وأصبحت قوات اليونيفل ليست فقط مهمتها منع أي خطر على الكيان الصهيوني وحمايتها، بل تحولت إلى ثكنة متقدمة في عمق الأرض اللبنانية، وأصبحت أشبه بقوات متعددة الجنسيات التي يختلف دورها وطبيعتها القانونية كما نعلم عن مهمة قوات الطوارئ الدولية ربما لتقوم بما لم يستطع الكيان الصهيوني تحقيقه في أكثر من شهر من الحرب المدمرة على لبنان·

* كاتب فلسطيني·

تعليقات: