قايد صالح يعدّل خطة الحلّ: صراع الجيش والرئاسة إلى العلن

استطاع قايد صالح في وصفته للحل استمالة فريق من المتظاهرين (أ ف ب )
استطاع قايد صالح في وصفته للحل استمالة فريق من المتظاهرين (أ ف ب )


تحوّل رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، إلى الطرف الأقوى في المعادلة السياسية في البلاد، بعد تبنيه خيار إعلان شغور منصب الرئيس، وتحذيره كل مَن يعارضه داخل النظام. أما مؤسسة الرئاسة، فتعيش أسوأ أيامها بعد استنفادها كل أوراق الحل، وفقدانها جميع حلفائها


الجزائر:

أصبح الصراع بين الرئاسة الجزائرية التي يديرها مقربون من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومؤسسة الجيش، مكشوفاً وعلنياً، وذلك عقب إصدار الأخيرة بياناً، أول من أمس، تكشف فيه ملابسات مثيرة عن «اجتماعات سرية» تهدف، كما قالت، إلى «الإيهام بأن الشعب يرفض مقترح الجيش تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنص على إعلان شغور منصب الرئيس». وتحدثت وسائل إعلام مقربة من رئاسة أركان الجيش عن أن هذه الاجتماعات ضمّت شقيق الرئيس، ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، ومدير المخابرات السابق الفريق محمد مدين (المدعو توفيق)، وكان الهدف منها التحضير لخطة مغايرة لتلك التي يطرحها الجيش. وفسّر البعض حديث المؤسسة العسكرية عن خطة بديلة لتطبيق المادة 102، باتفاق شقيق الرئيس ومدير المخابرات السابق، مع الرئيس السابق إليامين زروال، من أجل أن يتسلّم الأخير إدارة الفترة الانتقالية. ومع أن كثيراً من الأخبار راجت حول انتقال زروال من مسقط رأسه في محافظة باتنة شرقي البلاد، إلى العاصمة الجمعة الماضي، إلا أن تصديق هذه الرواية بدا صعباً للعديد من المتابعين، نظراً لطريقة تفكير زروال، الذي كان ينظر دائماً بعين الريبة إلى حكم بوتفليقة، وعارضه بشكل مباشر عبر رسالة وجّهها للجزائريين عام 2014.

وضمن البيان نفسه الصادر عن الجيش، هدد رئيس الأركان، بشكل صريح، بأنه «سيتصدى لكل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية، أو تمسّ بالجيش الوطني الشعبي، الذي يُعدّ خطاً أحمر». وفُهم من هذا الكلام أن مؤسسة الجيش لم تعد تعترف بالقرارات التي يُمكن أن تصدر من الرئاسة باسم بوتفليقة، كونها ترى أن منصبه في هذه الظروف في حكم الشاغر. وفي ذلك، نوع من الاستباق لقرارات قد تكون انتقامية من قِبَل الرئاسة ضد قيادة الجيش الحالية، بعدما أصبح الطرفان في ما يشبه المواجهة المفتوحة.

تدفع محدودية خيارات الرئاسة إلى استقالة الرئيس أو عزله من قِبَل المجلس الدستوري

وتواترت، أمس، الأخبار عن توقيفات مسّت كبار رجال الأعمال الموالين لشقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة. وما تأكد منها، حتى الآن، هو الإطاحة برئيس «منتدى المؤسسات» المستقيل علي حداد، أحد أكبر الرجالات النافذين في البلاد في السنوات الأخيرة. وتعرض حداد للتوقيف في مركز حدودي بري، وهو يهمّ بالدخول إلى تونس. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أن فرقة خاصة كانت تترصده بعد صدور أمر بمنعه من السفر في الأيام الماضية. وحاول علي حداد الخروج من الأراضي الجزائرية، عبر جواز سفر بريطاني يمتلكه، إلا أنه لم يُسمح له بالمرور من حرس الحدود، بعد ورود أوامر إليهم بالقبض عليه. وتفيد المعلومات بأن الكثير من رجال الأعمال والمسؤولين الحاليين والسابقين، أصبحوا ممنوعين من السفر رسمياً.

وبناءً على هذه التطورات، تبدو خيارات الرئاسة محدودة جداً، وقد يدفع هذا إما إلى استقالة وشيكة للرئيس بوتفليقة، أو صدور قرار من المجلس الدستوري بعزله. ويتحرك مشرعون من «جبهة التحرير الوطني» (حزب الرئيس) باتجاه جمع التوقيعات وإخطار المجلس الدستوري بشغور منصب الرئيس، وذلك في انقلاب جذري في مواقفهم بعدما كانوا من أوائل الداعين لولاية خامسة. ويُمكن القول إن الفريق أحمد قايد صالح، من خلال تدخله، قد أحدث اختراقاً في الرأي العام الذي استمال جزءاً منه إلى طرحه. وكان لافتاً التغير الذي طرأ أمس على نبرة الجيش، في ما يخص حلّ الأزمة. فبعدما كان يقول يوم الثلاثاء الماضي إنه يجب تطبيق المادة 102 حصرياً، شدد هذه المرة على أنه يجب تفعيل المادتين 7 و8 كذلك (حق الشعب في ممارسة سيادته)، في استجابة لمخاوف البعض من أن المادة 102 تتيح هامشاً ضيقاً لإجراء انتخابات رئاسية، بعيداً من شبح التزوير. ويتيح اقتراح تفعيل المادة 7 و8، في المقابل، إمكانية الذهاب إلى حل سياسي بعد تطبيق المادة 102، وإعلان شغور منصب الرئيس، أي أنه يمكن إطالة فترة المرحلة الانتقالية قليلاً من أجل تعديل قانون الانتخابات، وإنشاء هيئة مستقلة لتنظيمها، وتطهير القائمة الانتخابية، وكذلك تعيين حكومة توافقية تسهر على إدارة هذه المرحلة.

لكن التخوف من المؤسسة العسكرية بقي قائماً لدى قطاع من الرأي العام الجزائري. وبدا أن أكثر ما أثار الهواجس من موقف الجيش، هو اعتبار رئيس الأركان أن غالبية الجزائريين رحبّت خلال الجمعة الماضية بدعوته إلى تطبيق المادة 102، واستثناؤه منهم أطرافاً تعمل على «مخطط يريد ضرب مصداقية الجيش»، على حدّ قوله. وبدا هذا الكلام مُجانباً لحقيقة تفاعل الجزائريين مع دعوة تطبيق المادة 102، التي اعتبر الكثيرون أنها لا تفي بمطالب التغيير الجذري للنظام، فيما رآها آخرون تهديداً مبطناً لكل من يعارض تصور الجيش لحل الأزمة. وفي ظلّ عدم ظهور خارطة مفصلة للحل الذي يقترحه الجيش، عدا الاكتفاء بالعموميات، بدأت تساؤلات حقيقية تُطرح حول من سيدير المرحلة الانتقالية، وما إذا كان الجيش سيكون هو المتحكم فيها، في ظلّ عدم ظهور قادة للحراك الشعبي يمكنهم أن يتصدّروا الواجهة.

تعليقات: