هذه مخالفات خطة الكهرباء الفادحة!


بعد عشر سنوات من الهدر والمناكفات السياسية و"التبريرات الوهمية" لوزراء الطاقة المتعاقبين، أقرّ مجلس الوزراء خطة الكهرباء. فانفرجت أسارير وزيرة الطاقة (الوكيلة) وانطلق معها الوزير (الأصيل) جبران باسيل "مزكزكاً" خصومه عبر حسابه على "تويتر"، وكأن العهد حقّق انتصاراً "إلهياً"، أمّن بموجبه وبقدرة قادر الكهرباء 24/24، ووضع حداً لعجز القطاع وكل ذلك وفق أصول سميت "قانونية"..

إلا أن الواقع مغاير تماماّ لهذه الصورة المخادعة والاستفزازية، التي حاول وزراء التيار الوطني الحر رسمها مساء الإثنين. وباختصار، ما تم الاتفاق عليه على طاولة مجلس الوزراء، وبرعاية رجل العهد رئيس الجمهورية ميشال عون، مخالف لأكثر من قاعدة قانونية. كما أنه مخالف لإحدى مواد الدستور اللبناني. فاتفق الجميع على المخالفات، إما تواطؤاً أو إهمالاً أو "جهلاً" بمعرفة القوانين.

وما حصل فعلياً، هو أن المجتمعين ارتأوا جمع المخالفات ووضعها في قوالب جاهزة، وقوننتها، تجنباً لأي اعتراضات لاحقة من أي جهة رقابية، لاسيما من إدارة المناقصات كونها المعني الأول بالأمر.

مشروع قانون معجل

بالنظر إلى مشروع القانون المعجل، الذي تم التوافق عليه في مجلس الوزراء، وإحالته إلى مجلس النواب تتجلى المخالفات بوضوح. وبانتظار إقرار القانون، يبقى مضمون المشروع مجرد مخالفات، أما حين يتم إقراره فتتحول المخالفات الوقحة إلى "قانون" غير مخالف.

وحسب القانون المعجل، المؤلف من مادتين نصت الثانية على:

(أ) تلزّم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية، بشروط تحدد تفاصيلها الإدارية والتقنية والمالية الكاملة في دفتر شروط خاص تعدّه وزارة الطاقة والمياه.

(ب) يستثنى في مراحل إتمام المناقصات تطبيق أحكام قانون المحاسبة العمومية وسائر النصوص ذات الصلة بأصول التلزيم، التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها.

المخالفات

المخالفة الأولى ترتبط بالفقرة (أ) وتحديداً في عبارة "بعد فترة زمنية" بمعنى أن تلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية "غير محدّدة"، وهذا أمر مخالف صراحة للمادة 89 من الدستور، التي تنص على أنه "لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود"، من هنا تّعد مسألة عدم تحديد مدة زمنية للتلزيم انتهاكاً للدستور واستباحة لموارد الدولة.

كذلك تتضمن الفقرة (أ) مخالفة أخرى، هي حصر وضع دفتر الشروط بوزارة الطاقة والمياه، متجاهلة دائرة المناقصات والمجلس الأعلى للخصخصة، وكل مؤسسة معنية بالأمر. بمعنى آخر تم تحويل ملف الكهرباء إلى ملكية خاصة وبموجب القانون.

أما الفقرة (ب) فأقل ما يقال عنها أنها وقحة، تخالف جوهر قانون المناقصات العمومية وقانون المحاسبة العمومية. وقد وضعت لتغطية أي مخالفات لاحقة في تنفيد عقد التلزيم، فهي تغطي (بعد إقرار القانون) المناقصات بحال وجود مخالفات أحكام قانون المحاسبة العمومية وسائر النصوص ذات الصلة بأصول التلزيم، التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود.

مكتب بريد

وفي قراءة لأحد القانونيين، فإن مشروع القانون المعجل المذكور، والذي أقرت على أساسه خطة الكهرباء، لا يطبق أصول التلزيم المنصوص عنها في قانون المحاسبة العمومية. وهو بالتالي سينسف حق المنافسة والعلانية والمساواة. ولا يمكن، حسب الخبير القانوني، وصفه سوى بـ"السيء جداً".

وبذلك لا يمكن ترجمة التعديل القانوني، المنوي إقراره في جلسة مجلس النواب المقبلة، وفق حديث الخبير القانوني إلى "المدن"، سوى بانتهاك فادح لناحية منح امتيازات مفتوحة، وتخلي السلطة التتشريعية عن دورها لصالح السلطة التنفيذية، وضرب القواعد المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية، وتحويل إدارة المناقصات العمومية إلى "مكتب بريد"، وإطلاق يد وزارة الطاقة من دون حسيب أو رقيب، والسبب إقرار خطة الكهرباء.

في المحصلة ستتم قوننة ما عجزت وزارة الطاقة عن تنفيذه على مدار السنوات السابقة، بالتهويل والتهديد والتخوين والعرقلة عبر إدارة المناقصات.


تعليقات: