اليهودية الشجاعة!


أعجبتني كثيرا شجاعة الناشطة اليسارية اليهودية تالي فحيمة، التي توجهت إلى خيمة عزاء الشهيد علاء أبو دهيم منفذ العملية في مركز "هاراب " الديني بمدينة القدس، لمواساة عائلته وتقديم التعازي لها.

وتالي فتاة يهودية من أصل جزائري من مواليد 1976، كانت حتى عام 2003 من نشطاء حزب الليكود اليميني المتطرف الذي يتزعمه حاليا بنيامين نتنياهو، إلا أنها بعد ذلك شهدت تحولا جذريا في حياتها واتجهت نحو اليسار.

كانت تالي – كما تقول – في إحدى المقابلات الصحافية، تخجل من سماع صوت جدتها وهي تتحدث باللغة العربية وتسمع الأغاني والموسيقى العربية، لأنها كانت ترغب في أن تكون إسرائيلية على النمط الاشكينازي الغربي، وعندما كبرت صارت تخجل من كونها تعيش على ظلم الفلسطينيين.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتحدى فيها تالي سلطات الاحتلال، فقد تعرضت للسجن عام 2005 بسبب اتصالها بزكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين، وبقائها في منزله بضعة أيام لتكون درعا بشريا له لحمايته من الاغتيال. وقضت تالي محكومتيها في سجن "نيفيه تريستا" للنساء، تعرضت خلالها لشتى أنواع التعذيب والقهر النفسي والجسدي من قبل الشاباك الإسرائيلي، كان خلالها محققو الشاباك يساومونها على التعامل معهم، إلا إنها كانت ترفض بصلابة هذه العروض وتؤكد موقفها المناهض للاحتلال وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

وامعانا في اذلالها، وضعت تالي في هذا السجن مع الجنائيات والعاهرات اليهوديات، اللواتي كن يسمنها شتى أنواع العذاب، فكانت معاناتها مضاعفة لا يتحملها إلا المناضلون الأشداء وذوو الإرادة الصلبة الغير قابلة للانكسار.

وليست تالي فحيمة الوحيدة المشهود لها في هذا المجال، فهناك الكثير من المناضلات والمناضلين اليهود الذين يعارضون سياسة الاحتلال وجرائمه ضد الفلسطينيين، بدءا برافضي الخدمة العسكرية التي تحولت إلى ظاهرة تقلق قادة إسرائيل، وانتهاء برافضي سياسة اذلال الفلسطينيين على الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي حولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق.

والمؤسف أن قوى المقاومة الفلسطينية لا تلتفت لهؤلاء المناضلين وتشجعهم، حتى أن بعض هذه القوى هاجم تالي فحيمة في ذروه حملة التضامن معها، واتهمها بإقامة علاقة غير سوية مع قائد كتائب الاقصى فى مخيم جنين.

لا تحتاج هذه المرأة المناضلة لشكر أو تكريم من احد، فقد اختارت هذا الطريق بنفسها نتيجة اقتناع راسخ لديها وفكر انساني عميق بداخلها، يرفض فكرة الظلم والاحتلال و قهر الاخرين.

فتحية لتالى فحيمه، تلك المرأة الشجاعة التي تأبى الانحناء و الانكسار أمام عنف الاحتلال وجبروته وعسفه.

تعليقات: