إنسوا قروض السكن واستأجروا الشقق!


تخبّط كبير تعيشه المؤسسة العامة للإسكان، ومعها الشباب الباحث عن أهوَن الشرّين، عن قرضٍ يمتد إلى نحو 30 عاماً، بهدف تأمين مسكن، وذلك بعد إقرار كوتا مالية لتغطية فوائد قروض الإسكان. غير أن القلق مستمر، مع عدم وضوح آلية توزيع هذه الكوتا، وهوية المصارف التي ستشارك في المرحلة الجديدة من إعطاء القروض السكنية.

مؤسسة الإسكان في الواجهة

تتلقّى المؤسسة العامة للإسكان وابل التعليقات والانتقادات، وتُرمى بالمسؤولية عند كل استحقاق يتعلّق بقروض الإسكان، ذلك أن المؤسسة هي من يتولّى التواصل المباشر مع المواطنين طالبي قروض الإسكان. علماً أنها ليست صاحبة القرار النهائي، في قبول أو رفض الطلبات، لأن المصارف هي التي ستعطي القرض لصاحبه.

استبشر المواطنون خيراً مع الإعلان عن حلحلة أزمة الكوتا المالية لتمويل القروض السكنية، وتهافتوا إلى مبنى مؤسسة الإسكان لمعرفة التفاصيل، ولتقديم طلبات الحصول على قروض. لكن ما لم يعرفه المواطنون، هو أن المؤسسة "لا يمكنها تلبية مطالب الناس، لأنها ليست صاحبة القرار في إعطاء القرض"، وفق ما يقوله المدير العام للمؤسسة روني لحود، والذي يشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن "كل ما يمكن للمؤسسة فعله هو قبول طلبات المواطنين، على أن ينتظروا بعد ذلك، موافقة المصارف على المشاركة في إعطاء القروض. فهذا الأمر لم يُحسم بعد. والمؤسسة لا يمكنها أن تعرف حالياً من هي المصارف المشاركة. مع العلم أن الكوتا المالية لا تكفي لتغطية كل القروض، حتى لو شاركت كل المصارف".

ويرى لحود: "لو أعطِيَت الكوتا المالية للمؤسسة، لأمكنَها معرفة حجم الطلبات التي يمكن قبولها، ولأقفلت باب تقديم الطلبات عند موافقة عدد الطلبات مع حجم الكوتا المالية، ووفّرت المؤسسة بذلك العناء على المواطنين، الذين سيقدّمون طلباتهم حالياً إلى المؤسسة، ويعيشون على أمل قبول المصارف للطلبات".

بديل من "الإسكان"

جملة من الأسباب السياسية والاقتصادية، أوصلت قروض الإسكان إلى أزمتها الحالية، وهو ما يوافق عليه رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، والذي يحمّل الدولة مسؤولية الأزمة: "بسبب تغييب السياسات الإسكانية". كما يشير غبريل في حديث لـ"المدن"، إلى أن "سلسلة الرتب والرواتب ضخت كتلة نقدية في السوق فجأة، وأدت إلى استنزاف القروض المدعومة في العام 2018، خلال شهر واحد، ما فاقم الأزمة". ويلفت غبريل النظر إلى انه وفي ظل غياب السياسات الصحيحة، "يسد مصرف لبنان الثغرات، التي تخلّفها السلطتان التشريعية والتنفيذية، وذلك بالتعاون مع المصارف الخاصة التي ليس من إختصاصها وضع سياسة إسكانية وتطويرها، حتى وإن كانت هي من يموّل القروض السكنية".

وفي ظل عدم وضوح الرؤية، لرسم حل أزمة القروض السكنية، بشكل نهائي، يقترح غبريل "التوجه نحو الإيجارات، لأن القروض السكنية المدعومة ليست حلاً لائقاً للسكن، كما انه لا يوجد في الدستور اللبناني ما يُلزم الدولة في تأمين مسكن لكل شاب لبناني يتخرّج من الجامعة ويدخل إلى سوق العمل. فهذه نظرة شعبوية يُفترض أن تُقابَل بإقناع الناس بالتوجه نحو الإيجارات، وهو حل معمول به في أغلب دول العالم المتقدّم، حيث يتوجّه الشباب إلى الإيجارات وليس إلى التملّك".

ويُعيد غبريل إلى الذاكرة "اقتراح قانون لمشروع الإيجار التملّكي، كان قد تقدّم به وزير الصناعة وائل أبو فاعور، في العام 2012. لكن الدولة تجاهلت الموضوع على اعتبار أن مصرف لبنان ما زال قادراً على دعم القروض السكنية".

وينفي غبريل أهمية تدخّل الدولة لإنشاء مجمعات سكنية "فتجربة مثل هذه المجمّعات أثبتت فشلها في دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، لأن المجمعات تحولت إلى بؤر للجريمة". ويقترح غبريل، في هذا الإطار: "تقديم الدولة قطع أرض للمطورين العقاريين، يقومون هم باستثمارها والبناء عليها وبيع الشقق السكنية، بشروط متفاوتة، تصب في مصلحة أصحاب الدخل المحدود، ويكون المشروع لفئات وشريحة محددة، فيما تراقب الدولة منع الاحتكار".

وينطلق غبريل من نظرته هذه إلى أن "أزمة القروض السكنية قد تتوقف لاحقاً، فهل تُقفَل السبل أمام الناس. المصارف والمؤسسة العامة للإسكان تتشارك معاً لتسهيل أمور القروض السكنية، لكن على السلطتين التنفيذية والتشريعية تحمل مسؤوليتها، فلا يمكننا البقاء على نهج القروض السكنية".

استثمار بعيد الأمد

يمكن الركون إلى حلول أخرى لمشكلة السكن، كالإيجار التملّكي او إعطاء تسهيلات للقادرين على بناء منازل في الأرياف، والتنقّل يومياً بإتجاه المدن، أو غيرها من الحلول، فيما لو كانت السلطة السياسية صاحبة خطط استراتيجية بعيدة الأمد، موضوعة لخدمة مواطنيها. أمّا إسقاط النموذج السكني الأميركي والفرنسي على لبنان، فهو عملية غير دقيقة، لأن عوامل كثيرة تصب في صالح اعتماد الأميركيين والفرنسيين على الإيجارات، على عكس اللبنانيين. فهناك، تؤمّن الدولة الطبابة والتعليم والشيخوخة لمواطنيها، في حين أن الشاب اللبناني يحمل عبء شيخوخته وهو في سن العشرين، فيعمد إلى تأمين مسكنٍ، ولو عبر قرضٍ مرهق، ليضمن سقفاً يحميه ذات يوم، حين تتخلى الدولة عنه، ويصبح عاجزاً عن العمل. كما أن المسكن نفسه، يتحوّل لاحقاً إلى مصدر دخلٍ بعد تأجيره، فيما لو تمكن الشاب من شراء مسكنٍ آخر، أو أنشأ منزلاً في القرية، علّ منزل المدينة يدر عليه مبلغاً قليلاً يسد عوزه المالي والصحّي.

تعليقات: