السعر غير الرسمي للدولار يقفز إلى 1530 ليرة: منسوب القلق يرتفع

ثمة ندرة في الدولارات المتوافرة في السوق بسبب الهندسات المالية (مروان طحطح)
ثمة ندرة في الدولارات المتوافرة في السوق بسبب الهندسات المالية (مروان طحطح)


تشهد السوق المالية طلباً على الدولار أدّى إلى ارتفاع سعر الصرف إلى أكثر من 1530 ليرة لكل دولار. سبب هذا الارتفاع يعود إلى مجموعة عوامل تتلخّص بعبارة واحدة: «منسوب القلق يرتفع»

في بداية الأسبوع الماضي انطلقت موجة جديدة من الطلب على الدولار أدّت إلى ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق بمستوى قياسي، إذ جرى تداول الدولار بأكثر من 1530 ليرة (في السوق التجارية ولدى عدد كبير من الصرافين)، اي بارتفاع قيمته 22.5 ليرات وما نسبته 1.5% مقارنة بالسعر الوسطي المعتمد من قبل مصرف لبنان والمحدّد بـ1507.5 ليرات لكل دولار واحد.

لوحظ أن الطلب على الدولار ليس محصوراً بالصرافين فقط كما كان عليه الأمر قبل بضعة أشهر، بل توسّع الأمر ليشمل عمليات المفرق مع الزبائن، وخصوصاً تجار الأجهزة والخدمات الخلوية الذين طلبوا من الزبائن تسديد الفواتير وأثمان السلع والخدمات بالدولار أو احتساب سعر الصرف على السعر الأعلى، أي 1525 ليرة لكل دولار، وصولاً إلى 1530 لكل دولار. بالنسبة إلى هؤلاء التجار، تفرض الشركات عليهم تسديد الفواتير بالدولار، وبالتالي عليهم أن يحصّلوا ثمن الخدمات بالعملة نفسها ما يتركهم أمام خيارين: تحصيل قيمة المبيعات للزبائن بالدولار، أو تحصيلها بالليرة اللبنانية بما يوازي سعر الصرف عند الصرافين.

يجمع الصرّافون الذين اتصلت بهم «الأخبار» على أن المشكلة تكمن في ندرة الدولارات في السوق. «لا أحد يعرض علينا شراء العملة الخضراء، في مقابل طلب على التحويل من الليرة إلى الدولار»، يقول أحد الصرافين. ووفق الاعتقاد السائد بين الصرافين، لم يعد الطلب على الدولار مرتبطاً بكبار التجار فحسب، بل يشمل أيضاً الزبائن العاديين من أجراء وموظفين وسواهم من الذين يواجهون مماطلة من المصارف لتحويل ليراتهم إلى دولارات. وبعضهم يشير إلى أن «هذا الأمر يمكن ملاحظته من خلال كمية الدولارات التي يطلبها الزبون. كبار التجار يطلبون تحويل كميات كبيرة، فيما الزبائن العاديون، يطلبون تحويل كميات متواضعة نسبياً. هذه الفئة من الناس تقوم بعمليات التحويل من الليرة إلى الدولار بهدف ادخارها نقداً في المنازل لمواجهة أي تطورات طارئة يمكن أن تحصل».

ولوحظ أن هذا الطلب لم يكن موجوداً لدى المصارف، بل كانت هذه الأخيرة تبيع زبائنها الدولارات بسعر 1516 ليرة، إلا أن إدارات الفروع المصرفية كانت تحدّد هوية الزبائن الذين تبيعهم الدولار، ما يعني أنها تقنّن تزويد السوق بالعملة الخضراء تبعاً لمعاييرها الخاصة المتصلة بالزبون وحجم علاقتها به ونوعه. بحسب أحد مديري الفروع المصرفية، ليس هناك وفرة في عرض الدولارات في السوق، سواء من الزبائن أو من مصرف لبنان، «ما بات يفرض علينا أن نتعامل مع الزبائن على أساس تصنيف معيّن، فإذا أتى شخص ما يريد شراء الدولارات وهو ليس زبوناً لدى المصرف لا يمكن تلبيته بالسرعة التي يريدها».

لا ينكر بعض المصرفيين وجود أزمة دولارات في السوق، إلا أنهم يجزمون بأن المشكلة تكمن في الظروف المحيطة. فمن جهة، جاءت فترة الأعياد لترفع الطلب على الدولار في السوق (سواء ما يتعلق بها بالإنفاق الداخلي أو بالإنفاق الخارجي للبنانيين الراغبين بتمضية العطلة في الخارج). ومن جهة ثانية، هناك الهندسات المالية التي يواصل مصرف لبنان تنفيذها مع المصارف والتي تفرض على الأخيرة البحث عن مجالات ربحية أكثر جدوى من خلال بيع الدولارات لمصرف لبنان أو توظيفها لديه مقابل الاستدانة بنسبة 125% من قيمتها بالليرة اللبنانية وبفائدة 2%، ثم توظيف الناتج من هذه العمليات بشهادات إيداع أو ودائع لدى مصرف لبنان بفائدة تصل إلى 12%. وهذه العملية تستهدف امتصاص الدولارات بنحو متواصل، ما يؤدي إلى تقليص عرضها في السوق وتقنينها.

وقد أدّت الشائعات الأخيرة عن احتمال نشوب حرب في الصيف المقبل دوراً في زيادة منسوب الطلب على الدولار وادخاره في المنازل، فضلاً عن أن الأزمة الأميركية - الإيرانية حفّزت الطلب على الدولار بسبب ارتفاع منسوب المخاوف من تصاعد حدّة الأوضاع السياسية في المنطقة التي تزيد من احتمالات ارتفاع سعر برميل النفط.

في الواقع، ليست هذه المرّة الأولى التي تعاني فيها السوق المحلية من نقص في الدولارات، بل إن الأمر تكرّر أكثر من مرّة في الأشهر الماضية مع فرق أساسي يكمن في اختلاف الظروف المحلية. ففي تشرين الثاني 2017 كان الطلب على الدولار مرتبطاً بتطورات بارزة، من أهمها احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في السعودية. وفي الفترة التي تلت الانتخابات النيابية، كان هناك نوع من انعدام اليقين السياسي الناتج من عدم اتفاق الأطراف السياسية على تشكيل حكومة. أما اليوم، فهناك حديث متزايد عن الانهيار في مقابل «الإجراءات الموجعة» التي تتمحور حول رغبة بعض الأطراف السياسية في الاقتطاع من رواتب القطاع العام وأجوره لتحسين أرقام العجز في الموازنة. هذا الأمر يجري من خلال عملية تسويق بأن القطاع العام هو لبّ المشكلة، رغم أن الوقائع تشير إلى أن عجز الخزينة، بما فيها الرواتب والأجور وخدمة الدَّين العام، ليس سوى جزء واحد من أجزاء عدّة تتألف منها الأزمة المتصلة بعجز لبنان الخارجي وحاجته إلى الدولارات بمعدل لا يقل عن 17 مليار دولار سنوياً.

تعليقات: