مصر: حربٌ على خالعات الحجاب


المذيعة نفسها التي وصفت شهادات خالعات الحجاب والنقاب بالهيافة والتفاهة هي من كسبت دعم وتضامن عدد كبير من المشاهدين، بكت بعدما أخبرها أحد ضيوفها من المشايخ خلال إحدى حلقاتها أن المكياج حرام شرعاً، ودافعت باستماتة عن حقها في المكياج، وهو ما يندرج على حدِّ ظني تحت بند الشكل لا العقل!

لا يتوقف الجدل القائم حول مسألة الحجاب في مصر، فهو يُعدّ من الموضوعات الحاضرة دوماً والجاهزة لتحفيز التناحر سواء على السوشيال ميديا أو عبر المنصّات الإعلامية المختلفة. الغريب أن كل هذا الجدل الذي عبر سنوات عدة زمنياً لم يعبر على أرض الواقع لمسافة أبعد من تكرار نفس الأسئلة والاتهامات.

مؤخراً، وبالتزامن مع ما يسمّى بـ”اليوم العالمي للحجاب”، أطلقت دينا أنور كتابها “خالعات الحجاب والنقاب الثورة الصامتة” خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب. الكتاب يتناول جانباً توثيقياً لـ 130 حالة لفتيات تعرّضن للعنف والقمع نتيجة خلع الحجاب، الكتاب في حد ذاته لم يخلق الجدل، بقدر ما خلق العنوان الكاشف وصورة الغلاف التي تظهر فيها سبع فتيات خلعن الحجاب ويحتفلن بتطايره بعيداً في الهواء. العنوان والغلاف كانا كافِيَيْن لإشعال الجدال الذي ساهم في توليد خطابات تستدعي الوقوف أمامها طويلاً من فرط تناقضها أحياناً، وعنفها أحياناً أخرى، سواء من جانب بعض الإعلاميين، أو رجال الدين .

الحجاب وصناعة المجد

أكثر هذه الخطابات حدّة كان من جانب الإعلامية دعاء فاروق خلال حلقتها الأخيرة في برنامجها “اسأل مع دعاء” على شبكة تلفزيون النهار، والذي طرحت فيه سؤال “هل لو البنات قلعت الحجاب هتصنع المجد” وتبرعت هي بالإجابة على السؤال الغريب على مدار أربع دقائق متواصلة لتعطي أمثلة ونماذج عن فتيات وسيدات استطعن بناء المجد على حدِّ وصفها وهنَّ يرتدين الحجاب. ولم تكتف الإعلامية المحجبة من السخرية من كتاب دينا أنور، بل سخرت من خالعات الحجاب باعتبارهنّ، بحدِّ زعمها، يُعلِقنّ فشلهنّ في صناعة المجد على شماعة الحجاب؛ وقالت “الجنازة حارة والميت كلب” في إشارة إلى دينا أنور وخالعات الحجاب.

هذه المقولة دارت على السوشيال ميديا وأثارت حفيظة عدد كبير من الفتيات غير المحجّبات ممّن رأين في خطاب دعاء فاروق غياب حقيقي لفهم المعاناة الفعلية التي تمرُّ بها الفتيات في مصر إذا قرّرن خلع الحجاب، هذه المعاناة تجعل الفتيات تحت وطأة العنف الأسري الذي يظهر في ممارسات عدّة، كالحبس في المنزل أو حلق الشعر أو الضرب أو التشويه الجسدي والعنف النفسي، إلى جانب الوصمة الاجتماعية التي قد تطال الفتيات، خاصة اللاتي ينتمين لشريحة الطبقة المتوسطة والفقيرة.

الأولوية للشكل أم العقل؟

هل الأولوية للشكل أم للعقل؟ سؤال طرحته الإعلامية دعاء فاروق، وهو سؤال لم تطرحه دعاء فاروق وحدها، بل يتم طرحه مراراً، حينما يتم طرح مسألة الحجاب وحق الفتيات في نزعه، ورفض ارتداءه عنوة. هذا التساؤل في حقيقة الأمر محاولة لإزاحة الحديث عن مسألة الحق في نزع الحجاب بعيداً إلى الظل، لإحلال سياق آخر من الحديث محله، سياق بعيد تماماً عن جوهر المسألة، وحيلة تمارس بقوة من شريحة عريضة من مؤيدي الحجاب حينما لا تنجح حيل الإقناع كحجة “المحجبات الناجحات” – وكأن أرشيف التاريخ يخلو من الناجحات غير المحجبات- هذا التساؤل معروفة نيّته تماماً بجعل النقاش ضرب من المتاهة.

وفي الحقيقة أن حجة دعاء فاروق في مسألة الشكل أم العقل حجة قد تستخدم ضدها هي من تدعي أن العقل أهم من الشكل أفردت أكثر ثلث وقت الحلقة تقريباً في الدفاع عن هذا الشكل “الحجاب”.

الغريب أن نفس المذيعة التي وصفت شهادات خالعات الحجاب والنقاب بالهيافة والتفاهة هي من كسبت دعم وتضامن عدد كبير من المشاهدين حينما بكت بعدما أخبرها أحد ضيوفها من المشايخ خلال إحدى حلقاتها أن المكياج حرام شرعاً، ودافعت باستماتة عن حقها في المكياج، وهو ما يندرج على حدِّ ظني تحت بند الشكل لا العقل!

الحجاب مقدّس كقدسية العلم الوطني؟

أغرب ما قيل في الجدل مؤخراً حول مسألة نزع الحجاب هو ما قاله الشيخ خالد الجندي على تلفزيون dmc وابتكاره لمصطلح “إهانة الحجاب“ تعليقًا على قيام الفتيات السبع بخلع الحجاب وإطلاقه في الهواء ليسقط على الأرض “الصورة على غلاف كتاب خالعات الحجاب والنقاب” هذا المصطلح برأيي مخيف لأنه يوجه السهم تجاه خالعات الحجاب بالإدانة والازدراء الديني والمجتمعي بشكل واضح وصريح وهو ما يحمّس على استخدام العنف وتبريره.

الشيخ خالد الجندي تمادى في ابتكار المصطلحات خلال حلقة الحجاب منها عبارة “الحجاب ليس قطعة قماش هو كالعلم الوطني” ويقصد الجندي هنا إحالة كل الدلالات المتعلقة بالانتماء والهوية واحترام الرمز الملتصقة بالعلم الوطني بالحجاب، مما يحمس أيضاً على تلفيق الاتهامات بكافة أشكالها للفتيات السبعة رغم أنهن لم يدهسن الحجاب بالحذاء ولم يقمن بحرقه كما هو العادة في فهم العامة لموضوع إهانة الرمز.

طرح علي الجندي في تشبيهه للحجاب بالعلم الوطني، يمكن تحليله من أكثر من زاوية، منها أن بعض رجال الدين أصبحت حججهم في مسألة الحجاب خالية الوفاض سواء على المستوى الحجج القائمة على التفسير الديني أو الحجج العقلية، وأصبح التباري الواضح حول الحجج الجديدة التي تحمل في باطنها بذور تعصب وكراهية وأحياناً تحريض باستخدام العنف. هكذا قالها علي الجندي “من يهين الرمز يهين المسلمين والناس هتموته وتفتك به”.

الحجاب تمييز أم حرية شخصيّة؟

فتاة غير مقتنعة بالحجاب قررت سؤال الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية في مداخلة على قناة cbc هل لوالدها الحق في إلزامها بالحجاب رغم أنها ارتدته وهي طفلة والآن هي غير مقتنعة به وترغب في نزعه، فرد عليها علي جمعة “الحجاب يميز المسلمة عن غير المسلمة” هذا التفسير لفرضية الحجاب من وجهة نظر رجال الدين وهنا لسنا أمام رجل دين عادي نحن أمام مفتى الديار المصرية، الذي يرى ربما ضرورة لتمييز المسلمة عن غير المسلمة، لكن وإن كانت الفتاة لا يعنيها هذا التمييز؛ هل تقبل بتمييزها عنوة؟

أكثر ما قد يرهب الفتيات في مصر في حال قرّرن نزع الحجاب ليس العقاب الديني بقدر ما هو العقاب المجتمعي

لم يقلها صراحة الشيخ علي جمعة إن الحجاب يفرض عنوة هو حرية شخصية ولكن “إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا” هكذا استعان الشيخ علي جمعة بآيه من آيات التعذيب بسورة الكهف التي لم تنزل في الأصل للحديث عن الحجاب لكنه قرر الاستعانة بآية العذاب لتخويف المتصلة من نزع الحجاب.

حكايات ووقائع

أصبح الحجاب من مظاهر الزي الشائع للفتيات في مصر بالتعليم الحكومي بدءً من المرحلة الإعدادية وأحياناً من مرحلة التعليم الابتدائي، وقد وثقت الصحف المصرية عشرات الحوادث التي تتم داخل المدارس الحكومية المصرية من قيام معلمين ومعلمات ومدراء مدارس بقص شعر التلميذات أثناء الطابور المدرسي كعقاب لعدم ارتداء الحجاب.

فرض الحجاب على الفتيات بالمدارس لا يتم بشكل رسمي أو قانوني بقدر ما يتم فرضه اجتماعياً ودينياً عنوة، ولا يتم معاقبة من يُجبر التلميذات على ارتداء الحجاب أو تعنيفهن لعدم ارتداء الحجاب، عدا الوقائع التي تأخذ صدى إعلامي واسع نتيجة تدخل الأهل، فتضطر وزارة التربية والتعليم بتوقيع جزاء على مرتكب الواقعة لإسكات الجدل.

أكثر ما قد يرهب الفتيات في مصر في حال قرّرن نزع الحجاب ليس العقاب الديني بقدر ما هو العقاب المجتمعي، وعادة حينما تقرر الفتاة في مصر نزع الحجاب فعليها أن تستقل تماما بعيدا عن أهلها إما بالقطيعة وإما بإجبارها على ارتداءه إذا أتت لزيارتهم لخوف الأهل من مواجهة المجتمع.

ولن ننسى كل وقائع التنميط التي تلصق بغير المحجّبات لا يرويها بالطبع الإعلام الرسمي بقدر ما ترويها مؤلفات مستقلة سواء عن المراكز الحقوقية للحريات أو صفحات المستقلات على مواقع السوشيال ميديا أو كتاب “خالعات الحجاب والنقاب” الصادر مؤخراً.

* إيمان عادل- صحافية مصرية (middle-east-online.com)


تعليقات: