قتيل جديد في «فافيلا» لبنان


ما الجديد في حيّ السلّم؟

لا جديد، باستثناء أنّ أحدهم قرّر وضع رصاصة في قلب آخر، فأجهز عليه، بعدما سبقه إثنان إلى وضع رصاصهم في رجليه. مات علي الحاف. قبل الإجهاز عليه، وإثر إصابته في رجليه، حاول الدفاع عن نفسه بإطلاق النار على مَن أطلقا عليه النار، فأصابهما، لكنّها بقيا على قيد الحياة... قبل أن يأتي صاحب الطلقة الأخيرة ويُنهي المشهد. لا جديد في هذا المشهد، هناك في حيّ السلّم، أو «حيّ الكرامة»، كما يرد في المجسّم عند أحد مداخله، إلا تلك الطلقة الأخيرة. تتكرّر هذه المواجهات الناريّة هناك، بشكل شبه يومي، فلا يعلم بأمرها أحد، ولا تُصبح مادّة إعلاميّة... إلا إذا قُتِل أحدهم. لا بدّ مِن قتل. الجرح لا يكفي. تُظلم الغابة إن وصِف ذاك الحيّ بها، إذ للغابة قانونها، أمّا هناك فلا قانون ثابتاً... اللهم إلا غريزة البقاء.

ليس مهماً اسم القتيل، ولا أسماء القتلة، ولا عائلاتهم، كلّ ذلك تفاصيل. كلّ يوم هناك أسماء جديدة. قتيل أمس عنصر في قوى الأمن الداخلي، ولكنّه كان خارج عمله، كان في منزله القريب مِن محلّ الإنترنت الذي يملكه. كانت زوجته في المحلّ. هاجم شخصان المحلّ، رجل وابنه بأسلحتهما، يُريدان إقفال المحلّ. لديهما محلّهما القريب، وهو للإنترنت أيضاً، على خلفيّة المزاحمة في «الكار». الخلافات قديمة. حكاية «الخوّات» هناك مألوفة. علم علي بما يجري، فترك المنزل وتوجّه إلى محلّه، فحصل ما حصل. أصبح لديه يتيمة الآن، عمرها 3 سنوات، اسمها كاترينا، ولديه أب يبكي فلذة كبده الذي قتله «طغاة القوم». لا يوجد شيء واحد قانوني هناك، في حيّ السلّم، لا محال الإنترنت تلك، ولا الأبنية التي يتكدّس الناس فيها، ولا الطرقات ولا الإمدادات... وقطعاً ولا السلاح. عندما يُحكى عن عشوائيّات لبنانيّة فالحديث، كمرتبة أولى، يكون عن حيّ السلّم. هنا يقطن المهمّشون، المعدمون، المطلوبون لـ«العدالة»، الفقراء وما إلى ذلك. ما تنتجه تلك البؤرة، هناك، هو الإفراز الطبيعي لتلك المنظومة الاجتماعيّة. قبل يوم مِن جريمة القتل الأخيرة، أوقفت استخبارات الجيش عصابة تجارة مخدّرات في ذاك الحيّ. هذا خبر تقليدي جدّاً مِن هناك. إن كانت البرازيل اشتهرت بأن لديها «فافيلا» (كأشهر عشوائياتها) عند حافة ريو دي جانيرو، فإنّ لبنان يُمكنه أن «يُباهي» بأنّ لديه حيّ السلّم أيضاً، كما يُمكن لمصر أن تدخل المنافسة بعشوائيّات القاهرة. الصراع على المركز الأوّل عالميّاً على أشدّه.

بالمناسبة، ثمّة «حزورة» حول ذلك اللحي اللبناني المذكور، وهي: لِمَن يتبع حيّ السلّم إداريّاً؟ هو خارج نطاق اتحاد بلديّات الضاحية الجنوبيّة لبيروت، ولكن ضمن «الضاحية» بالفحوى، أمّا إداريّاً فيتبع لبلديّة الشويفات. هناك حيّ، داخل الحيّ، اسمه صحراء الشويفات مثلاً. بالقرب مِن هناك حصلت الجريمة الأخيرة. اتصلنا بالبلديّة المذكورة، وسألنا المسؤولين عمّا جرى، فأجابنا «مسؤول كبير» بالآتي: «والله ما بعرف، أصلاً سمعت بالموضوع مِن ورا السوشيل ميديا، ما عندي معلومات». هو أصلاً، وهذا رهان، لا يذكر آخر مرة دخل فيها إلى ذلك الحي... هذا إن كان دخله أصلاً. هو الحيّ المتروك، تماماً، حتّى بالمعنى البلدي والإداري، الحيّ المعلّق بين الأرض والسماء، والذي لا يزيده شهرة إلا ذاك المجرور الهائل المسمّى «نهر الغدير».

مَن يذكر اسم الشاب محمد عطوي؟ ذاك الذي جاء مِن المانيا، قبل أكثر مِن عامين، في زيارة إلى أقربائه في حيّ السلم وفي نيّته أنّ يعود إلى المانيا بعد مدّة. وقف على الشرفة، تلقّى رصاصة في رأسه، تبيّن أنّها آتيّة مِن إحدى «حفلات التفاهة» الدمويّة، فقتِل. قبل عطوي وبعده، سلسلة طويلة مِن أسماء القتلى، كأرقام رخيصة، يُضاف إليها اليوم اسم علي الحاف... أمّا نحن، كعدّادات موتى نُراقب، فننتظر غداً «لا جديد» آخر.

تعليقات: