تلوّث نفطي في السان تيريز.. ولا من مجيب!


ما يزال الحفر العشوائي للآبار الإرتوازية دون ضوابط ولا رقابة يجلب للبنانيين كوارث وأزمات، فلا دراسة للأثر البيئي، ولا عقوبات صارمة تضع حدا لظاهرة على هذه الدرجة من الخطورة، فضلا عن أن وزارة الطاقة والمياه المعنية بهذا الملف تواجه صعوبات جمة نظرا لحجم المشكلة، خصوصا وأن ثمة تقديرات تشير إلى أن هناك نحو عشرة آبار إرتوازية في كل كيلومتر مربع في لبنان، وفي معادلة حسابية بسيطة، يتبين أن ثمة أكثر من مئة ألف بئر، ومثل هذا الرقم يستدعي دق ناقوس الخطر.

وتجدر الإشارة إلى أننا لا نتحدث هنا عن نتائج بعيدة المدى متأتية من استنزاف المياه الجوفية ما قد يفضي إلى الجفاف وتاليا التصحر، خصوصا مع احتمال نضوب الينابيع وغير ذلك من تبعات تطاول مخزون المياه الجوفية، مع ما يترتب على هذا الأمر من آثار على مختلف قطاعات الحياة، ولا سيما منها مياه الشفة والقطاع الزراعي، وإنما نتحدث عن راهنية هذه المشكلة بنتائجها المباشرة، فقد لحظت أكثر من دراسة في السنوات الماضية أن نحو 90 بالمئة من ينابيع لبنان ملوثة، وعزت السبب بالدرجة إلى عدم وجود معامل معالجة للصرف الصحي، وعوامل أخرى كالتمدد العمراني دون دراسات تراعي الحد الأدنى من شروط بيئية وصحية وتبقي ثروتنا من مياه جوفية في منأى عن الهدر والاستنزاف والتلوث.

حي السان تيريز

ما استوقفنا خلال الأيام القليلة الماضية، أكثر من صرخة أطلقها مواطنون في حي السان تيريز في منطقة الحدث، لكن تبين أن المشكلة ترقى إلى نحو ثلاثة أشهر، لم تجدِ خلالها مناشدات الأهالي للمسؤولين ليبادروا إلى رفع الضرر، علما أن معظم مياه الآبار ملوثة بمواد عضوية ناجمة عن الصرف الصحي، وليس ثمة رقابة على معظمها، لكن في حالة السان تيريز جاء التلوث باديا للعيون، مياه داكنة تفوح منها رائحة المازوت، أما ما خفي من تلوث فيحتاج إلى تحليل عينات من المياه، ليس للتأكد مما هو مؤكد لونا ورائحة، وإنما لمعرفة ما إذا كان ثمة ملوثات أخرى بكتيرية وجرثومية.

مشكلة أهالي وسكان حي السان تيريز تفترض أن تطرح على نحو سريع ضرورة تبني وإقرار خطة طارئة، تنفذ على مراحل، وتبدأ بإيجاد حلول سريعة وآنية رفعا للخطر الذي يتهدد المواطنين، وتاليا إعداد دراسة شاملة وتأمين قاعدة بيانات تكون المنطلق للمعالجة وفق معطيات واضحة.

البروفسور حمية

في هذا السياق، أجرى greenarea.me اتصالا بالعميد في الجامعة اللبنانية البروفسور تيسير حمية، وهو من القاطنين في السان تيريز، فأشار بدايةً إلى “هذه المياه التي تصل إلى بيوتنا نستعملها لغسل الخضار والفواكه وغسل الثياب والإستحمام، وهي ملوثة بمازوت محطات بنزين الحدث كما هي ملوثة بأصحابها ومن يديرها”، لافتا إلى أن “لون هذه المياه الملوثة باد للعيان ورائحة المازوت تشم مباشرة عند فتح الحنفية (الصنبور)”.

وأضاف حمية: “منذ ثلاثة شهور حتى اليوم لم يتحرك أحد من مسؤولي الدولة اللبنانية رغم نداءاتنا المتكررة، فلا وزارة اهتمت بالموضوع ولا بلدية اهتمت ولا اتحاد بلديات أبدى اهتماما أيضا، ولا أي من القوى الأمنية تدخل”، وقال: “نحن سكان السان تيريز – الحدث نشكو كل المتواطئين والفاسدين والمفسدين في هذه القضية وكل قضايانا اليومية إلى أهل السماء لأنهم يسمعوننا ولأن أهل الأرض لا يسمعون ولا يرون ولا يفقهون ولا يتحركون”.

دراسة متكاملة

وأشار إلى أنه “أجري فحص للمياه منذ فترة ولكن ليس من قبلي، ولكنني الآن وضعت أحد الطلاب الماجستير لمتابعة الموضوع، لأننا نريد عملا موثقا ومدققا”، وأضاف: “بحسب خبرتي في مجال الأبحاث وكما ذكرت في مقالة صغيرة سابقا، فإن مياه الدولة تظل مقطوعة في حدود الثمانية أو التسعة أشهر، وتصلنا ثلاثة أشهر، وقد شرحت لماذا نركز على مياه الآبار، وذلك بسبب أنه ليس لدينا خيار آخر، علما أننا في الضاحية الجنوبية بشكل عام وفي الأحياء من السان تيريز إلى شارع هادي نصر الله، مياهنا معظمها مالحة، أي مياه الآبار والآن طغت رائحة المازوت”.

وقال حمية: “ما عدنا نتوضأ ونغسل أسناننا بهذه المياه، وما زلنا إلى اليوم نستحم بها، ولكن أوقفنا بالطبع غسل الخضار والفاكهة، ونغسلها بمياع الغالونات الصغيرة، وأنا متأكد وعلى يقين أن المياه ملوثة بمادة المازوت وأنا أعرف المازوت وخصائصه، فضلا عن أن اللون واضح، كما أننا أخذنا عينات من مياه البئر مباشرة، كي لا يقال أنّ التلوث مصدره الخزانات، والآن نحضر عينات من باقي الآبار، ولدينا حوالي اثنتي عشر بئرا إرتوازية في المنطقة، ولدي الآن أربع عينات وطلبت تزويدي بعينات أخرى، لتكون الدراسة متكاملة”.

شبكات الصرف الصحي

ولفت إلى أنه “العالم الماضي كان ثمة تلوث بمياه الصرف الصحي، ولكنه ظل بعيدا عنا وطاول جيراننا بما فيهم سكان البناء الذي يشغله وزير الصحة الدكتور جميل جبق، وذلك نتيجة الأشغال المتكررة في شبكات الصرف الصحي، ما أدى إلى تسرب التلوث إلى مصادر المياه الجوفية، وتوجه وقتذاك وفد من السكان في البنايات المتضررة إلى بلدية الحدث وكان الجواب أنه لا يحق لكم حفر آبار، وإذا لا يحق لنا حفر آبار إرتوازية فهل يحق للبعض تلويثها عمدا أو عن غير عمد؟”.

وأشار حمية إلى أنه “لم يعد أمامنا خيار سوى طرح هذه المشكلة على مواقع التواصل الاجتماعي”، ولفت إلى أنه “لا يمكن تحديد محطة المحروقات المسببة لهذا التلوث، لكن كل المحطات الموجودة في مناطق أعلى مشكوك بأمرها”، منوها إلى أن هناك “دراسات تبين المحطة المعنية ولكن الأمر يتطلب المال، أي ما يعرف بدراسة التتبع”.

جريمة كبرى

إن تلويث المياه الجوفية يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، وإقفال الآبار ممكن في حال أمنت الدولة المياه للأحياء السكنية، ولكن إذا لم تكن المياه مؤمنة للبيوت وليس ثمة خيار متاح سوى المياه الجوفية متوفرة وإذا آبار المنطقة برمتها قد تلوثت بفعل فاعل، فهذا ما لا يمكن القبول به بحسب حمية، وأضاف أن “على أجهزة الدولة ان تتحرك من أجل إنقاذ سكان يزيد عددهم عن 30 ألف مواطن”، لافتا إلى أن ما هو قائم “جريمة كبرى”.

تعليقات: