رسالة الدكتور علي نصرت حيدر إلى إبنه وإلى ربّه وإلى أهالي الخيام

طارق.. أمك مشتاقةٌ إليك وعاتبة عليك. لماذا لا تزورها في أحلامها فتواسيها وتخفف عنها فقد عودتها أن تكلمها كل يوم.
طارق.. أمك مشتاقةٌ إليك وعاتبة عليك. لماذا لا تزورها في أحلامها فتواسيها وتخفف عنها فقد عودتها أن تكلمها كل يوم.


بعد الرحيل المبكر والمؤلم للشاب طارق حيدر والجرح الكبير الذي تركه بقلوب محبّيه، بالأخص والديه، توجه والده الدكتور علي نصرت حيدر حينها ببضعة كلمات الى فلذة كبده وإلى ربّه قال فيها:

«

ولدي طارق،

سامحني يا حبيبي لأني تركتك ترحل قبلي، فقد نسيت أن الحلم الجميل كالبرق الخاطف!

لا تحزن يا حبيبي فلن اتركك وحيداً. إنتظرني، فالحياة بدونك عقاب.

أهلك ومحبّوك مصدومون وعاتبون عليك فما عودتنا ان تسافر دون وداع.

لا تقلق يا حبيبي.. رودي ،عامر وهالة بين ايدٍ امينة.

أبوك


هل تغضب يا ربّي إذا سألت: "لماذا يرحل الإبن قبل أبيه وأمه؟"

»


وفي ذكرى الأربعين، عاد الوالد المفجوع توجّه برسالة ثانية إلى فقيده وإلى السماء أيضاً، كتب فبها:

«

إلى ولدي طارق في ذكرى أربعينه،

طارق.. أمك مشتاقةٌ إليك وعاتبة عليك. لماذا لا تزورها في أحلامها فتواسيها وتخفف عنها، فقد عودتها أن تكلمها كل يوم.

ولدي وصديقي طارق،

أربعونَ مرت ولم التحقْ بك. سامحني يا حبيبي فالأمرُ ليس بيدي. ومع أنﱠَ مَلاكَ الموت يصولُ ويجولُ في بلادنا كان دائماً يشيح بوجهه عني ولا أعرف السبب. والله يا حبيبي لو استطعت أن أفتديك بروحي ما ترددت لحظة.

يا حبيبي اشتقت إليك. اشتقت لطيبتك، وحنانك، إلى رقتك وهضامتك،إلى لطفك ومرحك.

كلما التقينا كانت عيناك تبتسمان لي قبل شفتيك. وعندما كنت تنحني لتغمرني بجناحيك كنت أشعر بالأمان مع أني الأب وأنت الإبن.

عندما كنت تعود من السفر كنت تملأ البيت حباً وسعادة، فرحاً وحركة، مزاحاً وضحكاً، وكأننا في عرس.

لكل ابن مكانٌ في قلب ابيه وفي قلب أمه، لكنك وعن غير قصد كنت تحاول أن تأخذ مكاناً أرحب ليس في قلبينا فقط بل في قلوب الجميع. وأقبلت على الحياة تنهل من معينها ما استطعت بشغف كأن حدسك أنبأك أنك سترحل باكراً فسعيت للتعويض.

يا حبيبي يقلقني ولدك عامر. عندما سأل متى سيراك وقيل له أنه لن يراك بعد اليوم انزوى بعيداً دون أن يتفوه بكلمة كابتاً قلقه وحزنه وغضبه وحيرته ودهشته في قلبه. حتى أنه لم يسأل لماذا رحلت.

يا حبيبي كلما داعبت طفلك رودي وابتسم لي أشعر براحة لا توصف. لكنه من وقت لأخر يرمقني بنظرات طويلة معبرة ملفتة، كأنه يريد أن يقول لي شيئاً ولسانه لا يطيعه. ربما يريد أن يقول لي يا جدّي أعرف أنك أول المسافرين. سلم على أبي واسأله معاتباً ولكن بحنان: لماذا تخلى عني وأنا طفلٌ رضيع؟

يا حبيبي أمك مشتاقةٌ إليك وعاتبة عليك. لماذا لا تزورها في أحلامها فتواسيها وتخفف عنها فقد عودتها أن تكلمها كل يوم.

وداعاً يا حبيبي. لن أنساك أبداً.

يا حبيبي عزائي فيك إن كان لي فيك من عزاء هو أنك كنت شاباً طيباً، خلوقاً، عطوفاً كريماً وفياً، باراً متواضعاً ذهب إلى ربٍّ غفور رحيم.

»


وفي الختام توجه الدكتور علي إلى المحبّين، بالأخص إلى أبناء بلدته الذين شاركوه الحزن، بالكلمات التالية يعبّر فيها عن تقديره ومحبته لهم:

«

أصدقائي.. أحبائي:

شكراً لكم جميعاً. شكراً لكل من واسانا في مصابنا الأليم. وأخص بالذكر أبناء بلدتنا الحبيبة الخيام فقد شاركونا في مأساتنا وغمرونا بعاطفتهم. سائلاً المولى ألا يفجع أبا بإبنه أو أماً بإبنها فهي والله مصيبة المصائب.

أنا لا اعترض على الموت. فهو حق والإنسان مخلوق عاقل مائت فكل نفسٍ ذائقة الموت. ولكن سئل احدهم لماذا تخاف الموت فأجاب: أنا لا أخافه وكيف أخاف من شيء لن التقي به أبداً، فعندما أكون موجوداً يكون هو غائباً وعندما يحضر أكون أنا غير موجود.. ولكني أكرهه لأن الموت يعني فقد الأحبّة، وفقد الأحبّة يشعل القلب ويعذّب النفس ويسلب الحياة كل معنى، كل طعم ولون.

نعم أنا أكره الموت وأمقته وأحقد عليه خاصةً عندما يباغت ويقلب المعادلات فيدفن الأب والأم ولدهما.

لماذا لا ينذر؟

لماذا لا يحاور؟

لماذا لا يناقش؟

لماذا لا يساوم؟

لو فعل لما قدمت له كبشاً، بل كنت قدمت له نفسي، انسانٌ مقابل انسان.

الحمد لله على كل حال. أكرر شكري لكم جميعاً، وأبعد الله عنكم هذه الكأس المرّة.

»

---------- --------- ----------


تتقبل عائلة فقيد الخيام الغالي، الدكتور علي نصرت حيدر، التعازي في بيروت في مركز جمعية التخصص والتوجيه العلمي – الجناح – قرب مركز امن الدولة، وذلك نهار الإثنين الواقع فيه 1 نيسان 2019 من الساعة الثالثة بعد الظهر الى الساعة السابعة مساءً

له الرحمة ولذويه الصبر والسلوان.

سجل التعازي بالمرحوم الدكتور علي نصرت حيدر (أبو كرم)

طارق.. أمك مشتاقةٌ إليك وعاتبة عليك. لماذا لا تزورها في أحلامها فتواسيها وتخفف عنها فقد عودتها أن تكلمها كل يوم.
طارق.. أمك مشتاقةٌ إليك وعاتبة عليك. لماذا لا تزورها في أحلامها فتواسيها وتخفف عنها فقد عودتها أن تكلمها كل يوم.


تعليقات: