المناضلة جميلة بوحيرد
لم أكن في ذاك
الزمان أعي
إن جميلة في الجزائر
هي الكتاب الأرفع
نامت أرواح الثائرين بين ضفائرها
وأشلاء العابرين على أصابعها
وكان النداء
يا جميلة إسمعي
صوت الرصاص أصابني
وقضَّ مضجعي
تبسمت
وقالت هي أرضي
والزهر زهري
وجداول ماءها
تفيظ من مدمعي
وترابها غطائي كأمي
يداوي أضلعي..
وشمسها وحقلها
وإرثها
هو مكاني وموقعي
مهما طغى الطغاة
لن يأخذوا حبي
ولم يأخذوا مني
كحل عيني ولا
ظفراً من أصبعي ؟..
* حسين جمعة
------- -------- -------- ---------
المناضلة جميلة بو حيرد
قصة المناضلة الجزائرية (جميلة بو حيرد)، واحدة من مليون قصة لشهداء ثورة الجزائر، وهي قصة لا تقل في بطولتها عما قدمه المليون شهيد، لكنها بما احتوته من مآس وصمود ترتفع الى مستوى الرمز، لتعبر عن كفاح الجزائر، وتصبح مثلا على التضحية من أجل الاستقلال
ولدت جميلة بو حيرد وترعرعت في عائلة متوسطة الحال. وقد تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية، لكنها سرعان ما انضمت لحركة المقاومة السرية
كانت جميلة بو حيرد واحدة من الآلاف المؤلفة من المناضلين الذين كتب لهم سوء الحظ أن يسقطوا في قبضة العدو. فقد ألقي القبض عليها أثناء غارة شنتها القوات الفرنسية الخاصة، قدمت للمحاكمة في يوليو 1957، فحكم عليها بالإعدام...
وكان دور جميلة النضالي يتمثل في كونها حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة (ياسيف السعدي) الذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن مائة الف فرنك ثمنا لرأسه!!
وفي أحد الايام كانت جميلة متوجهة (لياسيف السعدي) برسالة جديدة، لكنها احست ان ثمة من يراقبها؟ فحاولت الهروب، غير ان جنود الاحتلال طاردوها وأطلقوا عليها الرصاصات التي استقرت احداها في كتفها الايسر وحاولت المناضلة الاستمرار في الانفلات غير ان ابنة الثانية والعشرين سقطت بجسدها النحيل الجريح،وافاقت في المستشفى العسكري حيث كانت محاولة الاستجواب الاولىلإجبارها على الإفصاح عن مكان (ياسيف السعدي) ، غير انها تمسكت بموقفها، فادخلها جنود الاحتلال في نوبة تعذيب استمرت سبعة عشر يوما متواصلة، وصلت الى حد ان اوصل جنود الاحتلال التيار الكهربائي بجميع انحاء جسدها حيث لم يحتمل الجسد النحيل المزيد واصيب بنزيف استمر خمسة عشر يوما، لكن لسان جميلة بوحريد وجسدها كان اقوى من كل محاولات معذبيها بعدها انتقلت (جميلة) لسجن (بار بدوس) اشهر مؤسسات التعذيب في العصر الحديث، حيث بدأت نوبات اخرى من التعذيب استمرت احدى جلساتها الى ثماني عشرة متواصلة حتى اغشي عليها واصيبت بالهزيان، ثم بعدها السماح لها بوجود تحقيق رسمي، حيث حضر هذاالتحقيق المحامي الفرنسي (ميسو قرجيه) الذي قال لجميلة بمجرد توليه الدفاع عنها (لست وحدك، فكل شرفاء العالم معك) ورغم ان القاضي المشرف على التحقيق رفض منحه ساعة واحدة للجلوس معها للاطلاع على ملابسات القضية،؟ ولم يستجب الا بعد ان هدد بالانسحاب من القضية وايدت (جميلة) التهديد بأنها لن تجيب عن اية اسئلة في غير وجود محاميها، واستمر التحقيق معها قرابة الشهر وقع خلالها حادث القاء مفرقعات بأحد المحال الجزائرية.
المحاكمة المتواطئة
بدأت المحكمة يوم 11 (يوليو 1957، بعد انتهاء التحقيق، وبعد ان رفض عديد من المحامين الفرنسيين الاشتراك في الدفاع عن (جميلة بوحريد) لرفض المحكمة اطلاعهم على ملف القضية ولرفضها ايضا استبعاد التحقيقات التي اخذت خلال جلسات التعذيب
اخيرا تطوع جاك فيرجيس المحامي الفرنسي للدفاع عن جميلة.
وكانت جلسة المحاكمة الاولى مجرد سجال عقيم بين المحكمة وجميلة بوعزة) زميلة جميلة بوحيرد) في الاتهام واعترفت فيها (بوعزة) بان (بوحيرد) هي التي حرضتها على إلقاء المتفجرات وكانت تتحدث بصوت عال وبشكل غير طبيعي الامر الذي دعا (مسيو فرجيس) لتقديم طلب للمحكمة لعرض (بو عزة) على طبيب أمراض عقلية فرفضت المحكمة طلبه، ورغم ذلك استمر في الدفاع عن (جميلة بو حيرد) وزملائها،.
غير ان تشدد المحكمة وانحيازها الواضح دفعه لابلاغ المحكمة بأنه احترامه للعدالة واحترامه لنفسه يضطرانه الى الانسحاب والى ابلاغ نقيبهم في باريس.
وفي اليوم الثالث تم استجواب المتهمين الاربعة (جميلة بو حديد) و(جميلة بوعزة) و(طالب) و(حافيد) ، وكذا الاستماع الى الشهود والى ثلاثة من الاطباء العقليين بشأن الحالة العقلية ل(بوعزة) الذين رفضوا الافصاح عن حالتها بحجة سر المهنة.
وكانت اعترافات (جميلة بو عزة) 19 سنة تقول: انه بناء على اشارة من جميلة بو حريد وضعت بو عزة قنبلة في سلة المهملات يوم 9 نوفمبر 1956 وفي يوم 26 يناير 1957 وضعت قنبلة ثانية انفجرت في مقهى آخر نتج عنه قتل شخصين.
وايضا تم تضمين ملف القضية صورة من تحقيق ادعت المحكمة ان (جميلة بو حريد) قد أدلت به غير انها انكرت ذلك وانتهت المحكمة الى توجيه التهم التالية لجميلة بو حريد (احراز مفرقعات والشروع في قتل والاشتراك في حوادث قتل وفي حوادث شروع في قتل وتدمير مبان بالمفرقعات والاشتراك في حوادث مماثلة، الانضمام الى جماعة من القتلة) وخمس من هذه التهم عقوبتها الاعدام.
وعندما قرأت المحكمة المتواطئة الحكم بالاعدام على (جميلة بو حريد) انطلقت فجأة (جميلة) في الضحك في قوة وعصبية جعلت القاضي يصرخ بها (لا تضحكي في موقف الجد) ، وكأن الموقف بالفعل كان جاديا.
غير انها قالت في قوة وثبات (ايها السادة، انني أعلم انكم ستحكمون على بالاعدام ، لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشوقون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، ولقد استندتم في محاولتكم إدانتي الى اقوال فتاة مريضة رفضتم عرضها على طبيب الامراض العقلية بسبب مفهوم، والى محضر تحقيق وضعه البوليس ورجال المظلات وأخفيتم اصله الحقيقي الى اليوم، والحقيقة انني احب بلدي واريد له الحرية، ولهذا أؤيد كفاح جبهة التحرير الوطني، انكم ستحكمون علي بالاعدام لهذا السبب وحده بعد ان عذبتموني ولهذا السبب قتلتم اخوتي (بن مهيري) و(بو منجل) و(زضور) ولكنكم اذا تقتلونا لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية الفرنسية ولا تنسوا انكم بهذا تلطخون شرف بلادكم وتعرضون مستقبلها للخطر، ولا تنسوا انكم لن تنجحوا ابدا في منع الجزائر من الحصول على استقلالها.
وقد خرجت صرخة جميلة من قاعة المحكمة الى ارجاء العالم، فقد ثار العالم من اجمل جميلة، ولم تكن الدول العربية وحدها هي التي شاركت في ابعاد هذا المصير المؤلم عن جميلة فقد انهالت على (داج همرشولد) السكرتير العام للامم المتحدة وقتها البطاقات من كل مكان في العالم، تقول: (انقذ جميلة)
قام محاميها فرجيس بحملة علاقات عامة واسعة غطت العالم واكتسب من وراء هذه القضية، وما تبعها من قضايا مماثلة، شهرة عالمية. وكان من نتائج الضغط الكبير الذي مارسه الرأي العام العالمي تأييداً للبطلة جميلة بو حيرد أثر حاسم في إجبار الفرنسيين على تأجيل تنفيذ الحكم بإعدامها. وفي عام 1958، نقلت إلى سجن ريمس..
وتمر ايام قليلة ويتقهقر الاستعمار الفرنسي، ويعلن السفاح (لاكوست) انه طلب من رئيس جمهورية فرنسا وقتئذ العفو عن جميلة، ثم يتبجح ويقول (ما من امرأة اعدمت على أرض فرنسية منذ خمسين عاما)
وكانت (جميلة) رغم ذلك على بضع خطوات من حتفها؟ وقد تعمدوا اخفاء موعد اعدامها عن الاعلام، وتواطأت معهم وكالات الابناء الاستعمارية ، لكن ارادة الشعوب كانت هي الاقوى والابقى فوق ارادة الظلم الاستعمار ، ولم يتم اعدام جميلة بو حريد كما حكمت المحكمة الظالمة
وعلى الصعيد السياسي، وبعد خسائر بشرية باهظة للجانبين، تم في مايو 1962 توقيع اتفاقيات إيفيان وإعلان استقلال الجزائر. ومع تقدم سير المفاوضات، بإطلاق سراح الأسرى الجزائريين تدريجياً. وعندما أطلق سراح جميلة، تزوجت بعد أشهر من محاميها.
بعد الاستقلال، تولت جميلة رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، لكنها اضطرت للنضال في سبيل كل قرار وإجراء تتخذه بسبب خلافها مع الرئيس آنذاك، أحمد بن بلة. وقبل مرور عامين، قررت أنها لم تعد قادرة على احتمال المزيد، فاستقالت وأخلت الساحة السياسية. وهي ما تزال تعيش في العاصمة الفرنسية حتى الآن، متوارية عن الأنظار. لكن المرات القليلة التي ظهرت فيها أمام الناس أثبتت أن العالم ما زال يعتبرها رمزاً للتحرر الوطني.
أما من دليل آخر على المقاومة سوى القول مثلاً: سجّل أنا عربي، أو تكرار شعار: سأقاوم وأقاوم؟! فليس من الضروري، لا شعرياً ولا عملياً، أن يقول المقاوم أنه يقاوم، كما ليس من الضروري أن يقول العاشق أنه يعشق.. لقد سمانا غسان كنفاني"شعراء مقاومة" دون أن نعلم أننا شعراء مقاومة!
المناضلتان ليلى خالد وجميلة بوحيرد مع الرئيس برّي
المناضلتان ليلى خالد وجميلة بوحيرد في زيارة لمعتقل الخيام - أرشيف
حسين جمعة
تعليقات: