الجرائم الإرهابية الدولية في حقّ القومية الأيزيدية

الرائد رواد سليقة (دكتوراه في القانون الدولي العام، استاذ مادة الارهاب والعدالة الدولية في  الجامعة الاسلامية)
الرائد رواد سليقة (دكتوراه في القانون الدولي العام، استاذ مادة الارهاب والعدالة الدولية في الجامعة الاسلامية)


في ضوء المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية


في 25 تشرين الاول 2018 نشرت منظمتا كنيات (KINYAT) والفيديرالية الدولية لحقوق الانسان (FIDH) تقريرا مفصلا توثقان فيه جرائم داعش الارهابية في حق القومية الايزيدية في شمال العراق.

في 26 شباط 2019 طالعتنا الصحف والاخبار العالمية عن ذبح 50 فتاة ايزيدية في مدينة باغور السورية قبيل بدء تحريرها من قوات قسد الكردية.

هذا ما دفعنا الى البحث عن دور القضاء الدولي في التحرك لتحقيق العدالة الدولية ومحاسبة قياديي داعش امام المحكمة الجنائية الدولية ،لاسيما ان الجرائم التي ارتكبت في اقليم سنجار شمال العراق ترقى الى جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية، وتدخل في صلاحيتها.


من هم الايزيديون؟

الايزيديون هم اقلية عرقية ودينية تعتبر من اقدم الديانات ويكتنفها العزلة والغموض لاسيما قبل المأساة التي الحقتها بهم الدولة الاسلامية المزعومة. اسم الايزيدية نفسه مثير للجدل. البعض يربطه باسم اليزيدية اي اتباع يزيد بن معاوية الخليفة الاموي الذي عرف بقتاله الشيعة وضلوعه في تدبير مقتل الامام الحسين )ع( في كربلاء. والبعض ربط الاسم الايزيدية بكلمة إيزيد EZID اي "الله "باللغة الكردية وتعني الكائن الاسمى وهو يشدد على التأثر بالزرداشتية والثقافة الهندية الايرانية.


أماكن وجودهم

يتراوح عدد سكان الايزيديين بين 700 الف ومليون نسمة، يعيش معظمهم في العراق والبعض في سوريا وتركيا والمانيا وجورجيا وارمينيا.

اما لغتهم الام فهي الكرمانجية ويتكلم قسم منهم الكردية والعربية.


هجوم تنظيم داعش على سنجار

في اوائل آب 2014 شن تنظيم داعش هجومه على منطقة سنجار شمال العراق واحكم السيطرة على الاقليم ما دفع حوالى 35 الى 50 الف شخص من المجتمع الايزيدي ومعظمهم من النساء والاطفال إلى اللجوء إلى مواقع في جبال سنجار للنجاة بأرواحهم، كما فرّ نحو 130 الفا منهم الى مدن دهوك واربيل في كردستان العراق .

شكل هجوم سنجار بداية حملة عالية التنظيم وبالغة الوحشية لمحو الهوية الايزيدية قتل فيها الآلاف من الايزيديين مباشرة، في حين اختطفت المئات من الفتيات الايزيديات والاطفال واخذوا اسرى لدى التنظيم ليتم بعد ذلك مقايضتهم وبيعهم واسترقاقهم. تضمن تقرير البعثة الفيديرالية لحقوق الانسان شهادات كثيرة لنساء وفتيات ايزيديات تم استرجاعهم من التنظيم تحدثن فيها عن الممارسات الجنسية الوحشية لعناصر داعش في حقهن، ما يؤكد أن التنظيم اعتمد ايدولوجية ممنهجة من الاسترقاق والعنف الجنسي يرتقي إلى وصفه بالجرائم ضد الانسانية او جرائم الابادة الجماعية .

يضيف تقرير البعثة الدولية لحقوق الانسان ان مقاتلي داعش هم من مختلف الجنسيات منها: السعودية واليمن وليبيا ولبنان والاردن وسوريا وفلسطين والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والمانيا وفرنسا والصين.

هل الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في حق الايزيديين جرائم دولية ترقى الى وصف الابادة الجماعية او الجرائم ضد الانسانية، وتدخل في نطاق صلاحية المحكمة الجنائية الدولية؟


المحكمة الجنائية الدولية

أنشئت بموجب بروتوكول روما عام 8991، وهي محكمة جنائية دولية دائمة مكملة لاختصاص المحاكم الوطنية، تتولى ممارسة اختصاصها على الاشخاص فقط الذين يرتكبون اشد الجرائم خطورة وهي (الإبادة الجماعية ،الجرائم ضد الانسانية، وجرائم الحرب).


جرائم الابادة الجماعية

هي اي فعل من الافعال التالية التي ترتكب بقصد اهلاك جماعة قومية او اثنية او عرقية او دينية بصفتها هذه اهلاكا كليا ام جزئيا: قتل افراد الجماعة، الحاق ضرر جسدي او عقلي جسيم بأفراد الجماعة، اخضاع الجماعة عمدا لاحوال معيشية يقصد بها الاهلاك الفعلي كليا ام جزئيا، نقل اطفال الجماعة عنوة الى جماعة اخرى...


الجرائم ضد الانسانية

اي فعل من الافعال التالية يعتبر جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في اطار هجوم واسع النطاق او منهجي موجّه ضد اي مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم: القتل العمد، الابادة، الاسترقاق، ابعاد السكان ،التعذيب، الاغتصاب، الاكراه على البغاء او الحمل القسري، او اي شكل من اشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة...


توصيف الجرائم المرتكبة ضد الايزيديين

وفقا للشهادات التي جمعتها البعثة الدولية لحقوق الانسان، ارتكب تنظيم داعش نمطا واضحا من جرائم الابادة الجماعية من طريق الحاق اذى جسدي او عقلي جسيم بأفراد الجماعة ومن طريق تعهد خوض احوال معيشية يُقصد بها انزال الهلاك الجسدي بالجماعة كليا او جزئيا. وتبين ان داعش ارتكب جرائم ضد الانسانية من خلال هجومه على منطقة سنجار في شمال العراق، أي منطقة وجود الايزيديين وكان عملا بسياسة تنظيم الدولة الاسلامية وفق نمط ممنهج من اعمال العنف الجسدي والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات الايزيديات وضمن سياق واسع النطاق ووفقا لشهادات الفتيات الضحايا اللواتي خضعن للاسترقاق الجنسي على يد افراد التنظيم من مختلف الجنسيات .

هل يكفي هذا التوصيف القانوني لتباشر المحكمة الجنائية الدولية وضع يدها على القضية وانعقاد اختصاصها؟

في اطار المساءلة ووفقا للقضاء العراقي، لا ينص القانون العراقي على مقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية مثل تلك التي ارتكبها تنظيم داعش ضد السكان الايزيديين بل تتم محاكمتهم وفقا لاتهامات اخرى منصوص عليها في القانون الجنائي العراقي مثل القتل، والاختطاف والاغتصاب وقد تم انزال عقوبة الاعدام في حق العديد منهم.


اطار المساءلة وفقا للقضاء السوري

تم القاء القبض على الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش من القوات الكردية السورية وتمت محاكمتهم امام القضاء الكردي السوري، لكن هذه الملاحقات القضائية التي جرت في المنطقة الكردية تثير نقاطا قانونية عدة: اهمها انها منطقة غير معترف بها دوليا وبالتالي لا تتمتع بوضع رسمي ما يثير تساؤلات حول شرعية اي اجراءات قانونية تقوم بها المحاكم الكردية.


دور المحكمة الجنائية الدولية

بعد هجوم داعش على منطقة سنجار تلقى مكتب المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية رسائل ودعوات من المجتمع المدني ومن حكومة اقليم كردستان، طالبها بالتدخل والتحقيق في الجرائم المرتكبة من تنظيم داعش في حق الايزيديين باعتبارها جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية.

الا انه في 8 نيسان 2015 اصدرت المدعية العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية السيدة فاتو بنسودة بيانا اعلنت فيه "تبدو احتمالية قيام مكتبي بالتحقيق وملاحقة اولئك الذين يقع عليهم اكبر قدر من المسؤولية ضمن قيادة تنظيم داعش محدودة"، وبرّرت قرارها بقولها ان الاساس القضائي لفتح تحقيق مبدئي في تلك المرحلة ضيق جدا باعتبار سوريا والعراق دولتين غير طرفين في بروتوكول روما المؤسس للمحكمة.


دور مجلس الامن

منذ بدء هجوم داعش على الايزيديين في العام 2014 وحتى 2017 لم يتحرك مجلس الامن لاتخاذ اي قرار في شأن احالة القضية الايزيدية على المساءلة الدولية امام القضاء الدولي رغم المطالبات العديدة من منظمات المجتمع المدني والدول الاعضاء الى ان صدر القرار رقم 9732 حول محاسبة تنظيم داعش عن الجرائم التي ارتكبها في العراق، بما في ذلك الجرائم التي ترقى الى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية. وطالب القرار بانشاء فريق تحقيق برئاسة مستشار خاص للامين العام لدعم الجهود المحلية الرامية الى مساءلة تنظيم داعش من طريق جمع وحفظ وتخزين الادلة في العراق على الاعمال التي ترقى الى مستوى جرائم حرب والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية.

ورغم ترحيب العراق على لسان وزير خارجيته ابراهيم الجعفري بالقرار واعتباره انتصارا للعدالة الانسانية وللضحايا، وتعبيرا عن الرفض العملي لوحشية داعش الا ان هذا غير كاف .مهمة فريق التحقيق اقتصرت على القاء المسؤولية على تنظيم داعش حول الجرائم المرتكبة ضد افراد المجتمع الايزيدي وتوثيق الادلة من دون الاحالة الى المحكمة الجنائية الدولية. ما اعتبره البعض فرصة ضائعة لتحقيق العدالة الدولية الشاملة.


الخاتمة

تنظيم داعش الارهابي الذي يضم عناصر من مختلف دول العالم، ومنهم دول موقعة على بروتوكول روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، قد ارتكبوا جرائم عنف جنسية وجسدية ضد السكان الايزيديين ترقى الى وصفها بالجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية.


ابرز التوصيات

1. ضرورة احالة مجلس الامن ملف الجرائم الارهابية على المحكمة الجنائية الدولية تحت بند الفصل السابع باعتبار ان جنسية معظم المجرمين من دول موقعة على اتفاق روما المنشىء للمحكمة.

2. قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من الدولتين العراقية والسورية.

3. تطوير برنامج دعم وحماية الشهود والضحايا الموجهة الى المجتمع الايزيدي المتضرر.


الرائد رواد سليقة (دكتوراه في القانون الدولي العام، استاذ مادة الارهاب والعدالة الدولية في الجامعة الاسلامية)

* المصدر: مجلة الأمن العام عدد 68 - أيار 2019


تعليقات: