حسين شبلي: لن أهجر أرضي وسأرعى الماشية ولو برجل واحدة

شبلي يحمل صورتي والده وولده الشهيدين (طارق ابو حمدان)
شبلي يحمل صورتي والده وولده الشهيدين (طارق ابو حمدان)


ابن أول شهيد في العرقوب يأمل أن يكون آخر ضحايا العنقودية..

حلتا:

بدا حسين شبلي وهو مستلق على سريره البسيط في منزله المتواضع عند الطرف الغربي لبلدته حلتا، متماسكا قويا واثقا، لم تهزمه قنبلة اسرائيل العنقودية رغم بترها لساقه. ويقول: اني أتعافى وسأعود الى حياتي الطبيعية، لاننا بالإصرار على الحياة نواجه عدونا الخبيث.

يروي حسين حكاية انفجار القنبلة بدقة، وهو الذي امضى ساعتين ينزف في البرية، قبل ان يصل الى المستشفى.

«مع انفجار القنبلة تحت قدمي»، يقول، «ظهرت امامي صور حوادث مشابهة، عدت بالذاكرة للحظات الى حرج الصنوبر المواجه، هناك حيث قضت قنبلة مشابهة على طفلي رامي وجرحت شقيقه خضر، وكأني لمحت لبرهة والدي يصرع برصاص كوماندوس اسرائيلي بعد قتله تسعة منهم، عندها تنفست الصعداء، حملت ما تبقى من قدمي المتدلية، مشيت لساعة ونصف ساعة قبل ان يصل اهالي البلدة لنجدتي».

«كتب على بيتنا ان يدفع ثمن اعتداءات اسرائيل غاليا» تقول نهاوند حمودي، والدة حسين. وتضيف: حكايتنا مع عدونا طويلة ومكلفة، فهي بدأت فجر الأحد في 3-9-,1969 عندما هاجمت بلدتنا قوة اسرائيلية كبيرة ردا على عملية فدائية، حملت اطفالي الى داخل مغارة مجاورة لمنزلنا لنحتمي من القصف، كما العديد من جيراننا، امضينا 24 ساعة لم تسكت فيها القذائف ولا الرصاص، لم يلحق بنا زوجي علي، رفض الإختباء وقرر مواجهة العدو، قاوم من على سطح منزلنا فقتل تسعة من الإسرائيليين قبل ان يستشهد. جارتنا صالحة ذياب التي اسرتها القوة الإسرائيلية مع زوجها قاسم شبلي في ذاك اليوم، كانت محتجزة الى جانب المروحية الإسرائيلية، شاهدت بأم العين فرق اسعاف اسرائيلية تنقل الجثث من محيط بيتنا الى المروحية، احصت ستة جنود وثلاث مجندات قتلى و13جريحا. خرجنا من المغارة لنجد زوجي جثة مشوهة ومرمية على الطريق امام بيتنا، الذي حوله جيش الإحتلال الى ركام. وتتابع: «انه قدرنا في هذه المنطقة، ويكفينا فخرا ان زوجي علي هو اول شهيد في العرقوب انه عزنا».

وتقول حسن زوجة حسين شبلي: لم نبخل يوما بفداء عرقوبنا، لكن المهم بالنسبة لنا ان نجد من يقف الى جانبنا ويساعدنا في تجاوز همومنا. وتضيف: في العام الماضي سقطت قنبلة عنقودية على ولدي رامي (11عاما) وخضر (13 عاما)، بينما كانا يعملان في قطف الصنوبر، ظننا يومها ان الجهات المعنية انهت تنظيف الحرج من القنابل. قتل رامي على الفور وجرح خضر، كانت الحادثة مؤلمة وقاسية على العائلة، لكن لم يخطر ببالي ان تتربص عنقودية اخرى بزوجي بعد اشهر قليلة من انفجارها بولدينا». وتختم: لن نهرب من هذا الواقع، لقد توليت بنفسي متابعة مهمة زوجي في رعي القطيع بالتعاون مع ولدنا حسين، انهض باكرا أخبز مد طحين، أحضر الغداء ومن ثم اسرح مع الماعز في الأحراج بكل حذر، انتظر كل لحظة العنقودية فهل تنتظرني هي؟

يعود الوالد ليقول: «ارادوا عبر قنابلهم ابعادنا عن قرانا وتركنا اعمالنا، لكننا لن نرضخ ولن نهجر ارضنا. اراد ولدي الثالث، الذي ترك الخدمة في الجيش العام الماضي، الذهاب الى بيروت هربا من مشاكل هذه المنطقة وقنابلها، قلت له لا لن نغادر وسنبقى هنا. اشتريت 80 راس ماعز من المبلغ الذي كنا قبضناه كتعويض من مجلس الجنوب عن استشهاد ولدنا رامي، توليت انا وولدي حسين رعاية القطيع، تسلطت علينا الذئاب، كل يوم كانت تفترس رأسا او اثنين، فشلت كل اساليب مواجهتها، اخيرا قصدت جارنا ابو عدنان ابراهيم عبد العال لنحوط العنزات من شراسة هذه الذئاب (حلقومة الذئب) التي تكاثرت حولنا علها تبتعد عنا، في ذلك اليوم المشؤوم فقدت عنزة، حمل حسين الجفت وذهب ليفتش عنها في الحرج، ندمت لإرساله وحيدا فالقنابل العنقودية تغطي الأرض والكثير منها معلق في الشجر، كان بالي عنده لكن القنبلة اختارتني انا، دست عليها فانفجرت، سمع حسين الدوي ناديته من بعيد لا تقترب فعشرات القنابل حولي، توليت بنفسي الخروج من حقل القنابل بعدما ربطت رجلي بسلك نحاسي لوقف النزف، زحفت 25 مترا ومشيت على رجل واحدة حوالي كيلومتر، بقيت على هذه الحال حوالي ساعتين وصلت بعدها الى المستشفى، بتروا رجلي ومن ثم نقلوني الى مستشفى في صيدا، حيث خضعت لعدة عمليات جراحية.

ويختم: «لن نترك قنابل اسرائيل تهزمنا» يقولها حسين من قلب صادق وقوي. لن نتخلى عن ارزاقنا وسهولنا ومراعينا، سأعود الى رعي الماشية برجل واحدة بالرغم من الخسائر الكبيرة التي دفعتها عائلتي. واذا كتب على والدي ان يكون اول شهداء كفرشوبا والعرقوب في مواجهة عدونا، فأملي ان اكون آ خر ضحايا هذه القنابل العنقودية الحاقدة.

تعليقات: